الخميس 12 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

Orbital.. إعادة سحر الأرض المفقود من الفضاء

الروائية البريطانية
الروائية البريطانية سامنثا هارفى

قبل أيام، فازت الروائية البريطانية سامنثا هارفى بجائزة «البوكر الدولية» لعام 2024، عن روايتها «Orbital» أو «مدارى»، التى تناولت فيها حياة رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية.

و«مدارى» الرواية الخامسة لسامانثا هارفى، وهى تتميز بأسلوبها الشعرى الواضح، وتحتوى على عملين فنيين مهمين، الأول هو لوحة «لاس مينيناس» الشهيرة التى رسمها دييجو فيلاسكيز عام 1656، والثانية صورة التقطها رائد الفضاء مايكل كولينز للمركبة القمرية «إيجل»، التى كانت تقل باز ألدرين ونيل أرمسترونج، فى رحلتهما إلى القمر عام 1969.

وتتنقل رواية «Orbital» بين وجهات نظر متعددة، بعضها تخيّلية، مثل وجهة نظر كائن فضائى، أو روبوت، أو بحّار من عصور ما قبل التاريخ. ويجمع هذه الرؤى الجزئية والموجزة راوى عاطفى يعبر بحماس وابتهاج عن كل ما يلفت انتباهه.

وبحسب مراجعة كتبها جوشوا فيريس، فى صحيفة «نيويورك تايمز»، يمكن وصف الرواية بأنها «جميلة بشكل مذهل»، لكنها تكاد تخلو من الحبكة التقليدية. فليس هناك غزو لكائنات فضائية، ولا وجود لكوكب أكثر ذكاءً يؤثر على عقول البشر حتى الجنون.

وتسير تقنية السرد فى الرواية بشكل طبيعى للغاية، ورواد الفضاء فيها أشخاص محترفون، بل على أعلى مستوى للاحتراف. يوصف أحدهم بأنه «قلب المركبة»، وآخر بأنه «يدها»، وثالث بأنه «ضميرها». لكن لا توجد أى محنة تختبر هذه الأوصاف، ولا يقع حدث ليغيرها أو يعززها.

الرواية سرد دقيق ليوم فى حياة شخصيات تركز بشكل رئيسى على التأمل فى موضوعات مثل الفضاء العميق، والزمن الكونى، وتغير المناخ، ومعنى الحياة، ووجود الله، وطبيعة التقدم. ورغم أن هذه التأملات مليئة بالعاطفة وغالبًا ما تكون مؤثرة، غالبًا أيضًا ما تنفصل عن الشخصيات التى ألهمتها، وتفتقر إلى العمق الفكرى المدروس.

وتمحى الرواية هوية الأفراد أكثر من خلال تناغمهم الجماعى الأشبه بالتناغم الروحانى. وعلى الرغم من الفوارق الثقافية والسياسية واللغوية بينهم، يتناغم أفراد الطاقم جسديًا وروحيًا، يتشاركون الذكريات والأحلام، وحتى نفس الشعور بـ«الديجا فو».

تقول «هارفى» عن أبطال روايتها: «لقد تحدثوا سابقًا عن شعور يراودهم كثيرًا، شعور بالاندماج، وأنهم ليسوا منفصلين كليًا عن بعضهم البعض، ولا عن المركبة الفضائية»، متابعة أن: «هذا التناغم العقلى هو نتيجة للمركبة نفسها».

وتضيف: «إنه تناغم لحركات ووظائف جسم المركبة، كما التناغم المثالى للمركبة والكوكب. بمعنى آخر، هم أجزاء لا تختلف عن أنظمة التثبيت ومحركات الدفع»، بما يقدم بديلًا عمليًا ومثاليًا للنزاعات الحزبية والحروب القبلية على الأرض، ما يوحى بأنه من الفضاء البعيد، لا يقسّمنا البقاء، بل يوحدنا.

بالتأكيد تظل الحياة فى الفضاء حياة. وبهذه الطريقة، تشبه «مدارى» صورة كولينز، فهى تحمل العالم داخلها لكنها لا تعكسه، مع استخدام «هارفى» مهاراتها البلاغية الكبيرة لتصوّر كوكب الأرض بشكل رائع. لكنها محت اللا مبالاة والمآسى التى نعيشها على الأرض من سطح المراقبة فى الرواية. كل شىء فى الرواية كأنه يقول: «ملائكة من الأعلى وشياطين فى الأسفل».

وفى النهاية، هناك تلك التأملات المدهشة والأناشيد الرائعة. والرؤية المبهجة فى الرواية للأرض تعيد إحياء جزء من سحر الحياة الأصلى، وتحيلنا إلى صورة لم تذكر فى الرواية صراحة، وهى صورة من صور تلسكوب جيمس ويب، المُلتقطة العام الماضى، التى تتغلب على اليأس بإعادة الناظر إلى النجوم لمشهد برىء. فأحيانًا، تكون الدهشة والجمال كافيين.