محمد مستجاب فى حضرة السيد الرئيس.. عندما حرمنى السادات من «الأكلة الحلوة»!

- لم يكن من السهل أن نقبل شخصًا آخر مكان عبدالناصر مهما كانت الأسباب

الرئيس عاوز يشوفك!
حدقت فى عينى صديقى الذى يعمل أستاذًا فى الجامعة. وكان همسه واضحًا وعيناه تفوحان بالسخرية، فأيقنت أن الرئيس الذى يطلبنى ليس الريس متقال قناوى عازف الربابة، ولا الدكتور إبراهيم مدكور رئيس مجمع اللغة العربية، ولا أى ريس معروف لى شخصيًا من رؤساء تحرير الصحف والمجلات، ولا رئيس أكاديمية الفنون الذى كان الدكتور رشاد رشدى، الذى كنت أكرهه عمى! ولا رئيس عمال سكك حديد مصر العليا!
لا يوجد سوى رئيس واحد!
رئيسى ورئيس الجميع.
الرئيس الأعلى.

1
كنت أيامها أخطر ثوار الحركة الثقافية على الإطلاق.. كنت- أنا وأمى- نحب عبدالناصر حبًّا لا علاقة له بكل الحيثيات التى يؤكد بها كل المحبين هذا الحب من مشروعات واستقلال وجلاء وسد عالى وإصلاح زراعى وتأميم وتمصير... إلخ. حبنا نابع من داخل المنطقة الغامضة فى القلب الحى، الذى يجعلك تكره شخصًا فى المجلس دون أن تعرف عنه شيئًا، وتحب شخصًا آخر بنفس الغموض، حب لله؛ أى حب مجانى دون فلسفة واشتعل الحب أكثر ممزوجًا بالأسى حينما رحل عبدالناصر.
ولم يكن من السهل أن نقبل شخصًا آخر مكان عبدالناصر، مهما كانت الأسباب والأفعال، ولذا فقد ظهرت كراهيتى لمن حل محله!
ولما كان التاريخ مهذبًا، فقد أطلق على الكراهية لفظ «المعارضة» هذا بشأنى، أما بشأن أمى فقد ظلت كراهيتها سادرة دون معارضة، وحينما كانت تجلس أمام التليفزيون وتراه يخطب، تظل ناظرة إليه وهى تمصمص شفتيها كأنها تتحمل كلامه قسرًا. وعندما كان يتناول عبدالناصر بالنقد أو السخرية أو التجريح، فإنها تقوم من أمام التليفزيون لاعنة اليوم الأسود الذى جعل الثعالب مكان السباع! وبالنص: «لما رقصوا الخيل مدت الضفادع أقدامها» وقد وصل الأمر بأمى أننى- مرات استيقظت فجرًا فوجدتها منهمكة فى الدعاء عليه: (إلهى يلموك حتت، إلهى يوحدك!)، ومعنى ذلك أنها تطلب من الله أن يجعله يعيش وحيدًا، وأن يجمعوه قطعًا. وقد لبى القدر بعد ذلك رغبة أمى كاملة وبدقة مذهلة»!
ولما كنتُ أنا لا أصلح لما تقوم به أمى، فقد ظللت مركزًا معارضتى فى قصصى وكتاباتى، حتى إننى فى مرة سابقة دعيتُ مع وفد من الأدباء للقائه بالإسكندرية، نزلنا فى فندق ضخم، وأثناء انتظارنا السيارة التى تقلنا إليه دهمتنى رغبة صبيانية- وهى أقصى حالات المعارضة أن أفر إلى الشاطئ. وظللت يومها على الشاطئ متجولًا ومستعذبًا أن آخذ هذا الموقف.
وعندما عدتُ إلى الفندق آخر النهار، فوجئتُ بالوفد وقد عاد إلى القاهرة بسبب انشغال الرئيس فى لقاء آخر بمدينة الإسماعيلية، على بعد مائتى كيلومتر من الإسكندرية!

2
ومضت الأيام، فإذا بكثير من الأصدقاء المعارضين والمؤيدين- تبوأوا مقاعد وحصلوا على مكاسب واضحة، الذى وجد مكانًا بالجرائد القومية، والذى وجد مكانًا بصحف المعارضة، ناهيك عن المقاعد والكراسى فى الأكاديميات والمؤسسات والتليفونات الفورية والشقق السكنية، حتى إن بعض أصدقائى أعاد تغيير شقته كاملة بما فيها زوجته وأولاده إلا أنا الذى فوجئت بهذه الجملة الساحرة:
- الريس عاوز يشوفك!
ولما كان صديقى- أستاذ الجامعة- الآن لا يكذب، بل وليقينى أن له علاقة صداقة ببعض رجال الرئيس الذين يحبون أن يبدوا من ذوى الصلات الفكرية بالأدباء والمفكرين، فقد أيقنت أن الساعة ساعة- الحظ قادمة، ولا بد لى من الاستعداد لاستغلالها استغلالًا كاملًا. وعندما أعادنى صديقى بسيارته إلى مسكنى، وجدت أن الأمر صحيح، وأن سيارة خدمة الرئاسة- هكذا قالتها زوجتى وهى منبهرة شديدة التألق- سوف تمر علىَّ صباح الغد فى الثامنة لتحملنى إلى الرئيس.
ولن أتوسع كثيرًا فيما مر بى ليلتها، شقة وتليفون، عمود يومى فى جريدة قومية، سيارة تدفع رئاسة الجمهورية الجزء الأكبر من أقساطها من المصروفات السرية، أو من وزارة الأوقاف، زوجة أخرى.. لا داعى لذلك الآن. وظللت أتقلب على أعتاب القصر الجمهورى بين الشقق الواسعة والأثاث الفاخر والرحلة المؤكدة إلى باريس. ولماذا لا يكون الرئيس معجبًا بأسلوبى وقرر أن يستعين بقدراتى التى تفوق قدرات الزملاء الذين يكتبون مقالهم الأسبوعى فى صدر الصفحات المزركشة بالمربعات والمثلثات والخطوط، التى تحمل كلامهم المهم جدًا. والذين- هؤلاء الأصدقاء- يعتذرون فى بعض الأحيان عن عدم كتابة هذا المقال الأسبوعى اعتقادًا منهم أن أحدًا يقرأ ما يكتبونه.. دعك من هذا- قلت لنفسى- ولأنتبه لمصلحتى!

3
وبعد مليون عام، جاء الصباح، وجاءت الساعة الثامنة، وجاءت سيارة خدمة الرئاسة. كان الضابط المرافق مهذبًا، شملنى بعطفه وإحسانه. وعندما انطلقت السيارة الفارهة المرعبة فى الطريق الصحراوى، أشار لى مرافقى المهذب بأن السيد الرئيس ينتظرنى فى برج العرب، وهى منطقة خلوية على الساحل الشمالى المصرى، أى قريبة من الإسكندرية. ثم امتزج معى فى كلام حول سبب تسميتى «مستجاب»، فأوضحت له أن هذا اسم جدى، وقلت له إن كل واحدة فى قريتنا والقرى المجاورة أطلقت هذا الاسم على مولودها، فإنه يموت قبل أن يكمل سنواته الخمس، وبالتالى فقد أصبح شؤمًا على غيرى!
وعرجتُ فى حديثى على السيد الرئيس، فقمت بإزجاء الفخرية والاعتزاز بعصره، وأضفت أن المعارضين لم يفهموه. فظل ساكتًا، لكننى كنت قد تحصنت من كل احتمالات نقل الكلام أو التسجيل فى السيارة، إذ إننى لست مستعدًا أن أبدد هذه الفرصة. ولما بدأت أتوسع فى الصفات الكريمة للرئيس، نظرت بجانبى فوجدت مرافقى قد نام!
حاولت كما تعودت أن أستمتع بالرحلة الخلوية فى الطريق الصحراوى دون جدوى.. محمد مستجاب رئيس تحرير «الأخبار».. لا «الأهرام» أفضل، إننى أفضل المقعد الذى كان يشغله محمد حسنين هيكل، أليس من الأفضل أن أظل كاتبًا حُرًّا دون منصب؟
إياك أن تنحرف عن طريق الكتابة وتقبل تعيينك محافظًا لأسيوط، أو سفيرًا لمصر فى البرازيل، أو زميلًا فى كلية الجراحين ببريطانيا، أو مديرًا لحدائق حيوان الجيزة، أو ممثلًا شخصيًا للرئيس فى اتحاد كمال الأجسام!
وعندما انحرفت السيارة يسارًا وغاصت فى طريق جانبى، أخذت سمت رجل مهم؛ حيث كان مرافقى قد استيقظ، وفى الوقت المناسب تمامًا كان رأس أحد الحراس الضباط قد أمعن فى السيارة، وانطلقت الإشارات الساحرة، لتندفع السيارة إلى طريق ثعبانى فى حديقة واسعة تطل على البحر. وحينئذ وقفت السيارة ليفتح لى أحدهم الباب، فشعرت بزهو يثير الرعب فى أعتى القلوب.
4
كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة صباحًا بقليل، حينما بلعت زهوى ووقفت فى بهو واسع ملىء بلوحات الحوائط: لوحة لحسين فوزى، لرجل يصطاد سمكًا، واحدة لعبدالهادى الجزار تمثل ذراعًا عليها وشم أسد!
ما الذى يريده منى الرئيس.. سوف أتأنى فى الرد عليه.. هل سنتكلم فى حق الزملاء؟ لا.. لن أتكلم».. إنه يعرف كل شىء، مقاعد خالية لمجموعة من أطقم الجلوس المنظمة. لم يكن ثمة أحد فى البهو. فقررت أن أدخن سيجارة، وما كدت أضع السيجارة بين شفتى حتى فوجئت بيد ترتدى قفازًا أبيض تقتحم السيجارة وتشعلها، فكدت أقع من طولى، وانحنى واحد آخر قدَّم لى مشروبًا. ولوحة أخرى لصلاح طاهر تمثل أجسادًا غامضة طويلة تشبه القواقع. أنا أديب ويجب ألا يستدرجنى أى أحد مهما كان بعيدًا عن خط الأدب.. خط الفقر، فرصتك يا ابن الأفاعى، وعليك أن تستغلها استغلالًا كاملًا.
وظللت أتجول فى البهو الواسع فى انتظار أن أمثل بين يدى الرئيس. دهمتنى قصيدة ساخرة لأحمد فؤاد نجم قالها فى حقه، فأبعدتها عن ذهنى بقوة.. هل هذا وقته؟ وجلست فى مقعد بعيد آخر، وأشعلت سيجارة دون معونة من أحد، ثم ظللت ألف بين جدران البهو، صمت، صمت مرعب، ناعم ورقيق كأنه يمهد لأن تقتحم العفاريت المكان. وظل الوقت يزحف بطيئًا.. بطيئًا.. ماذا سأكتب فى مذكراتى، بعد عمر طويل؟
وجلست مرة تاسعة أو عاشرة، وتجاوزت الساعة الثالثة ظهرًا، وبما أننى أعانى من ثلاثة: الجوع والقلق والوحدة، تحركت نحو الباب الذى دخلت منه، وما كدت أصل إليه حتى وجدته قد انفتح- أعوذ بالله- ودخل منه رجل مهيب وهو يكاد ينحنى، ابتسمت له بصعوبة، وأفهمته ما هو فاهمه: «الريس عاوزنى»، فظل الرجل المهيب مبتسمًا وأغلق خلفه الباب.. ملعون أبو كافكا، هذا الكاتب التشيكى الألمانى الذى تزدحم قصصه بالكوابيس.. ولوحة أخرى لواحد لا أعرفه فيها امرأة شديدة الجمال وقد..
- اتفضل.. فاضطربت..
سرت وراء رجل مهيب آخر مشدود القامة، والساعة قد تجاوزت الرابعة، وإحساسى بالجوع كان طاغيًا.. طرقة طويلة تطل على البحر، وسلالم عريضة أفضت بى إلى باب ذى ستائر ثقيلة.. ما كدت أجتازه حتى فوجئت بنفسى فى شرفة واسعة جدًا «تراس» وقد جلس السيد الرئيس فى مقعد ضخم فى منتصفها مرتديًا جلبابه البلدى الأثير، وعلى كتفيه عباءته الخفيفة البنية اللون، والبحر قد هدأ تاركًا صفحته منبسطة تلامس خريف السماء!

5
وضعنى الرجل الذى كان يقودنى أمام الرئيس مباشرة.. وكان الرئيس منشغلًا فى الاطلاع على أوراقه.. كنت مضطربًا.. شديد الاضطراب، عندما نظر من خلف نظارته إلىَّ دون أن يترك الورق.. وفى فمه مبسم طويل فى نهايته سيجارة.. وكنت أتوقع أن أراه يدخن الغليون الذى كان موضوعًا على مائدة صغيرة أمامه.
وفتحت فمى عن آخره مبتسمًا، وألقيت بالتحية المضطربة على السيد الرئيس، الذى همهم وأشار لى بمبسم السيجارة أن أجلس فى المقعد المجاور، فدرت دورة كاملة خلفه حتى وصلت إلى المقعد حيث جلست على حافته!
كانت هذه هى المرة الأولى التى أجالس فيها الرؤساء، وكانت المسافة بين جسدى ومسند المقعد بعيدة، فارتأيت أن أستمر فى جلستى المتحفزة هذه من باب الأدب والامتثال!
خلّف السيد الرئيس من وجهه الورق، وسألنى مبتسمًا وقد اعتدل بجسده فى المقعد:
- متى حضرت؟
- حوالى العاشرة.
- آه...!!
لم يقل أكثر من كلمة «آه» مضخمة بدخان كثيف له رائحة نفاذة أعرفها جيدًا، ونظر إلى البحر ثم عاد إلى الورق المرفوع حاجبًا وجهه، هذا الورق الذى كان ينزله أحيانًا حتى أرى عينيه الممعنتين المصوبتين نحوى، والذى كنت أتوقع أن يبدأ معى الكلام بعدها مباشرة، لكن الورق يعود ليصبح حاجزًا بينى وبينه، ولم ألبث أن أحسست أنه يقرأ فى الورق ما يخصنى. إن هاتين العينين اللتنين تعودان وتخترقان الحُجب الورقية من خلف نظارته، لا بد أنهما تقرآن شيئًا يخصنى!
وظللت صامتًا.. أزاح السيد الرئيس الورق جانبًا، وكان شاربه الضخم قد تهدل بعض الشىء عما تعودنا أن نرى فيه من حدة وتشذيب، وأمعن فى وجهى من وراء النظارة وقال:
- الصعيد بلد الشهامة.
- أشكرك يا سيدى الرئيس.. الشهامة لا وطن لها.
باب جميل للكلام، لكن السيد الرئيس عاد إلى الإمعان فى الورق ولا يصح لى أن أزيد أو أفتح أى كلام دون أن يأذن لى الرئيس. وكان صوت البحر يأتى من بعيد محملًا بالآمال الواسعة، وظللت على طرف المقعد الضخم غير قادر على الاسترخاء، وحينئذ جاءت القهوة. فنجانان كبيران لهما رائحة نفاذة، وامتدت يد الرئيس فى هدوء إلى فنجانه، فانتظرت قليلًا، ثم لم يلبث أن ترك الورق جانبًا، فأحسست بخطر داهم!
وعندما امتص السيد الرئيس الرشفة الأولى، ومصمص شفتيه مستملحًا ومستعذبًا، مددت يدى إلى فنجانى، فوجدتها قد اضطربت بما يعرّض الفنجان للانقلاب.. «أعوذ بالله انقلاب إيه وزفت إيه- هل هذا وقته؟!»، فأعدت الفنجان إلى موقعه وظللت على طرف المقعد!
6
كانت الشمس قد سقطت فى الأفق منبئة عن وصول المساء، وبدأ الليل يحط على كيانى، وأنا ما زلت جالسًا على حافة مقعد ضخم، والسيد الرئيس أشار بيده وهو لا يزال ناظرًا إلى البحر. هل أتكلم؟ وإذا تكلمت ماذا أنوى أن أقول؟ ولماذا لا أقف الآن وأدهمه بهاتين الذراعين الصعيديتين وأستولى على المقعد الذى يجلس عليه؟
لكن كوبين من عصير البرتقال وضعا أمامنا، قادمين من جوف سحيق غامض. كنت جائعًا، ومصارينى تتصارع فى الجوف الخاوى، محدثة أصواتًا مرعبة.. أنا جائع يا سيادة الرئيس ودعنا من كل الشئون التى تشغلك وتشغلنى!
لكن السيد الرئيس ظل ممعنًا فى البحر الأسود المظلم وقد استرخى.. واكتشفت أن فنجان القهوة لا يزال كما هو، لكننى مدت يدى بقوة وتناولت كوب عصير البرتقال كى أسد به صراع المصارين، وأحسست برغبتى الشديدة فى سيجارة، وفى الذهاب إلى دورة المياه، وفى أداء الصلاة، وفى الجرى، وفى الصراخ، لكننى ظللت صامتًا!
تمنيت أن يقوم السيد الرئيس من مقعده كى أخلو لنفسى خلوًا حقيقيًا، لكن الرجل ظل صامدًا، لماذا لم يقم لأداء الصلاة؟ كان وجهه الغامض قد تشكل مع الضوء الخافت ليذيقنى مرارة لم أعهدها من قبل رغم كثرة المرارات التى مرت فى حياتى. وعندما انحنى أحدهم على أذنه همسًا، رفع عينيه إلى أعلى بشكل رأسى، ثم قال:
- طيب.
فأيقنت أن أمرًا مما أرجوه الآن سوف يحدث.. الأكل.. لم أكن مشغولًا بشىء سوى الأكل. فمنذ أحقاب طويلة أكلت مرة فى بيتى، وهآنذا أديب جائع فى حضرة رئيس هادئ صامت!
وبالفعل، جاءت من آخر الشرفة الواسعة عربة مما نراها فى الأفلام، تحمل مأكولات بيوت الأثرياء، فأحسست بحب جارف للسيد الرئيس، هذا الذى نظر إلى الذى يدفع بالعربة أمامه، وأشار إليه بإصبع مفرودة آمرًا:
- تحت يا إسماعيل..
واستدار إسماعيل بالعربة ذات المأكولات المغطاة.. وقبل أن يغيب بها، صاح به السيد الرئيس:
- فى السينما أحسن!
وخبط بيده على مسند مقعده، وقام نصف قيام، وسألنى:
- مش فى السينما أحسن؟
ولم أعرف بماذا أجيب، فقط ابتسامة بلهاء زخرفت بها وجهى، وأنا أنظر للسيد الرئيس الذى قام وعدل من جلبابه وعباءته، فقمت مسرعًا ووقفت وسار الرئيس فسرت وراءه سعيدًا!
كانت قاعة السينما ذات مقاعد محدودة، جلس الرئيس وجلست بجواره، تركت بينى وبينه مقعدًا، لكنه أشار إلى المقعد الموجود بجواره مباشرة، ازدادت سعادتى وقررت أن أوزع- فى أول فرصة- ألف جنيه على الفقراء!
لكننى حين هممت بالجلوس بجوار الرئيس فى انتظار أن أتفرج معه على الفيلم الذى ستسعدنى رؤيته بالتأكيد، وفى انتظار هذه المأكولات التى سوف تزيد سعادتى بالفيلم أكثر، دخل أحدهم دون عربة الأكل، واقترب من الرئيس هامسًا، فرفع وجهه إليه ثم رفع وجهه إلىَّ وقال فى هدوء قاتل وعيناه مصوبتان نحوى:
فى سيارة خدمة نازلة القاهرة تحب تروّح فيها؟!
وقبل أن أستوعب الجملة، أو أن أقول شيئًا، أشار للرجل الممتثل آمرًا:
- أيوه يا أحمد..
وقادنى الرجل، بعد أن حييت السيد الرئيس طالبًا من الله أن يطيل عمره!
7
عندما انطلقت بى سيارة الرئاسة خارجة من استراحة السيد الرئيس، وبعد أن أدى لى الضابط المرافق الكثير من التحيات والابتسامات، قلت للسائق فى أسى حقيقى:
لو سمحت يا أسطى، أى مطعم آخذ منه رغيفًا وطعمية.. أو حتة جبنة!!
فنظر الطاقم المرافق لى وعادوا يحيوننى فى احترام، وظللت فى مقعدى صامتًا، حيث كنت أدعو الله فى سرى أن...
ولم أنم، وبدأت أفكر جادًا فى اغتيال صديقى أستاذ الجامعة الذى له علاقة برجال السيد الرئيس!