«أكتب فلسطين متجاهلًا ما بعد الحداثة».. كريم عبدالسلام يتحدى اللامبالاة
- صوت السفاح يعلو على كل صوت ولا يستكين فى اليوم السابع بل يستمر فى ذبح الإنسانية
- كل حرف من حروف فلسطين هو نص يسلمك للذى يليه كاشفًا عن حجم مأساتنا وآثارها وآليات تفاقمها
منذ السابع من أكتوبر من العام الماضى يمارس جيش الاحتلال الإسرائيلى جرائم ضد الإنسانية فى فلسطين، ومع تواصل المجازر يتصاعد الجدل فى فضاءات مواقع التواصل الاجتماعى والسوشيال ميديا حول ماذا نحن فاعلون؟.. وهو بالطبع سؤال وجودى بالنسبة لنا جميعًا، فلكل منا طريقة تفكير فى التعبير عن موقفه، لكن الأمر يتخذ بعدًا إشكاليًا بالنسبة للغالبية العظمى من المبدعين والمثقفين: كيف نتضامن مع شعب فلسطين.. كيف نحتج بطريقة إيجابية؛ هل بالتوقف عن ممارسة نشاطنا الإبداعى أم بتفعيله فى سياق دعم المقاومة؟.. وبحسب مقولة ناجى الناجى المستشار الثقافى لفلسطين بالقاهرة: «هل ننكفئ على أنفسنا أم نقاوم بكل ما أوتينا من وسائل، وعلى رأسها الثقافة والفنون؟». وفى هذا السياق ينهض سؤال ما الذى يمكن أن يسهم به فن الشعر فى اللحظة الراهنة؛ هل يصرخ الشعراء بقصائد غنائية عصماء وخطابية ومنبرية؛ استهلاكية ومكررة، أو بنصوص هلامية ذاتية كالتى أغرقتنا فيها النظريات النقدية الغربية الخاصة بقضايا المجتمع الغربى، وقد استعرناها منه بعد أن أفلت هناك؟
ربما تتعلق الإجابة بتجاوز أو تجاهل النظريات، وإنتاج نص محيط بها لكنه ليس خاضعًا لها، نص مستقل ومغاير، يعزز الإدراك والإحساس بهول ما يرتكب من مجازر، نص يشحذ الوعى ويستشرف القادم ويعظم معنى الحياة دون تجاهل كونه فنًا.. وفى هذا السياق يأتى ديوان «أكتب فلسطين متجاهلًا ما بعد الحداثة» لكريم عبدالسلام؛ كتحدٍ جمالى يكسر التنظيرات التى أنتجت الكثير من النصوص اللامبالية، خصوصًا تلك التى بنيت على التنظيرات واعتمدت كليشيهات التعبير الهلامى والذاتى التهويمى، وخضعت لـ«مازورة» باتت مستهلكة فى العملية الإبداعية؛ حيث مفارقتها الفجة للأحداث والوقائع التى تعتمل فى حياتنا ويظهر تأثيرها علينا، ومنها تلك الجرائم الوحشية المتواصلة التى ترتكبها إسرائيل فى حق الشعب الفلسطينى.
عندما نتحدث عن «ما بعد الحداثة» دائمًا ما تبرز التنظيرات النقدية كخازوق فى قعر الواقع، فهى- وفقًا لما أورده الدكتور شاكر عبدالحميد فى كتابه «تطور الثقافة والفنون»- على النقيض من «الحداثة»؛ إذ تنظر إلى التاريخ القومى والهوية القومية على أنهما يمحوان، على نحو نموذجى، ذلك الالتزام الحداثى بما يسمى السرديات الكبرى أو حتى ما وراء السرديات، لكنها لم تقض على قضايا اجتماعية إشكالية، مثل الاستغلال والقهر والبؤس التى ظهرت مع مجتمعات الحداثة، وكل ما فعلته هو تجاهل وجود هذه المشكلات تمامًا والتظاهر بأن كل شىء على ما يرام، حيث يختفى الواقع بصورة نهائية فى «ما بعد الحداثة»، ولا نجد فيها ما يجسر الهوة بين وعينا وبين الواقع الخارجى؛ فقد استعاضت عن الواقع وتعقيداته وقضاياه الإشكالية بفيض من الصور البراقة الباهرة والترويج لمفاهيم التشتت السطحية والسرعة.
وفى العقدين الماضيين تجاوز أمر التنظير مرحلة «ما بعد الحداثة» حيث تتبلور نظرية جديدة يشار إليها الآن بمرحلة «بعد ما بعد الحداثة»، والتى تم التدشين لها فى بدايات الألفية الثانية بإعلان «الحداثة المغايرة: موت ما بعد الحداثة»؛ للناقد الفرنسى نيكولاس بوريو الذى يحددها بأنها «لحظة أن يكون بإمكاننا أن ننتج شيئًا له معنى، انطلاقًا من طفرة زمنية أو زمانيات مختلفة؛ بمعنى من نظرة إلى التاريخ الإنسانى بوصفه مكونًا من سلطات زمانية متعددة، مزدرين النوستالجيا إلى الرواد، أو الحنين لأى عصر. إنها نظرة إيجابية للفوضى والتعقيد وليست نوعًا مرعبًا من الزمن الذى يسير فى حلقات لولبية، كما ترى ما بعد الحداثة».
وبعيدًا عن التعريفات والمفهمة ربما نجد فى ثنايا التيار الأخير تماسًا ما لاسترداد التفاعل مع الواقع الذى انفصلت عنه الغالبية العظمى من الإبداعات- خصوصًا الشعرية- منذ أفول «تيار الحداثة».. ووفقًا لما أورده د. معن الطائى وأمانى أبورحمة فى كتابهما «الفضاءات القادمة.. الطريق إلى بعد ما بعد الحداثة»: «أصبحنا الآن فى مرحلة تجاوزت ثقافيًا وفكريًا وفنيًا إشكاليات ما بعد الحداثة، وبدأ الواقع يطرح علينا تحديات جديدة تتطلب استجابات مختلفة».
وإذا دققنا النظر فى تعبير كريم عبدالسلام؛ «متجاهلًا ما بعد الحداثة» نعرف أنه لا يقصد إقصاءها، بل الإلمام بها، وبغيرها من نظريات أظهرت- فى تقديره- عجزًا واضحًا فى فهم واستيعاب اللحظة الراهنة بكل تفاصيلها وتعقيداتها، ومن ثم يسعى لتجاهلها والقفز عليها ساخرًا من تموضعها المشين فى عصر يطرح فيه الواقع اللا إنسانى المتوحش تحديات جديدة تتطلب استجابات مختلفة.
وفى نصه الافتتاحى يقطع الطريق على المتسترين وراء مقولة الفن للفن وكفى، ويضع خارطة طريق لقراء ديوانه أو كتابه الشعرى؛ يعلن بصيغة البث المباشر- وفيما يشبه المانفيستو- عن طريقة تفكير يراها ناجزة فنيًا فى اللحظة الراهنة:
«أكتب فلسطين لأنى لست قاتلًا أو شاهد زور/ أكتب فلسطين ليتوارى شبح المنفى وتغادر الطيور السماوات المستأجرة...».. وصولا إلى: «أكتب فلسطين ضد الوحوش وفى مواجهة المجرمين/ ليت لى حيواتٍ لأكتب وأكتب، وأصواتًا لأردد دون توقف، وأيدىَ كثيرةً لأحملَ البنادق».
يُقسِّم كريم عبدالسلام كتابه الشعرى إلى ثلاث وحدات سردية، وفى نصه الأول «ناقد فى شرفة الطابق العاشر» يعمل على تحرير الخطاب الشعرى عبر منولوج ساخر- يتستر فى ظلال ديالوج «شد وجذب» بين صوته الداخلى والأصوات الخارجية- وفى مراوحة فكرية وفنية تعكس مقدار الوصاية التنظيرية المفروضة على الشاعر من سلطان نقاد ما بعد الحداثة أو من على شاكلتهم من سلطات، وفى الوقت نفسه يعزز خطابه الشعرى بنقد النقد؛ يقول:
«لا تصطدم بالقضايا الكبرى السابحة فى الهواء/ أو القضايا الصغرى المرتبطة بالكبرى من خلال نفق سرى/ اطرد كل الصور من خيالك/ انتهى ذلك الزمن؛ عندما كانت الكلمات تنزل على رءوسكم وأنتم عائدون من سهرة وسط البلد بعد منتصف ليل الثلاثاء، فتتلقفونها بفرح الأطفال مثل البالونات الملونة، مربوطة بخيوط فى الميتافيزيقا/ اكره الميتافيزيقا أيها الشاعر/ وعليك أن تختار بين يدك اليسرى وما بعد الحداثة).. وصولًا إلى: (أيها الشاعر لنكن متواضعين هادئين نغرق فى البانيو الذى نسميه المحيط الأطلسى، وحولنا زهور بلاستيكية حمراء من أحلام اليقظة، ونظراتنا تتجه إلى الداخل../ واضح.. مفهوم؟».
واستكمالًا للسخرية أو التأكيد على قناعاته بأن الفن يتحقق بملامسة الواقع حيث «غدا الكون أرضًا يمكن اجتياز أبعادها فى الزمان والمكان معًا»، وعبر توظيف كل ما هو مناسب معرفيًا وجماليًا؛ ينهل الشاعر من سرديات متعددة ومتنوعة؛ فنجده يستدعى فى نص «جوليات وداود قبل المونتاج» قصة داود وجوليات من العهد القديم ويقدمها فى سياق كاريكاتيرى؛ معكوسة تمامًا على مستوى المضمون، بينما يستعير الصيغة التوراتية على المستوى اللغوى. والمعلوم فى الرواية التوراتية أن «الإسرائيلى» داود راعٍ فقير مجرد من السلاح تغلب بالعصى والحجارة، على جوليات «الكنعانى» العملاق المدجج بالأسلحة، بينما يضع كريم عبدالسلام- فى سرديته الشعرية- جوليات مكان داود؛ إذ يصبح هو الفتى الأسمر النحيل الذى كل أدواته نبلة وحجر، ويتغلب على داود الإسرائيلى العملاق المدجج بترسانة من الأسلحة.
يتصادم كريم عبدالسلام مع الأَصحاح السابِع عشر من سفر صموئيل الأول بقدر من سخرية فى مفارقة فنية تحث على طريقة تفكير مغايرة، إذ يطرح رؤية استشرافية يستمدها من الماضى البعيد؛ حيث يوحى فى نصه أن القصة كانت كذلك «قبل المونتاج»؛ لكن أصابها ما أصابنا من تزييف وخنوع وهوان، فوصلتنا بما هى عليه وأوصلتنا لما نحن عليه فى اللحظة الراهنة، غير أنه يبث عبر نصه المعادل أمل أن يهزم الفلسطينيون أعداءهم؛ يقول:
«...، وَمَا إِنْ شَاهَدَ الإسرائيلى جوليات حَتَّى اسْتَخَفْ بِهِ لأَنَّهُ كَانَ فَتَى أَسمر ونحيلًا دون درع أو سيف أو خوذة تحمى رأسه...»، «ثُمَّ قَالَ لجوليات تَعَالَ يا روح أمك لأَجْعَلَ لَحْمَكَ طَعَامًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ...»، «وَعِنْدَمَا شَاهَدَ جوليات داود الإسرائيلى يَهُبُّ مُتَقَدِّمًا نَحْوَهُ، أَسْرَعَ لِلقَائِهِ. وَمَدَّ يَدَهُ إِلَى الْجرَابِ، وَتَنَاوَلَ حَجَرًا لَوْحَ بِهِ بِمِقْلاعِهِ وَرَمَاهُ، فَأَصَابَ جَبْهَة الإسرائيلى، فَغَاصَ الْحَجَرُ فِى جَبْهَتِهِ وَسَقَطَ داود عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ، لكنه أطلق رشاشه باتجاه جوليات الذى ألهمه الله أن يلتصق بالأرض ليتفادى الموت، ثم زحف حتى أصبح جوار داود المضرج بدمه، ومن المسافة صفر، وضع جولياتُ قنبلته اليدوية فى فم داود وقفز مبتعدًا ليشهد انفجار الجسد الإسرائيلى».
وكما استعان كريم بسردية من العهد القديم يستحضر من العهد الجديد سردية صلب المسيح لكن كنص مصور «إلهى إلهى.. لماذا تركتنى»؛ حيث تنويعات على صورة المسيح مصلوبًا واستمرار تلك الصورة مجسدة فى المسيح عاريًا إلا من الكوفية الفلسطينية، وإذ ينهى الوحدة السردية الأولى برمزية استمرار الصلب والمقاومة فى آن واحد، يستهل الوحدة الثانية التى تحمل نصوصها اسم فلسطين فى حروف منفصلة؛ كمرثية ممتدة ودلالة على التمزق.
كل حرف من حروف فلسطين هو نص يسلمك للذى يليه كاشفًا عن حجم مأساتنا وآثارها وآليات تفاقمها من أغنية العرب العاربة والمستعربة وصولًا إلى العرب البائدة؛ حيث «عندما التفتنا اكتشفنا أننا- منذ سنوات- ميتون»؛ ففى «فاء فلسطين» يخاطب الجيران الممزقين، والفتيات اللاتى يحلمن بالبيت، والمعلم والأم والأب والأولاد، والجثث المجهولة، والأطفال الخالدين فى قصص القتل، ويسائل الدخان المتصاعد: «هل يمكن اعتبارك امتدادًا للأرواح المحترقة/ أم علامة على غضبها/ وهل لديك تفسير لهواننا؟».
وفى «لام.. لأن المسافة صفر» تعبير تصويرى عما آل إليه الأمر على الأرض؛ حيث الجوع والتشرد والدمار، بينما يكشف فى «سين.. السفاح المسكين» آلية نتنياهو فى تبرير جرائمه حيث لا يتوانى فى رفع المظلومية للمجتمع الدولى، كل يوم من أيام الأسبوع يتقدم بمظلومية جديدة وفى تكرارية منقطعة النظير؛ «سيدى القاضى: لن تصدق حتى ترى بعينيك/ أنا نفسى لم أصدق حتى حملونى فى هليكوبتر إلى الشاطئ/ يتوالدون من حبات الرمل يا سيدى/ نعم، الأطفال الذين قتلناهم لأنهم سيؤذوننا فى المستقبل/ رأيتهم يختبئون فى حبات الرمال/ ينامون على الصخور مع الطحالب/ ويلقى بهم البحر مع الموج/ ثم يكبرون فى الليل تحت ضوء القمر»..
صوت السفاح يعلو على كل صوت، ولا يستكين فى اليوم السابع، بل يستمر فى ذبح الإنسانية وتدمير الحياة، بينما الصوت الموازى للمجتمع الدولى لا يتجاوز الشجب والتنديد؛ بيانات إدانة ومجرد كلمات لا أثر لها، وهو ما يتجلى فى نص «طاء.. طبعًا مع الوحوش أفضل جدًا»؛ حيث الجن الأزرق يعرب عن القلق، والأفيال الإفريقية بدورها تعرب عن القلق، والنمور البنغالية، وحيتان الأوركا، وثعابين الأناكوندا، والنسور الصلعاء، وأسماك القرش.
الجميع تصيبهم جرائم السفاح بشكل أو بآخر، بل ولهم نصيب فيها، رغم ذلك لا يتخذون أى موقف إيجابى؛ كل أفعالهم تعكس السلبية والتسليم بالأمر الواقع؛ والفرجة ليس أكثر. بينما القمر الفلسطينى عالق فى السماء يتم استهدافه بالطائرات والصواريخ، ومفتاح القدس مصلوب فى قلبه، فى نص رمزى مصور يعبر عن الحال الفلسطينى والقدرة على الصمود ممثلة فى المقاومة عبر صور متحركة تنتهى بتجسيد وجه جيفارا، إذ تطوى صورته الليل وتسطع لتغطى مساحة القمر الفلسطينى كاملًا كإشعاع تطالعه الأجيال الفلسطينية وتستمد منه الصمود والمقاومة، وهو ما يعكسه النص الختامى للوحدة السردية الثانية «سيرة مُقاوم»؛ والذى جاء محمولًا على لغة إنجيلية، فرغم أن «مُقاوم» يعلم أن من بين إخوته من سيسلمه للعدو قبل شروق الشمس، إلا أنه ليس غاضبًا ممن يتبرأ منه: (لأن كثيرين يعلمون الآن ما يعلمه «مقاوم»)، حيث ينهض نص «نون.. نحيا» ليشكل معزوفة أمل إذ تتجلى من خلال «وصية مُقاوم» قيمة الدفاع عن الإنسانية: «سأمضى يا إخوتى لكن الإرادة باقية والحلم خفاق/ وكل طفل يولد يرى الضياء الذى للحرية ويعرف الثمن الغالى ويدفعه راضيًا محتسبًا/ فى قلوبكم احملوا وطنكم يا إخوتى/ اجعلوه عاليًا فوق الأنوات/ اجعلوه مقدسًا فوق المصالح».
ينتخب كريم عبدالسلام فى كتابه الشعرى آليات فنية متنوعه للتعبير- بطريقة مغايرة- عما يحدث الآن لفلسطين، وبشكل عام يمارس ما يمكن أن أسميه «استراتيجية الفرز والتجنيب»، وهى عملية انتقائية لا تلتزم بالتقسيمات التنظيرية عن الحداثة وما بعدها، إنما بفضاءات الواقع فى اللحظة الراهنة؛ «فالفن اليوم يستكشف الروابط التى ينسجها النص والصورة فيما بينهما»، ومن ثم يوظف الشاعر تلك المفردات والصور والرسوم والوسوم والوثائق بدون تعليق؛ كنصوص معادلة لها قوة الكلمات والرصاص والقنابل للتعبير عن العجز الدولى فى مواجهة جرائم الاحتلال الإسرائيلى الغاشم.
وفى الوحدة السردية الثالثة نلمس نقده الثقافى للحالة الدولية مستخدمًا «المسرحة» كآلية شعرية؛ حيث يجلس الزعماء الأقوى فى العالم على خشبة مسرح فى حالة جدل بيزنطى، يتفرجون- ليس أكثر- على جرائم جيش الاحتلال وقتل أهل فلسطين واستلاب أرضهم، بينما يكشف فى «لسان العرب» الموقف العربى «المائع أو المتباين» من خلال مأزق المرادفات فى اللغة العربية، فمفردة «حياة» ومفردة «موت» لهما درجات متباينة فى «قاموس العرب»؛ كلتاهما تحمل المعنى ونقيضه، تحمل فى وجه رمزية الدفاع عن الحياة أو التشبث بها أو المأمول منها، وفى الوقت نفسه تحمل رمزية السلام والتسليم والاستسلام أو «الموت» فى سبيل «الحياة»، وهكذا يظل «لسان العرب»، بينما «لسان الغرب» تترجمه الصور الواقعية فى الأراضى الفلسطينية؛ حيث الموت موت، والدمار دمار، فى حين تتزيّا قنوات عالمية- مثل السى إن إن والبى بى سي- بأغصان خضراء وفى قلبها عيون ذئبية قاتلة، وهو ما يؤكده كريم عبدالسلام فيما يشبه «مانفيستو ختامى» من أرشيف «الأمم المتحدة»؛ حيث تظل قراراتها الخاصة بحقوق الشعب الفلسطينى فى فلسطين، مجرد مانفيستو مع إيقاف التنفيذ.
وفى سياق معادل وعبر نصوص متوالية ومترابطة، لا يهمل الشاعر قارئه «المتلقى»، بل يشركه معه كمتفاعل مع الأحداث، إذ يرتقى بها شعريًا من موقعها المكانى؛ أرض فلسطين على التعيين إلى فضاءات أخرى، وبما يعزز قيمة كل مقاومة من أجل التحرر من كل احتلال، وبما يؤكد «عدم فقدان المعنى»؛ فما يحدث ليس جريمة فى حق شعب وحسب، إنما فى حق جميع الشعوب، وفى حق الإنسانية والحياة.