الأربعاء 05 فبراير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

شيخ البلد.. سحر محمد نوح: أجاد «الهيروغليفية».. وغضب من «أغنى مطرب فى مصر»

سحر محمد نوح
سحر محمد نوح

-  علمنى لكنات وأكلات وملابس وفلكور المصريين

 -   ينعزل تمامًا عند إبداع أعماله لدرجة «ينسى النهارده إيه» 

 -  كان يقول عن البسطاء ويردد «مانبقاش إحنا والزمن عليهم»

يمكن وصفه بلا تردد بأنه صوت أنين الوطن، وآماله فى نفس الوقت، بعد أن عبرت أغانيه عن قدرة المصريين على السخرية من آلامهم، وتحويل الانكسارات والنكسات إلى طريق يعبرون من خلاله إلى النصر ورد الشرف والاعتبار.

محمد نوح، ابن مدينة طنطا، الذى تحل ذكرى ميلاده اليوم، تستحق مسيرته الغنائية الاحتفاء من كل المصريين، بعدما نجح فى استنهاض همتهم، وشحن بطاريات الأمل لديهم، بعد هزيمة وهزة عنيفة أمام كيان محتل، فى عام ١٩٦٧، ليغنوا معه رائعته «مدد مدد مدد... شدى حيلك يا بلد»، ويتخذون منها طريقًا للعبور من النكسة إلى الانتصار، وتتحول بمرور السنوات إلى أيقونة فى تاريخ الأغانى الوطنية، عصية على النسيان.

غنى وغنى معه المصريون «يا سينا ما نسينا اللى فات... يا أغلى يا أغلى الذكريات»، فكانت بمثابة طوق النجاة وشباك أمل، أطل منه الملايين إلى النصر، بعد نكسة غير متوقعة، فرأوه هناك ينتظرهم فى أرض الفيروز، قبل أن يضع دستورًا خاصًا للتضحية، وما يمكن اعتباره الثمن المطلوب لتحقيق هذا الانتصار «إن كان فى أرضك مات شهيد فيه ألف غيره بيتولد»، فهتف من ورائه الجميع: لبيك يا وطن.

عبقرية محمد نوح تكمن فى كونه ترسًا فى ملحمة سطرها رجال الصمود، الذين شاركوا فى استعادة الأرض الغالية، وإعادة روح الكرامة والعزة للمصريين، لنسير جميعًا مرفوعى الهامة، سواء كانوا جنودًا على أرض المعركة، أو صناع أمل عبر الأقلام والميكروفونات، ملحمة تجعلنا نحمل لهم فى رقابنا ديونًا لا تُرد، وتدفعنا إلى الاحتفاء بهم.

لذا كان لـ«حرف» هذا الحوار مع سحر نوح، ابنة المطرب الكبير الراحل، لتحكى عن «نوح» الفنان والأب والزوج والصديق، وتكشف عن العديد من التفاصيل والأسرار فى حياة والدها.

■ الأول من يناير يواكب بداية سنة جديدة ومعها ذكرى ميلاد الفنان الكبير محمد نوح.. حدثينا فى البداية عن محمد نوح الأب؟

- والدى كان نموذجًا للأب الحنون ولكنه حنان العقل والاتزان بلا إفراط يفسد الأبناء، دائمًا كان الدافع والمُشجع الأول للنجاح والتفوق، يوجه دون توبيخ، ينصح دون تحكم، لا يغضبه إلا الكذب أو الفشل، كان شخصًا قنوعًا للغاية لا تشعر بوجوده فى المنزل لا توجد له طلبات بعينها، لا يبحث إلا عن تجمع العائلة دائمًا، لا أذكر أنه تعرض لى أو لأشقائى بالضرب مثلًا عقابًا على فعل ما، كما كان شخصًا بارًا بأهله ووالدته وأشقائه.

■ بالتأكيد محمد نوح ترك أرثًا فنيًا مفخرة لأبنائه، ولكن هل كانت تركته فنية فقط؟! 

- بالتأكيد تركة محمد نوح الفنية تُعد فخرًا لأبنائه جميعًا بل ولجميع المصريين الذين وهب لهم حياته الفنية، إلا أنه ترك لنا أيضًا العديد من القيم والمبادئ التى نسير عليها وتُعد نبراسًا لنا، مثل حُب العلم والمعرفة واحترام مواعيد العمل، والتواضع فى التعامل مع الغير وتحمل المسئولية، وتأكيده لنا دومًا أن الغنى يُصبح غنيًا بمعرفته وثقافته وليس بماله، حيث إن الإنسان هو من يعطى قيمة للشىء وليس العكس، وأذكر آخر كلماته قبل وفاته حين قال لى: «يا بنتى أجمل شىء إنك تقدرى تغفرى للى أساء إليكى».

■ كل هذه المبادئ والقيم بالتأكيد شكلت الجزء الأكبر من شخصياتكم.. كيف يمكن وصفها؟

- الجزء الأكبر والرئيسى من شخصيتى كان لوالدى النصيب الأكبر فى تكوينه، حيث غرس بداخلى مفهوم الحب والبُعد عن الكُره الذى لم يعرف طريقًا لقلبه يومًا ما، لم يكره شخصًا أو حتى أكلة من الأكلات أو مكانًا من الأماكن، وهو من جعلنى أشعر بالحب والمودة تجاه البسطاء وكان دائمًا يردد: «مانبقاش إحنا والزمن عليهم»، وأكثر ما جعلنى أتعلق به تاريخ مصر والقدماء المصريين والانتماء والفخر الدائم بمصريتى لدرجة أنه كان حريصًا على تعليمى لكنات أبناء الأقاليم وأكلاتهم وملابسهم والفلكور الخاص بهم من الإسكندرية وحتى أسوان، وكان دائمًا يوصيتى باحترام معتقدات الغير المختلف معى عرقًا ودينًا.

■ بالتأكيد كان الفن والموسيقى هواياته الأساسية.. ألم يكُن له شغف بهوايات أخرى؟

- الثقافة والقراءة والمعرفة احتلت بشكل كبير الجزء الآخر من هواياته بجانب الغناء والموسيقى، كان موسوعة ثقافية بحق، لديه نهم كبير للقراء فى شتى الفروع والمجالات، حريصًا على إدارة الصالونات والندوات الثقافية، كما درس التاريخ الفرعونى بشكل متعمق للدرجة التى جعلته يجيد الحديث باللغة المصرية القديمة من شدة تعلقه بدراسة تاريخ الفراعنة، ودأب أيضًا على حضور عروض الموسيقى فى أغلب جولاته خارج البلاد، ورغم حبه لكل ما هو عتيق وقديم كان يعشق التكنولوجيا وقراءة سيرة العلماء، كما كان يحرص على متابعة الأحداث السياسية علاوة على مشاهدة الفن المصرى بأشكاله خاصة الأفلام السينمائية القديمة.

■ وهل اختلفت شخصية محمد نوح الزوج عن الأب؟

- على الإطلاق، مثلما كان أبًا حنونًا كان زوجًا مُخلصًا يحترم المرأة ويقدرها، يحب المرأة المثقفة العاملة التى تقدم كل جديد ومفيد للمجتمع.

■ كيف كانت علاقته بوالدتك خاصةً أنه حدث انفصال مبكر بينهما؟

- علاقة والدى ووالدتى كانت طيبة للغاية على الرغم من انفصالهما ونحن ما زلنا فى سن صغيرة، حيث لم يتعدَّ عمرى الست سنوات حينها، وكانت والدتى فريال موجهة أولى فى وزارة التربية والتعليم، كما كانت تغنى فى إذاعة الإسكندرية، وكان صوتها رائعًا يشبه صوت أم كلثوم، وعقب انفصالها عن أبى اختارت أن تعيش فى مدينة الإسكندرية، وتحولت علاقتهما من زوج وزوجة إلى أشقاء، حيث كانت تحرص على زيارتنا فى بيت جدتى، كما كانت علاقتها بزوجة أبى جيدة للغاية، حتى إنها بعد وفاة والدى أقامت له عزاء منفصلًا فى بيتها بالإسكندرية.

■ بالتأكيد شخصية الزوج والأب تشهد تحولات حينما يُصبح أبو العروسة.. حدثينا عن موقفه من زواجك من الإعلامى مدحت شلبى؟

- حنية والدى وطيبة قلبه كانت المُحرك دائمًا فى جميع اختياراته لطريق حياتنا حتى لحظة زواجى من «مدحت»، حيث رحب بالزيجة ووافق عليها على الفور وكان يردد دائمًا: «أنا لا أبيع بناتى، ما قيمة كرسى أو أموال فى مقابل إفساد حياة، وكان يرى فى (مدحت) امتدادًا له فى حمايتى أنا وأشقائى ويحرص على توصيتى: (إوعى تزعلى جوزك)».

■ نترك قليلًا محمد نوح الأب والزوج ونتحدث عن الفنان الكبير.. من كان صاحب المشورة فى اختيار أعماله؟ وماذا عن طقوسه للتحضير لها؟

- بحكم دراستى للفن والموسيقى كان يلجأ لمشورتى فى العديد من أعماله كما كُنت أشاركه فى التحضير للعديد منها، أما طقوسه أثناء تحضيره لأى من أعماله كانت تتلخص فى العُزلة حيث يغلق على نفسه تمامًا للدرجة التى كان ينسى أحيانًا ترتيب الأيام أو التوقيتات، كما كان يهوى الذهاب إلى منطقة مصر القديمة لاستحضار روح وعبق الماضى والتجول فيه.

■ أعمال متنوعة قدمها الفنان الكبير.. هل كانت هُناك أعمال بعينها قريبة لقلبه حتى لو لم تر النور؟

- بالتأكيد هُناك أعمال عديدة لم تر النور خاصة المسرحيات وأنتوى تقديمها الفترة المقبلة فى قالب موسيقى وفنى، كما تُعد مسرحيتا «المهاجر» و«ليلى يا ليلى» والأغنية الشهيرة «مدد مدد شدى حيلك يا بلد» الأقرب إلى قلبه.

■ الفنان الكبير خاض تجربة قصيرة ومحدودة فى التمثيل.. كيف تقيميها؟

- بالفعل ورغم محدودية أدواره السينمائية إلا أنها تركت علامة مميزة مثل الأفلام: السيد البلطى وسيد درويش والزوجة التانية والدخيل والمسلسل ناعسة، وجميعها أعمال متميزة لها تاريخها وقيمتها.

■ محمد نوح كان أشبه بالفنان الشامل.. مَن أقرب أصدقائه فى الوسط الفنى؟

- والدى كان على علاقة طيبة بالجميع خاصة المخرج الكبير يوسف شاهين وملك العامية الشاعر سيد حجاب، وكذلك الشاعر الرائع صلاح جاهين، ولكن أغلب علاقاته كان يحكمها الاحترام المتبادل والود دون زيارات دائمة ومتبادلة.

■ بالتأكيد فنان بقيمة محمد نوح تعرض لكبوات أو شائعات.. كيف كان يتعامل معها؟

- بالتأكيد، ولكن أكثر موقف تعرض له وسبب له ضيقًا شديدًا كان شائعة أنه أغنى فنان فى مصر ويمتلك ثروة طائلة، فى الوقت الذى كان يعُانى فيه من أزمة مادية طاحنة، وحينها توجه لجدتى مهمومًا حزينًا يخبرها بما يتردد، وكان موقفها حينها عجيبًا للغاية، حيث قالت له: «إوعى تنفى الإشاعة.. اللى بيحبوك هيفرحولك إنك أغنى واحد فى الدنيا واللى بيكرهوك مش هيناموا من الغيظ، وفى الحالتين أنت الكسبان».

■ هل كان هناك لقب مُقرب إليه؟

- والدى لم يبحث عن الشهرة والصيت والألقاب، بل كان يفخر دائمًا حين يناديه الناس بالفنان المصرى.

■ متى شعرتِ بأنكِ فى حاجة شديدة لوجوده فى حياتك.. وهل كانت له وصية معينة؟

- طوال الوقت أشعر بأننى أفتقده وأحتاج لوجوده فى كل قرارات حياتى، ولم يترك وصية إلا التسامح والعفو عند المقدرة، وكان دائمًا يفخر بأنه ترك أبناء أسوياء على قدر كبير من التربية والأخلاق.

■ فى الختام ونحن نحتفى بذكرى ميلاده.. ما الرسالة التى تودين توجهيها له؟

- لا أجد كلمات أو رسائل تعُبر عن اشتياقى له، وأقول له: «وحشتنى وستظل الرجل الاستثنائى فى حياتى».

■ على ذكر «مدد مدد».. هل روى لكِ كواليس تلك الأيقونة الوطنية؟

- «مدد مدد شدى حيلك يا بلد» محفورة فى تاريخ الأغانى الوطنية بحروف من نور خاصة أن والدى غناها عقب نكسة ١٩٦٧ وليس وقت الانتصار، وعقب حرب أكتوبر ١٩٧٣ وانتصار الجيش المصرى واستعادة سيناء طلبت منه الفنانة الكبيرة سيدة المسرح العربى «سميحة أيوب» المشاركة فى الاحتفالات ليبدأ غناءها فى احتفالات سيناء كل عام.