بيضة الديك.. الطيب صالح.. كيف تصبح "عبقريًا" برواية واحدة متوسطة؟!
أطلق النقاد عليه لقب "العبقري" دون أن يعرفوا أن روايته الثانية هي الأولى.. ولا أنه "كاتب لا يحب الكتابة"
قال نصًا: "كل أنواع الكتابة بغيض إلى نفسي.. ونجيب محفوظ وهب نفسه للرواية والنتيجة كانت مأساوية"
لا أعرف من أين جاء العرب بتلك الكمية من مفردات التفخيم التي تكفي الواحدة منها لأن "تكفي" الموصوف بها على وجهه، فيظل ينتفخ وينتفخ حتى ينفجر في وجوه من يعرفونه، أو لا يعرفون، وإن كان الكاتب السوداني الأشهر الطيب صالح، الذي يرتبط في تصوري بواحدة من تلك المفردات الفاخرة، لم ينفجر في وجه أحد، ولم يصبه تضخم الذات على حد علمي، فظل طوال حياته محافظًا على خفة الظل التي رافقته عمرًا طويلًا، وإن وصلتني بعض حكايات ممن تقاطعت طرقهم معه، تنفى ذلك، بل وتشير إلى تعالٍ على الأجيال الجديدة من الكتاب، ولا مبالاة بالموقع الذي حظي به في تاريخ الأدب العربي برواية واحدة متوسطة.
ولكي لا أطيل في مقدمات، فليس عليك سوى أن تجرب كتابة اسم الطيب صالح على موقع البحث الشهير "جوجل"، أو تنتظر ذكرى رحيله التي تحل خلال أيام، إذ توفي في الثامن عشر من فبراير 2009، لكي تحاول أن تحصي عدد المرات التي تظهر لك فيها عبارة "عبقري الرواية العربية" مقرونة باسمه!!
و"العبقري" في اللغة هو فائق الذكاء، النابغة، نادر زمانه، وكل ما يتعجب الخلق من كماله وقوته وحذقه، من يأتي بعمل فيه كمال وإبداع وخلق، وهو صفة لكل ما بولغ في وصفه، فلا يفوقه شيء!!
و"العبقري" منسوب إلى "وادي عبقر"، المعروف كموقع في جزيرة العرب، كانوا يعتقدون أنه موضع الجن ومسكنهم، وينسبون إليه كل شيء يتعجبون من حذقه وجودة صنعه.. فالعبقرية، هي صفة العبقري وحاله، من شدة الذكاء، والتفوق، والقدرة على الإبداع والابتكار. فهو الشخص الذي لا يفوقه أحد، ولا شيء، الكامل من كل شيء، والسيد، والذي ليس فوقه شيء.. فهل كانت تلك الصفات تشبيهًا لروايات السيد الطيب صالح، أم له هو شخصيًا، أم أنها صفة لهما معًا؟! وما الحيثيات التي استند عليها الناقد الذي أطلق عليه ذلك اللقب المبالغ فيه؟! خصوصًا أنه ترافق مع رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" التي أراها، ويراها معي كثير من الكتاب والنقاد، مجرد رواية عادية، متوسطة الجودة، لعبت عناصر كثيرة، غير بنائها ولغتها، دورًا كبيرًا في سرعة ترجمتها إلى لغات كثيرة، منهم مثلًا الروائي الكبير عبدالرحمن منيف الذي كتب عنها إنها رواية تمجد الاستعمار، وأراها مجرد حكاية مسلية عن سوداني يغزو المحتل البريطاني عن طريق نسائه، ويحترف التلاعب بالبريطانيات ومضاجعتهن بصورة ترضي الغرور العربي لا أكثر ولا أقل، ولم يتبعها مؤلفها بما يدل على تلك العبقرية المزعومة، بل إنه لم يتردد في التصريح بأن "كل أنواع الكتابة بغيض" إلى نفسه!!
1. الستينات.. جيل المبالغات المجانية والمفرطة
يقال أن أول من احتفى بكتابته هو الراحل الكبير رجاء النقاش، وهو من أطلق عليه هذا اللقب.. ولأن رجاء النقاش هو من هو في تاريخ النقد الفني والأدبي في مصر، فقد تناقل عنه الجميع ذلك اللقب "المريب"، دون مراجعة، أو قيد أو شرط.. وأغلب الظن أن تلك واحدة من العادات السيئة التي ورثتها الثقافة العربية من جيل الستينيات، والذي اتسمت غالبية كتاباته، "النقدية منها على وجه التحديد"، بالمبالغات المفرطة، وصك الكثير من الصفات المجانية على كتابات متوسطة الجودة، وكتاب محدودي الموهبة، فتحولوا مع تراكم ما نالوه من مديح، إلى طواويس لا ترى من الأجيال التالية أحدًا، ولا تفتح أذنيها أو أبوابها لأحد، ويبدو، والله أعلم، أنه كانت هناك رغبة ما دفينة في تقديم أي منجز في أي اتجاه، وبروزته، ووضعه في صدارة الصورة التي كانت تجاهد في التخلص من كل ما يتصل بالحقبة الملكية والاستعمارية، وتصوير الأمر وكأن الثورة المصرية جاءت لتزيح التراب عن جبال "الذهب" المدفونة في الأمية، والفقر، وسطوة الاحتلال.
وفي هذه الحالة، فالطيب صالح، لم يكتب سوى ثلاث أو أربع روايات، ونشر عدة قصص، وبعض الكتب التي جمع فيها مقالاته، وجمع أصدقاؤه فيها ما أجروه معه من حوارات أو لقاءات صحفية أو تليفزيونية أو إذاعية.. ورغم أن الجميع، في مفارقة عجيبة، لم يعرفوا أن روايته الثانية هي الأولى في الحقيقة، لكنهم لم يترددوا في إطلاق ذلك اللقب عليه، بل وترديده، وتناقله من مقال لآخر، ومن مطبوعة لأخرى، فتحول مع الزمن، والإلحاح، و"الزن" الذي هو أمَّر من السحر، إلى ما يشبه "الصك" المرادف لاسمه، والدال عليه، متجاهلين أن الرجل لم يتردد في الحديث عن عدم إيمانه بالكتابة الأدبية، ولا غير الأدبية، بل إنه يشعر في قرارة نفسه بأن الكتابة فعل بغيض.. هكذا، بالنص، وبالحرف الواحد، ولك أن تقرأ معي ما قاله بلسانه في أحد الحوارات التي ضمها كتاب "الطيب صالح.. حوارات ومتابعات في الفكر والثقافة والإبداع" لصديقه الباحث والأكاديمي الأردني محمد شاهين، والذي يضم 11 مقابلة أجريت معه بين عامي 1976 و2005، وقام المؤلف باختيارها وترتيبها والتقديم لها.. يقول "عبقري الرواية" الطيب صالح لمحاوره في صفحة 29 مانصه: "كل أنواع الكتابة بغيض إلى نفسي، وأنا لا أكتب إلا إذا بلغ السيل الزبى"، ثم يقول في موضع آخر: "لم أتوقف عن الكتابة، لكني توقفت عن كتابة الرواية تحديدًا، ولدى كتابات فى النقد والرحلات والتاريخ، وكذلك لأن الكتابة نشاط إلى جانب عدة أنشطة فى الحياة، فليست هى الشي الوحيد في حياتى، فأنا أحب السفر، وأحب القراءة، استمع إلى الموسيقى وأتحدث مع الناس"، ثم يضيف: "لست من المؤمنين بأن الكتابة هى الغاية، ويجب أن نضحى من أجلها، فالكتابة ليست سهلة، إنها لعنة، إنها تلتهم الحياة، لأن الفن يلتهم الحياة".. ويضرب مثلًا على صحة ما يذهب إليه بنجيب محفوظ، "الذي لم تصبه عبقرية نقاد الستينات"، فيقول ما نصه: "هو رجل نذر نفسه للفن الروائي، وقدم نفسه كضحية، والنتيجة كانت مأساوية، وهو حاول أن يتجنب المأساة، لكنه لم يسافر، ولم يخرج من مصر.. رتب حياته بصرامة شديدة، فأصبحت الكتابة هى الهدف، والتهم الفن حياته"!!
هكذا.. كانت نهاية رحلة نجيب محفوظ مع الرواية، في ظن "عبقري رجاء النقاش" مأساوية!!
لماذا؟! لأنه لم يسافر، والتهم الفن حياته!!
(طب ده كلام يقوله حد عبقري، أو كان "عبقري" في يوم من الأيام؟!
وهل يستحق مجرد التعليق عليه؟!
الحقيقة أنني لا أظن ذلك، ولن أعلق.)
2. موسم الهجرة إلى "الفحولة الجنسية" و"تمجيد الاستعمار"
هكذا.. ليس مطلوبا منك أن تحب الكتابة، أو تستمتع بها، أو أن تهبها حياتك لكي تفوز بلقب "عبقري الرواية العربية".. كل ما عليك هو أن تكون لطيف المعشر، خفيف الروح، تداعب الجميع، وتطلق النكات ولو على منصة التتويج، ويا سلام لو كنت تعمل في مهنة ومكان يداعب الخيالات المتطلعة لما هو أفضل.
ولتقرأ معي ما كتبه صديقه الباحث الأردني محمد شاهين مؤلف كتاب "حوارات الطيب صالح" في مقدمته، ردًا على رأي الكاتب السعودي المولود في عمان الأردن، والمتوفي في دمشق، عبدالرحمن منيف في "موسم الهجرة إلى الشمال" باعتبارها رواية تمجد الاستعمار، يقول شاهين: في كتابه "الكاتب والمنفى"، يرى عبدالرحمن منيف أن "موسم الهجرة إلى الشمال"، رواية تمجد الاستعمار، وهو تقييم لم يأت من فراغ، لأنه يعود في أصله إلى الخطاب المعقد الذي أنتجته شخصية مصطفى سعيد، وهو العصب الذي ترتكز عليه الرواية، لكن منيف ضل السبيل إلى قراءة منصفة عندما رأى البطل مجرد راو لتاريخ الاستعمار في سياق يتعاطف فيه الروائي نفسه مع الراوي المتخيل داخل الرواية".
و"موسم الهجرة إلى الشمال"، هي "نوفيلا" صغيرة الحجم، نشرت في البداية في مجلة "حوار"، عدد سبتمبر 1966، من الصفحة الخامسة، حتى صفحة 87، وبطلها هو مصطفى سعيد الذي يذهب إلى العاصمة البريطانية للدراسة، فيغزوها بذكائه، وتفوقه، فيحصل على وظيفة محاضر في الجامعة، ويتعرف على زوجته جين موريس، الإنجليزية التي ترفض إملاءاته، ويضيف إلى جانب تميزه العلمي رصيدًا كبيرًا في إثبات فحولته مع نساء بريطانيا الذين احتلوا بلاده.وعندما يعود إلى بلاده يلتقي براوي القصة الذي عاش أيضًا في بريطانيا.
فكرة غزو المحتل تبدو واضحة بلا مواربة في إحدى الفقرات الكاشفة في نص الرواية، رغم ركاكة صياغتها الواضحة، خصوصًا في مسألة التقديم والتأخير، واستقامة الجملة، وانسيابية التتابع في عباراتها، ليسهل فهمها، وهي الفقرة التي جاء نصها في الرواية كالتالي: "يا للسخرية.. الإنسان لمجرد أنه خُلِق عند خط الاستواء، بعضُ المجانين يعتبرونه عبدًا وبعضُهم يعتبره إلهًا. أين الاعتدال؟! أين الاستواء؟!"، على أن الفقرة الأوضح نصًا عن الفكرة، هي تلك التي يقول فيها: "إنني أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة"، أو "نحن بمقاييس العالم الصناعي الأوروبي، فلاحون فقراء، ولكنني حين أعانق جدي أحس بالغنى، كأنني نغمة من دقات قلب الكون نفسه"، وكلها فقرات تشي بأنها مجرد حكاية لإشباع الغرور، وإرضاء "فحول" البلاد المحتلة.. هي حكاية عن الانتقام الاجتماعي والسياسي، حيث ينتقم ابن الفقراء من سكان العالم الصناعي الأوروبي، ويغزو "فحل" المستعمرات البريطانية نساء المحتل!!
وما لا يعرفه كثيرون أن هذه الفقرات، وغيرها الكثير من جمل وعبارات الرواية، تبدو أقرب إلى الكتابة بالإنجليزية منها عن اللغة العربية، أو أنها لم تكتب في الأصل باللغة العربية، إذ يطغى تكوين الجملة الإسمية على الكتابة والحديث بالإنجليزية، على غير المعتاد في الكتابة العربية التي تغلب عليها الجملة الفعلية.. ولتوضيح ما أقصده، حاول مثلًا أن تترجم مثلًا "أكل الرجل التفاحة" إلى الإنجليزية، وستجد أنه لا يمكنك بدء الجملة بما يرادف الفعل "أكل"، بل تبدأ بـ"الرجل"، لتصبح الجملة في الإنجليزية "الرجل أكل التفاحة".. ولهذا فإنني أميل إلى ما قاله أصدقاء ومقربون من الطيب صالح، من أنه كتب الرواية في الأصل باللغة الإنجليزية، وتمت ترجمتها فيما بعد إلى العربية، وربما يفسر ذلك أنه بمجرد نشر "موسم الهجرة إلى الشمال" في كتاب عن دار "العودة" في بيروت، تمت ترجمتها إلى أكثر من عشرين لغة، واعتبرها النقاد العرب هي والفتح الكبير صنوان، وقام كبار النقاد العرب بالكتابة عنها، وإبراز قيمتها الأدبية، خصوصا الناقد المصري الراحل رجاء النقاش، مما دفع بها لواجهة الأدب العربي، باعتبارها واحدة من أهم الروايات العربية التي تتناول لقاء الثقافات، وتفاعلها، وصورة الغربي بعيون الشرقي، والغربي بعيون الشرقي الذي ينظر اليه كشخص قادم من عالم رومانسي يسوده السحر ويكتنفه الغموض، وذلك من خلال شخصية مصطفى سعيد، بطلها السوداني الذي يذهب ليدرس في العاصمة البريطانية لندن، وهناك يضيف الى جانب تميزه وذكائه العقلي وتحصيله الجامعي العالي، رصيدا كبيرًا في اثبات فحولته الجنسية مع نساء بريطانيا الذين احتلوا بلاده، مع تقديم صورة عن الحياة في المجتمع الريفي السوداني.
ومن طرائف الحياة الثقافية العربية، أن "مؤتمر الرواية العربية" الذي كان يعقد في القاهرة، منحه جائزة دورته الثالثة عن ذات الرواية التي صدرت قبلها بنحو أربعين عامًا، وبعد أن شارك في لجنة تحكيم جائزة الدورة الأولى، التي ذهبت إلى السعودي عبد الرحمن منيف، وتولى رئاسة لجنة تحكيم الدورة الثانية التي رفضها صنع ابراهيم، ثم عندما جاء دوره للفوز في الثالثة، لم يجد مكانه الثابت في لجنة التحكيم.
ولعله من المناسب أن أنقل هنا طرفًا مما نشرته الصحف العربية صبيحة إعلان فوز الطيب صالح بجائزة "مؤتمر الرواية العربية" عام 2005.. في جريدة "القبس" الكويتية، كتب الروائي المصري صبحي موسى في تقرير شارك فيه شادي صلاح الدين ما نصه: "شكل حصول الروائي السوداني الطيب صالح على جائزة ملتقى القاهرة الثالث للرواية العربية مفاجأة كبرى، لا سيمـا أنه لم يكن من بين الأسماء المتداولة المرشحة لدى ضيوف الملتقى للفوز بالجائزة، إذ تردد أن الجائزة تنحصر بين إلياس خوري، وإبراهيم الكوني، وبهاء طاهر، وجمال الغيطاني، وخيري شلبي، وإدوار الخراط، وقد استبعد الروائيون والنقاد كلا من إدوار الخراط وخيري شلبي بعد أن أعلن أن الخراط رئيس لجنة التحكيم، وشلبي رئيس لجنة تنظيم الملتقى، وبقيت التساؤلات على مدى خمسة أيام هي فترة انعقاد الملتقى بالقاهرة، أيهم سيفوز بالجائزة، وهل سيتكرر سيناريو صنع الله ابراهيم مرة أخرى؟
وذكرت لجنة التحكيم في حيثيات منح الجائزة لصالح أنه مبدع جسور، فتح مجالا جديدًا في الرواية العربية، وله أثر في تعريف القارئ الأجنبي بثراء الإسهام العربي في الأدب العالمي، وعبر الطيب صالح عن سعادته بالجائزة ملمحًا الى صنع الله ابراهيم الذي رفضها في الدورة الثانية للملتقى، وتباينت ردود الفعل تجاه رفضه.
وبدا صالح في كلمته شخصية خفيفة الظل قائلا: إنني محظوظ بهذه الجائزة المهمة في مجال الابداع الروائي العربي، فالأشياء عندما تأتي من مصر دائما يكون لها مذاق خاص". وقال: إنني بطبيعة الحال لا أكتب للحصول على الجوائز، أما إذا جاءت فذلك خير ساقه الله إلينا، ولا يجب أن نرفض تقدير من يختاروننا.
وتطرق إلى الحديث عن السودان المهمل الذي لا يلتفت اليه احد قائلا: تملأني الغبطة والدهشة أن المحكمين اختاروا واحدا من هذا البلد الذي لا تقف عنده القوافل، ولا أحد يطلب منه شيئا، على رغم اننا كرماء، وعلق مبتسمًا: لكن هذا الوضع ليس سيئًا، إنما ممتاز، فلا أحد يطلب منا شيئا.
فوز الطيب صالح أثار شهية المثقفين للاختلاف، فقد عاب عدد منهم قبول إدوار الخراط أن يكون رئيسا للجنة التحكيم في حين أنه كان مرشحا للفوز، لكنهم فسروا الأمر بأن الطيب كان رئيسا للجنة التي أقرت فوز صنع الله، وها هو في هذه المرة يفوز بها، واستبعد عدد منهم ترشيحه لأنه متوقف عن الانتاج منذ فترة، ومن شروط الحصول على الجائزة الاستمرار في العطاء، لكن اللجنة قالت أنه حصل عليها بثلاث مجموعات قصصية".
3. لندن الخرطوم.. رايح جاي
والطيب صالح الذي تم ترشيحه لأكثر من مرة من قبل كتاب سودانيين وعرب للحصول على جائزة "نوبل" بعد وصول ترجمات روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" إلى 56 لغة، ولد في قرية "كرمكول" شمال السودان عام 1929، ثم انتقل إلى "الخرطوم" حيث التحق بالجامعة التي لم يتم دراسته فيها، وغادر السودان إلى بريطانيا عام 1952، حيث عمل في القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" لسنوات طويلة من حياته، ترقى فيها حتى وصل إلى منصب منصب مدير قسم الدراما، وبعد استقالته منها، عاد إلى السودان وعمل لفترة في الإذاعة السودانية، ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلاً ومشرفاً على أجهزتها، وبعدها انتقل إلى العمل كمدير إقليمي بمقر المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم "اليونيسكو" في باريس.
وكتب عن بدايته في مجلة "المجلة" التي كان يصدرها من لندن: "كان والدي وعدني بأني لو حصلت على درجات عليا في اللغة الانجليزية بالثانوية، سوف يرسلني للدراسة بجامعة اكسفورد أو كمبريدج، إلا أنه رفض بعد ذلك خوفًا علي، ورضخت للأمر الواقع؛ لكن حين أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية طلب مذيعين قدمت أوراقي، وذهبت إلى هناك ولم أترك السودان بشكل متعمد، وتغيرت الأمور في غيابي، فقد استقل السودان وخرج الإنجليز، صحيح كنت مشارك في الأحداث، لكن من بعيد من خلال كتاباتى وكنت أحضر إليها ولكن على فترات".
أصدر الطيب صالح ثلاث روايات، وعدة مجموعات قصصية قصيرة، هي "عرس الزين" الرواية التي بدأ نشرها في 1964، وطبعت في كتاب عام 1966، تليها "موسم الهجرة إلى الشمال" التي عرفه العالم بها، و"مريود" و"ضو البيت" و"دومة ود حامد"، إلى جانب عدد من الكتب منها "منسي" إنسان نادر على طريقته 2004، و"المضيؤون كالنجوم من أعلام العرب والفرنجة"، "للمدن تفرد وحديث"، "في صحبة المتنبي ورفاقه"، "في رحاب الجنادرية وأصيلة"، "وطني السودان"، "ذكريات المواسم"، "خواطر الترحال"، وأخيرًا "مقدمات"، وهو عبارة عن كتاب من القطع المتوسط جمعت فيه مقدمات كتبها الطيب صالح لمؤلفات أدبية.