الأحد 24 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

كريمان حمزة.. أول مفسرة للقرآن الكريم

كأننى عثرت على كنز حينما وجدت كراساتى القديمة التى عنونتها «بينى وبين أصدقائى» وهى رسائلى إليهم، وأحكى فيها خطواتى الأولى فى شارع الصحافة ولقاءاتى بالكبار، بل بمؤسسات كبرى كالرئاسة والدفاع والمخابرات.. إلخ- سنحكيها فى حينها- فقد كنت كمن «نطح وشطح» وأنا ما زلت صحفيًا تحت التمرين!، وكنت مغرمًا بكتابة الرسائل الشخصية التى ساقتنى للكشف عن رسائل كبار الأدباء، وللأسف ذهبت «خطيبتى» ضحيتها، وقد ظننت فخرها بى وأنا أحكى لها فى خطاباتى لها علاقتى بالكبار، حتى اكتشفت أن أحد هذه الخطابات ملق فى الزبالة!، ولعله كان مصير خطاباتى السابقة، بعد أن وجدت خطيبها بدلًا من أن يبثها رسائل حب يبثها رسائله الصحفية، أما الضحية الأخرى فهى قارئة بدأت مراسلتى إعجابًا منذ كتبت قصة اعتزال الفنانة شادية «بمجلة الإذاعة والتليفزيون» وكان لها أسلوب ينم عن ثقافة أطمعتنى بها كزوجة للمستقبل، ولكن ما إن نشرت ملفًا عن الفنان فريد الأطرش حتى اتهمتنى بالانحراف، إذ كيف بعد كتابتى عن الفنانة التى هداها الله، أكتب عن الفنان الذى تحيط به الراقصات وهو يغنى؟!. إلى أن استقر بى المقام عند من أهديتها كتابى «رسائل خاصة جدًا» عن توفيق الحكيم، وكانت متشوقة لسماع حكاياتى مع الكبار، فكنت أعطيها شرائط تسجيل حواراتى معهم. وهكذا مضت الأمور على خير بعد خطوات متعثرة فى حكايتى مع الحياة الاجتماعية، حدث مثلها بالتوازى مع حياتى الصحفية التى شرفنى د. محمد الباز بكتابتها لـ«الدستور» الغراء، ولتكن البداية بالكبار المجهولين، أو «ناس فى الظل» حسب عنوان كتاب لأديبنا الكبير يحيى حقى الذى تمر بنا ذكرى ميلاده هذا الشهر الذى تمر فيه أيضًا ذكرى صبرى العسكرى، المحامى الذى أنقذ سمعة مصر الثقافية فى أشهر قضية أدبية فى ثمانينيات القرن الماضى حين برأ «ألف ليلة وليلة» من المصادرة والحرق باعتبارها قصصًا إباحية!– ولكن الحديث عن ذلك لاحقًا حتى لا يفوتنا الاحتفاء بالإعلامية الكبيرة كريمان حمزة التى رحلت منذ أيام فى صمت لا يليق بها، رغم أنها قضت فى العمل الإعلامى الدينى أكثر من أربعين سنة قدمت خلالها برامجها الإذاعية والتليفزيونية، ومنها: الرضا والنور، بالحق أنزلناه وبالحق نزل، كلمة طيبة. وهو ما أهلها لاختيارها عضوًا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية. ولها عدة مؤلفات منها: سيد الخلق، لله يا زمرى، نيجار والغابة. غير أن أهم أعمالها التى لم تسبقها إليها امرأة فى تاريخنا الإسلامى هو كتابها «اللؤلؤ والمرجان فى تفسير القرآن»، وقد صدرت طبعته منذ ثلاث عشرة سنة فى صمت لا يليق بهذا الإنجاز الكبير الذى قرأت من أجله ٢٦ تفسيرًا، وكان نهجها وسطيًا، ربطته بمناحى الحياة من سلوك وعبادات ومعاملات، وقضت ثلاث سنوات ونصف السنة لإنجازه، ومثلها للمراجعة، وقد أجاز الأزهر هذا التفسير بعد دراسته ٢٦ شهرًا، وقد وصل صدى هذا العمل إلى البلاد العربية، حتى إنها ذكرت تلقيها خطابًا من الملك عبدالله، ملك الشقيقة السعودية يشكرها على تفسيرها للقرآن باعتباره عملًا رائعًا، ووصفه بالتفسير العصرى والشامل. واستثمرت عملها الإعلامى فى تقديم ٧٥ حلقة من تفسيرها للقرآن الكريم بإذاعة «صوت العرب»، وكان هذا العمل الجليل مرشحًا لجائزة الدولة ولكن تم استبعاده، وقد اتهمت صفوت الشريف، وزير الإعلام وقتها، بأنه يشن حصارًا حولها، وكان غير راضٍ عن برامجها. وقد حكت لى فى لقائى بها كيف أنها كانت تتبنى عملية جمع تبرعات للمغتربين الأفارقة الذين يدرسون بالأزهر، وقامت من أجل ذلك بجولة فى بعض البلاد العربية، وذكرت لى أن الشيخ زايد بن سلطان، مؤسس دولة الإمارات قد تبرع لحملتها بخمسة ملايين دولار من جيبه الخاص، تقديرًا لعملها الخيرى.