الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الشيطان الأكبر.. كيف وصف أحمد خالد توفيق حسن الصباح؟

أحمد خالد توفيق
أحمد خالد توفيق

- دعوة الصباح اتخذت مع الوقت طابع ادعاء نبوة كاملًا

- حسن الصباح كان يواجه العالم الخارجى بابتسامة دبلوماسية لزجة ثقيلة الوطء

- زعيم «الحشاشين» استخدم الحشيش على نطاق واسع بجرعات عالية

لم تكن جرائم جماعة الحشاشين ومؤسسها حسن الصباح غائبة عن اهتمام الكاتب الأكثر شعبية أحمد خالد توفيق، ففى واحدة من سلسلة روايات «فانتازيا» الشهيرة يسمح لبطلته «عبير عبدالرحمن» بالولوج إلى عالم الحشاشين وخططهم المحكمة لإحكام قبضتهم على العالم. 

بطلة رواية «قلعة السفاحين» هى العنصر المشترك فى سلسلة روايات «فانتازيا»، فهى حسبما يقدمها توفيق بالعدد الأول من السلسلة «شخصية عادية إلى حد غير مسبوق، إلى حد يخطف الأبصار، إنها الشخص الذى نتمنى ألا نكونه حين نتحدث عن أنفسنا»، هذه الفتاة العادية تعيش مغامرات غير عادية عبر جهاز يخترعه زوجها خبير الكمبيوتر يتيح الانتقال إلى مغامرات متكاملة مع أشخاص وأزمنة ماضية. 

تنتقل عبير فى رواية «قلعة السفاحين» إلى قلعة ألموت حيث تسكن جماعة الحشاشين ومؤسسها، ونظرًا لأن المغامرة مع «الحشاشين» لا تحمل المتعة وإنما تثير الذعر، فإنها تأتى بالخطأ؛ خلل فى الجهاز الذى اخترعه الزوج يؤدى إلى إرسالها إلى عالم يدور حول بغداد وخراسان ونيسابور وفيه مآذن وخلفاء وقضاة وعسس، عالم قاس ومتوحش فى فترة مليئة بالنزاعات والقلاقل؛ عصر الدولة الفاطمية، وفى إيران حيث يحكم الملوك السلاجقة البلاد. 

كعادة توفيق فى روايات هذه السلسلة، ثمة مزج سلس وطريف بين ما هو فانتازى وما هو تاريخى أو حقيقى، فالمسار الذى تسلكه البطلة عبير وكل تحركاتها ومعاركها وأفكارها هى من وحى الخيال وهو ما قد يتقاطع مع وقائع تاريخية فيضفى عليها صبغة فانتازية غير أن المؤلف حين يخلط الواقع بما هو فانتازى يوضح مواضع المزج وحين يسرد وقائع تاريخية يذكر المصادر التى كان منها على سبيل المثال كتاب ماركو بولو وكتاب مذاهب غريبة لكامل زهيرى، فما هى القصة التى نسجها توفيق حول تلك الفترة المضطربة والشخصية الأكثر غموضًا ودموية؛ حسن الصباح؟ 

من هنا نبدأ

فى شوارع «نيسابور»، تنزل عبير إلى سوق القوارير، وهناك تتعرض لخطر داهم لكنها تنجو منه بمساعدة الشاعر والفيلسوف عمر الخيام؛ واحد من الأصدقاء الثلاثة «نظام الملك» الذى يطلق عليه «نظام الدين» بالرواية، وحسن الصباح مؤسس فرقة النزارية أو جماعة الحشاشين، والشاعر «عمر الخيام»، لتبدأ الرواية بتلمس صفات كل منهما وطبيعة العلاقة التى جمعت بينهم. 

تصف «عبير» الصباح ونظام الملك بـ«الداهيتين»، فحسن الصباح «كان رهيبًا وأضاف إلى رهبته ذلك الرداء الأسود الذى يكسو كتفيه ويتدلى للأرض ليحيطه ببقعة سوداء مهيبة، وحاجباه الفارسيان المتصلان كانا يضفيان على عينيه القويتين مسحة شبه شيطانية»، أما «نظام الدين» فهو أكثرهم سلطة حسبما رأته، فيما وصفت عمر الخيام بأنه يعانى من اضطراب شديد فى عواطفه، مع ميل للاكتئاب يتأرجح مع ابتهاج خارق للعادة.. كان متشككًا يحتقر الحياة لكن ينغمس فيها بعنف، راغبًا فى الموت لكنه يخشاه، مولعًا بتعذيب نفسه كلما رأى الجمال أو استشعر السعادة، هذا المزاج الأسود لم يمنع عمر الخيار من أن يكون طبيبًا بارعًا وفلكيًا حصيفًا وخبيرًا بالرياضيات والفلسفة. 

تقف البطلة على العلاقة الحميمة التى جمعت بين الثلاثة، فقد تلقوا العلم فى نيسابور فى المدارس النظامية، ما يعادل الأزهر فى ذلك الوقت، وجمع بينهم عهد بالإبقاء على الصداقة وأن من يصل لتحقيق طموحاته عليه أن يجذب الاثنين الآخرين معه. 

ومع أن الأحداث تبدأ فى هذه السوق فإن الرواية لا تخضع للترتيب ذاته، إذ تبدأ من ما قبل النهاية حيث عبير فى قلعة آلموت متخفية فى هيئة أحد جنود الصباح وعازمة على قتله إلا أن أمرها ينكشف للصباح بسهولة. هذا السرد الأقرب للدائرى يضفى مساحة من التشويق على الرواية، وهو ما يسعى المؤلف لتحقيقه بالاعتماد على أدوات أخرى من أهمها توظيف الفانتازيا فى التعاطى مع التاريخ، والتعليقات الطريفة والمقاربات بين العالم الحديث وذلك الزمن التاريخى. 

الأحداث العامة

يمر توفيق فى الرواية على عدد من الأحداث الرئيسية فى تلك الفترة، فبعد أن صار «نظام الدين» «نظام الملك» وزيرًا، يقرر الصباح والخيام الذهاب إلى أصفهان لتحقيق العهد، لكن نفوذ الصباح لدى ملك شاه كان يقوى يومًا تلو الآخر إلى حد بدا معه وكأن «الطوسى» قد سمح للأفعى أن تبيت فى داره، فيكيل للصباح المؤامرات التى تدفعه للفرار إلى مصر، وهناك كانت فرصته فى الرهان على الخليفة نزار ومحاربة بدر الدين الجمالى فى مسعاه المؤيد للابن الثانى المستعصم، وحين تولى المستعصم وقتل نزار كانت هذه هى الفرصة السانحة للصباح كى يتبنى قضية ما، إذ كان «بحاجة إلى النفوذ والسلطة، لكن الناس لا يمنحان النفوذ والسلطة من دون قضية، وقضية اليوم هى مصرع نزار.. فهو لم يكن يبالى كثيرًا بنزار ولا من يحكم مصر، لكنه كان يبحث عن قضية، يبحث عن فتنة». 

جراء ذلك يُعتقل الصباح لكنه يفر إلى الشام ثم إلى شمال إيران حيث قلعة آلموت، فهناك ظل يدعو الناس إلى الالتفات حوله ومبايعة نزار خليفة مدعيًا أنه نائب الإمام القتيل ويتكلم بلسانه، وأنه معصوم وكل ما يقوله صحيح وكل شىء يعرفه وكل سر يستطيع أن ينفذ إلى خفاياه. 

تصف الرواية الصباح مرة أخرى بأنه «من الطراز الذى يبقى أفكاره لنفسه، هو فقط يواجه العالم الخارجى بابتسامة دبلوماسية لزجة ثقيلة الوطء»، وأن له حاجبين فارسيين متصلين وعينين ثاقبتين تعطيانه طابعًا شبه شيطانى. 

ويوضح توفيق فى روايته الكيفية التى استولى بها الصباح على القلعة بالكشف عن خداعه لأميرها، فبعد أن طلب منه أن يبيعه مقدار سلخ بقرة من أرض القلعة كى يعيش عليها، قام بالاستيلاء عليها وطرد الأمير وجعل من رجالها حراسه الشخصيين. 

تعليمات الصباح واستقطابه للتابعين

تلقى الرواية الضوء على الخطط الشيطانية التى كان الصباح يتبعها لضمان ولاء التابعين ولاستقطاب المزيد منهم، فمن تعليماته إلى أتباعه ألا يتكلموا فى بيت به سراج، لأن البيت الذى به سراج مضىء ليلًا به عالم أو فقيه أو باحث، وهم من يريد الابتعاد عنهم لأنهم يرهقونه بالجدل، فهو لا يحتاج إلا العامة الجهلاء الذين يقبلون الأمور على علاتها. 

أما عن مراحل استقطاب أفراد الجماعة فهى سبعة؛ الخطوة الأولى هى التفرس فى إمكانية أن يكون الفرد صالحًا للانضمام للجماعة، والخطوة الثانية التأنيس أى الجلوس فى دار التابع المستهدف وسرد الغرائب والطرائف له، والخطوة الثالثة هى التشكيك فى الأفكار الراسخة عنده بدعوى الإصلاح، أما الخطوة الرابعة فهى التعليق أى التوقف عن زيارة الفرد والاختفاء عنه لفترة حتى تأتى الخطوات الثلاثة الأخيرة لأخذ العهد من التابع بالطاعة، وإقناعه بأنها دعوة الحق التى عليه أن يكون مستعدًا للموت من أجلها. 

تشير الرواية إلى أن دعوة الصباح اتخذت مع الوقت طابع ادعاء نبوة كاملًا وأحيانًا ادعاء الألوهية، وذلك بعد أن أسس الصباح لنظام محكم ومعقد يأتى هو على رأسه ويليه كبار الدعاة فالدعاة، ومن بعدهم الرفاق فالفداوية، ثم اللاصقون فالعاديون. 

ومن ضمن آليات الصباح فى إحكام سيطرته على تابعيه حسبما جاء فى الرواية كان استخدم الحشيش على نطاق واسع بجرعات عالية بدرجة تجعل التابعين عمومًا والفداوية خصوصًا فى شبه غيبوبة يصدقون فيها كل ما يقال ويلمسونه ويعيشونه، آنذاك ينقلون إلى الحديقة النزارية وهناك يقنعهم بأن هذه هى الجنة.

الجانب الفانتازى

تتوازى الفانتازيا مع التاريخ فى الرواية، فإن كان الأصدقاء الثلاثة ومآلاتهم المسرود بعضها بدقة قد جاءت من رحم التاريخ، فإن البطلة عبير من وحى الخيال الذى يقيم بينها وبين الشاعر عمر الخيام علاقة حميمة ووطيدة تجعلها تذهب للانتقام من قاتله حسن الصباح فى قلعته. هنا تحضر رباعيات الخيام محققة لكن واقعة قتله المتخيلة تفتح الباب لنسج الحقيقى بالمتخيل فى الرواية، وتلك هى الحيلة التى اتبعها المؤلف ليجعل «عبير» تصل إلى قلعة آلموت وتروى عنها وعن صاحبها ونهايته التى جاءت قدرية بدون تدخل منها مع ذلك. 

لا يهدف أحمد خالد توفيق فى هذه الرواية أو فى بعض الروايات الأخرى من سلسلة «فانتازيا» إلى تقديم رواية تاريخية بالشكل المتعارف عليه، ولكن هذه السلسلة موجهة بصورة أساسية للنشء، ومن ثم فالأحداث التاريخية تقدم باعتبارها إطارًا وأفكارًا عامة تُمكن المطلع عليها من بلورة الاهتمام بتلك الحقبة وشخوصها والانطلاق فيما بعد نحو أعمال أخرى أكثر تعمقًا واهتمامًا بسرد التفاصيل والوقوف على حقيقتها.