الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أن تعيش كقطة.. «فلسفة السعادة».. أكل ولعب واسترخاء

Stefan Garnier
Stefan Garnier

منذ فجر الخليقة، رافق الإنسان ذلك الكائن الرشيق، المتمرد، المستقل، الملقب بالقط. استأنس الإنسان القط وأحبه، فأحب القط الإنسان وتخلى عن فصيلته البرية، لا لشىء، إلا ليعيش حياة هانئة وسعيدة، يتبوأ فيها مكانة ملكية، لا خضوع فيها لأحد. ويدرك مربو القطط الذين يقرأون هذه السطور الآن، ما أقوله، فهم يقولون دائمًا هذه الجملة لنا: «لا يعيش معنا قط، بل نحن الذين نعيش مع القط»، وهذا المعنى يؤكد أن القطط تملك شخصية طاغية، لا تعيش خادمة بل سيدة، عكس الكلاب، فهم خاضعون أذلاء لكل من يعطيهم لقمة.. فالكلب يقول: إنهم يطعموننى يحموننى.. هم آلهة بالتأكيد. أما القط فيقول: إنهم يطعموننى يحموننى.. أنا إله بالتأكيد!. 

فهل هذا سر سعادة القطط وتميزها واختلافها؟ هل هذا سر رشاقتها وجاذبيتها؟ هل هذا سر امتلاكها لسبعة أرواح؟ لماذا لم نتساءل يومًا عن هذه المخلوقات غريبة الأطوار التى تبدو وكأنها تعيش فى عالمها الخاص دون هموم أو ضغوطات؟ لماذا لم نتأملها لنتعلم منها؟.. ماذا لو أخبرتك اليوم أنك تستطيع تعلّم الكثير منها، وأن تغيير نظرتك للحياة قد يبدأ بتغيير سلوكك ليكون أكثر اقترابًا إلى سلوك القط.. فتصبح شخصًا أفضل؟ 

هل ستصبح حينها شخصًا أفضل فعلًا؟.. الإجابة بلا شك: نعم. 

فى كتابه «فكر كأنك قط» يتناول المؤلف الفرنسى ستيفان جارنييه، هذه الأسئلة ليجيب عنها، وقد أعجبنى الكتاب لخفة ظل كاتبه، وحكمته التى طعمّها بأسلوب تقريرى مباشر، يهدف إلى استخلاص معان وجودية عميقة، تثرى حياتنا لتجعلها أفضل. 

والكتاب عبارة عن رحلة فى فلسفة القطط، تأملها الكاتب من خلال معاشرته لقطه الصغير «زيجى»، ومن خلال أسلوبه الرشيق كقطه، قدم «جارنييه» مزيجًا فريدًا من الحكمة والفلسفة والمشاعر، أهمها على الإطلاق: أن نعيش سعداء كالقطط. 

والقطط باختصار كما يقول الكاتب، تكمن سعادتها فى بساطة عيشها، وفلسفتها التى تركز على الأكل واللعب والنوم والاسترخاء وفعل ما يحلو لها، لذلك تبدو حياتها مثالية أكثر من أى مخلوق آخر. 

تأمل مثلًا القط عندما يستيقظ، إنه لا يقفز من سريره، لأن النهوض السريع المفاجئ من حالة السكون مضر للجسد والحالة المزاجية، هو فقط يسترخى ويمدد جسده ثم يفتح عينيه ببطء ويتثاءب ويأخذ الوقت الكافى لينهض.

فلماذا لا نصبح مثل القط؟ لماذا لا نسترخى قليلًا ونتثاءب بعد الاستيقاظ ونتقلب فى السرير؟ إنها أمثل طريقة لتصفية الذهن وتنشيط الجسد، لبداية يوم سعيد. 

ولكن كيف يمكن أن نحقق السعادة فى حياة مليئة بالضغوطات والصراعات الداخلية والخارجية والأرق والقلق والعصبية؟ مؤكد أنك وأنا وكل إنسان يحترق كل يوم، من أجل أشياء وحاجات واحتياجات تظنها ذروة الحياة المثالية وهى فى الأساس لا شىء، فهل تنظر إلى القط ماذا يفعل؟ 

Stefan Garnier

إنه يعيش اليوم، ولا يعنيه الغد، يعيش حياة التأمل ولا يحبذ التغييرات الكبيرة فى الحياة. إن لحظات القلق لديه تتولد فقط من التغيير الذى قد يؤثر على رفاهيته، أو من مشكلة عليه حلها سريعًا، كطرد قط دخيل، أو غياب سيده كثيرًا عليه والذى لا يتناسب مع حاجته للاهتمام والحب. 

إن القط فقط يقلق عندما يشعر بالخطر، لكن تعود إليه حالة السكينة والهدوء فى ثوانٍ كأن شيئًا لم يحدث، والقلق بالنسبة له يكون ذروة الانتباه واليقظة، كما أن القط يتمتع بصفة يعرفها الجميع، وهو أنه إذا لم يجد لنفسه مكانًا فى البيت أو افتقد الألفة والسعادة، فإنه يغادر.. يغادر بلا رجعة غير نادم ولا يبكى ولا يعبأ بما سيواجهه. 

إنها قمة الحكمة التى يمكن أن نستخلصها من القط، فكيف نحافظ على الهدوء والسلام الداخلى، يجب أن نحدد مصدر القلق حتى تعود السكينة ورفاهية النفس.

والقط.. أى قط أنانى، والأنانية مفتاح السعادة بالنسبة للكاتب، وأنقل عنه نصًا: «لا يمكننا أن نعطى للآخرين شيئًا لا نعرف كيف نعطيه لأنفسنا»، وأعجبتنى وجهة النظر، فأنا أولًا ثم الآخرين، إنها منتهى الحكمة، وهذا ما يفعله القط، إنه يفكر فى حاجته أولًا ورفاهيته ثم يأتى الآخرون بعد ذلك. 

ويركز المؤلف على سمة أخرى فى القط وهى الكاريزما، فهو نظيف، يدخل إلى أى مكان فيلفت انتباه الجميع، وليس فى حاجة أن يزعج أحدًا بضوضاء أو مواء، ولا يحتاج إلى افتعال الدراما لجذب الانتباه، يتعامل فى أى مكان بنفس السلوك ونفس الحرية لا يبالى بأى قدسية أو أهمية للمكان الذى يتواجد فيه. 

وفى نظر الكاتب، تكمن فى هذه السمة سرّ الكاريزما الحقيقية لأى إنسان. فالإنسان الكاريزمى هو من يتصرف بطبيعته، دون تكلف أو تصنع. له نفس التصرّف والأداء والطريقة فى كل الظروف والمواقف. فهو لا يُغيّر نفسه ليتناسب مع المكان أو الموقف، بل هو يُبقى على طبيعته، وهذا ما يُضفى عليه هالة من الجاذبية والتميز. يرشدنا هذا الكتاب باختصار إلى تغيير نظرتنا إلى الحياة، والتعامل معها بنفس فلسفة القطط، وهى العيش فى الحاضر والاستمتاع باللحظة، التركيز على ما يسعدنا وفعل ما نحب، الاسترخاء والتخلص من التوتر، وكذلك أن تتعلم التمرد وتقول لا، فأنت صديق لمن حولك لا عبد. يعلمنا الكتاب أيضًا أن النوم وقت طويلًا.. هو اختراع القط.. لأنه يستمتع بالنوم بشكل متكرر. والنوم هو أحد ملذات الحياة، والذى لا ينام كفاية أو ينام ولا يستمتع بنومه.. بكل تأكيد خسر نصف المتعة فى الحياة.