عكاز الشريعى.. مراد عمار: والدى كان «بيتنفس فن» ويفكر فى الألحان حتى فى نومه
- «بكرة يا مراد يودوك الحضانة» كتبها لمواجهة خوفى من أول يوم مدرسة
- صديق وفىّ وكاتم أسرار.. وعوضنى غياب الأشقاء
«صاحبى اللى بالغناء ربانى» هكذا لخص مراد عمار الشريعى حكاية أب للموسيقى عاش، وللفن أبدع، تاركًا إرثًا يصعب محوه مع مرور الزمان، واصفًا والده الموسيقار الكبير عمار الشريعى بالصديق الوفىّ الذى افتقده منذ وفاته فى السابع من ديسمبر عام ٢٠١٢، حيث كانت مشورته نبراسًا دائمًا ينير له الطريق، وكانت قناعته البوصلة التى تمُيز له الخطأ من الصواب. ٢٦ عامًا قضاها مراد عمار الشريعى يفتخر دومًا بأنه يحمل اسم الموسيقار الكبير، قضى منها ٨ أعوام خارج مصر، حيث بدأ دراسة هندسة الحاسب الآلى فى جامعة أدنبرة بإسكتلندا ومنها ظل فى المملكة المتحدة، حتى التحق بالعمل بأحد البنوك الإنجليزية ليسلك مسارًا بعيدًا كل البُعد عن مسيرة الوالد التى لم يفرضها عليه يومًا كما قال بن الشريعى. مراد عمار الشريعى، من لندن، فتح خزائن كواليس رجل من علامات الفن والموسيقى المصرية، تحدث عن هواياته وأسراره، طباعه وعاداته، كيف كان الجد والأب، ومتى كان الصديق وكاتم الأسرار، فى حوار أجرته «حرف» احتفاءً بذكرى وفاة الموسيقار الكبير عمار الشريعى يتحدث الابن الوحيد مراد الشريعى.
■ فى البداية.. كيف يمكن الحديث عن عمار الشريعى الأب؟
- عمار الشريعى الأب مُحال تلخيص صفاته أو طباعه فى كلمات، حيث لم يكُن مجرد أب يقوم بدوره فى حياة نجله الوحيد من حيث تذليل العقبات المادية أو منح الدعم المعنوى، بل كان بمنزلة مجموعة شخصيات تقوم بأدوار متعددة ولكن فى هيئة شخص واحد، كان الجد حينما تحتاج لخبرة السنين نظرًا لفرق السن الكبير بيننا، يمنحنى خبراته الشخصية والمهنية والحياتية التى تجعل الدنيا بمنزلة كتاب أتصفح أوراقه بسهولة من خلال خبراته، وكان الأب الذى يخشى على ابنه الوحيد من أى ضرر ويسعى لحمايته بكل ما أوتى من قوة، ويطمح أن يصبح نجله أفضل إنسان فى الكون، ولعل دور الصديق الذى منحنى إياه عمار الشريعى يُعد الأصعب فى أدواره تجاهى، خاصة أننى الابن الوحيد له ولم يكُن لدىّ أشقاء للحديث أو للهو معهم، ولكنه نجح فى تعويض هذه المساحة من حياتى بدور الصديق الوفى.
■ ما الذى وجدته فى عمار ليحتل مكانة الصديق الوفى؟
- كما ذكرت عدم وجود أشقاء لدى كان يُمثل أحد نواقص الحياة التى عوضها عمار، كان يشاركنى هواياتى ويستمع لأسرارى، نتبادل الحديث دون ألقاب وبلا حواجز أو حوائط أو خوف من عتاب أو لوم، ولكن فى إطار من الاحترام والتقدير المتبادل الذى يحفظ له قيمته كأب.
■ متى كان يشعر بالسعادة والامتنان تجاه فعل من أفعالك؟
- التفوق الدراسى كان معياره للسعادة والثناء على تصرفاتى، ولكن أكثر ما كان يسعده عندما يتحدث إليه أحد فى غيابى عن تفوقى فى مجال ما أو قيامى بتصرف ما يجعله يشعر بالفخر بتربيته لى أو ما علمنى إياه.
■ وما الذى كان يغضبه منك؟
- لا أتذكر أنه غضب منى يومًا، ولكنه كان دائمًا ما يريد أن أتعامل مع الجميع باحترام وتقدير خاصة مع والدتى دون حدة، ويحثنى دائمًا على تجنب السخرية أو التقليل من شأن الغير.
■ وهل فرض عليك مجالًا مُعينًا أو دفعك نحو السير على دربه فى الموسيقى؟
- على الإطلاق، بل منحنى الحرية الكاملة فى اختيار الدراسة التى أرغب فيها أو العمل فى المجال المناسب لأفكارى ووجدانى، لأنه يؤمن دائمًا بأن حُب العمل السبب الرئيسى فى التفوق فيه وإجادته، لذلك دخلت مجال دراسة هندسة الحاسب الآلى، حتى إنه لم يسعَ يومًا لإقناعى بالعمل فى الفن مثلًا لاستكمال مسيرته، بل كان يكتفى باعتباره هواية أمارسها فقط.
■ بالتأكيد كان يُشار إليك بالبنان فى المدرسة والنادى باعتبارك نجل عمار الشريعى.. ماذا كان شعورك حينها؟
- ليس فى المدرسة أو النادى فحسب، بل حتى أثناء السير فى الشارع نظرًا للشبه الكبير بيننا، وهو ما كان يزيدنى فخرًا واعتزازًا، خاصة أن الجميع كان لديه من التقدير والمحبة لوالدى ما يجعلنى أسير بين الناس أتغنى بسيرته.
■ إبداعات وأعمال كثيرة كان تشغل وقت الشريعى.. ما الذى كان يجمعكما فى أوقات فراغه؟
- والدى، عليه رحمة الله، كان يعشق السباحة، وسباحًا ماهرًا، وهو من علمنى السباحة، حيث كنُنا نقضى إجازة الصيف فى الإسكندرية محبوبته الأولى التى ظل حريصًا على الذهاب إليها حتى وفاته نظرًا لارتباطه معه بذكريات عديدة، سواء مع أسرته الصغيرة أو مع والديه.
■ فى مرحلة طفولتك بالتأكيد أب مثل عمار الشريعى كانت له طريقته الخاصة فى التربية.. يعنى كان ممكن يربى ابنه بالأغانى؟
- بالفعل، كان يحرص على كتابة أغانٍ خصيصًا تحمل اسمى، وبها معانٍ عظيمة يريد تنشئتى عليها، مثل أغنية كتبها خصيصًا أول يوم التحاقى بالمدرسة للتغلب على خوفى ورهبتى من الذهاب للمدرسة أو الحضانة وكانت تقول: بكرة بكرة يا مراد هيودوك الحضانة، ويعلمك تكتب اسمك وترسم اسمك على الورق، وكذلك كتب لى أغنية خصيصًا لمواجهة الخوف من الطيران وكانت كلماتها: عمى يا طيار أرجوك وصلنا بسرعة. علشان لا يفوت بيتنا وبنسلم على قرايبنا.
■ هل ساعدك فى تنمية مواهب أو مشاركتك ألعابًا معينة؟
- كان يُحب لعب الشطرنح بشكل دائم، وأستطيع أن أقول إنه كان «لاعب حريف»، وهو من علمنى أيضًا حب الشطرنج، وبحكم موهبته فى الموسيقى والألحان حرص على تعليمى عزف البيانو والعود والآلات الموسيقية.
■ ما اللحظة التى شعرت فيها بحاجتك لاستشارة عمار الشريعى فى أمر ما بعد وفاته؟
- جميع لحظات حياتى وقراراتى افتقدت فيها لوجود عمار، خاصة أنه كان صاحب القرار الأول فى العديد من خطواتى بالمشورة وليس بالإجبار أو الديكتاتورية، بل كان يسعى دائمًا لسماعى وتفنيد الأمر حتى إقناعى بوجهة نظره أو اقتناعه بوجهة نظرى وقرارى.
■ أصدقاء لا حصر لهم مروا فى مسيرة الوالد.. من أقربهم إليه؟
- والدى كان بالفعل له العديد من الأصدقاء، ولكن نظرًا لتعدد أعماله بين الغناء والدراما كان له فى كل مجال مجموعة من الأصدقاء المقربين، فى الغناء مثلًا كان المطربون الكبار على الحجار ومحمد الحلو ومدحت صالح الأقرب إليه، بينما كان ملك العامية سيد حجاب والخال عبدالرحمن الأبنودى أقرب الشعراء إليه وجمعهم العديد من الأعمال، وكونه خاض مجال تلحين تترات المسلسلات، ارتبط بعلاقة صداقة مع الفنانين يحيى الفخرانى ومحمود عبدالعزيز ومحمود الجندى ولبلبة والفنانة الاستعراضية الكبيرة نيلى، وأذكر أن المخرجين الكبار محمد فاضل وجمال عبدالحميد كانا صديقين مقربين له أيضًا، وكذلك المخرجان الراحلان إسماعيل عبدالحافظ وحسين كمال.
■ ما الذى كان يميز شخصيته عن غيره من الموسيقيين؟
- والدى كان يتنفس الفن وليس مجرد عمل أو موهبة يؤديها، يفكر فى ألحانه فى أثناء نومه ويستيقظ على تنفيذ الأفكار والألحان، كان رجلًا صادقًا للغاية يعبر من خلال الفن عن مشاعره بصدق وإخلاص وبساطة دون تكلف لذلك كانت ألحانه تصل إلى الناس بسهولة.
■ هل هناك أوجه تشابه بين شخصية عمار وبين ألحانه؟
- عمار أمام الكاميرات والعود والبيانو هو عمار فى المنزل ومع أسرته، لن تستطيع التفرقة بين الشخصيتين، إنسان بسيط عفوى تلقائى يقول ما يأتى فى ذهنه دون ترتيب سابق.
■ ننتقل إلى الأحزان ولحظة وداع عمار.. ما الذى تتذكره عن تلك اللحظة؟
- يوم الخميس السادس من ديسمبر من العام ٢٠١٢ لحظات لن أنساها حينها بدأ والدى عليه رحمة الله، يبدأ حالة فقدان الوعى ويفقد معها التركيز، وحينها تركت والدتى لتبقى معه فى المستشفى وذهبت للبيت، ومع صباح اليوم التالى فارق الحياة، ولكن والدتى رفضت إخبارى حتى أصل إلى المستشفى ولكن وسائل الإعلام كانت لها الكلمة فى إيصال الخبر أسرع لأعيش أسوأ لحظات حياتى حينها، على الرغم من أنه ظل طيلة حياته يؤهلنى ويمهد لى قدوم هذه اللحظة، بسبب معاناة من العديد من الأمراض ولكنها ستظل اللحظة الأسوأ.
■ هل كان للموسيقار الكبير وصية محددة أوصاك بيها؟
- والدتى وصيته الأولى والأخيرة لى قبل وفاته، حيث كان حريصًا على أن يحُثنى على رعايتها وحُسن معاملتها.