الجبتانا.. قصة الكتاب الذى أخذت منه كل الأديان قوانينها
يروى الجبتانا قصة انبثاق الآلهة وظهورها فى مصر وبداية تجمع السلالة المصرية حول وادى النيل
سمعت وسمع معى كل من فى الأرض والسماء صوت قدوس الكون يهتف بى
قبل سنوات- تحديدًا فى 2009 صدر عن دار روافد كتاب «الجبتانا.. أسفار التكوين المصرية».
وأعترف لكم أننى ترددت فى عرض الكتاب وقتها، رغم أننى كنت قد قررت أن أقدم قراءة مستفيضة له، مهما كانت توابع ذلك.
يمكن أن أتحجج أمامكم الآن بأننى لم أعرض الكتاب وقتها لانشغالى بأعمال أخرى.. لكن الحقيقة أن المجتمع وقتها لم يكن ليتقبل بسهولة الأفكار التى حملها «الجبتانا».
كانت أعصاب الجميع مشدودة، كان الإخوان والسلفيون وقتها يدّعون حرصهم على الدين الإسلامى، وعلى كل ما يتعلق به، كانوا يوهمون البسطاء بأنهم جند الله على الأرض، لذلك فكل أمر حتى لو كان هينًا وبسيطًا، لم يكن يتركه الإسلاميون دون أن يشعلوا الأرض نارًا، يخرجون فى مظاهرات حاشدة، ولا يتوقفون عن الهتافات المناصرة للإسلام والقرآن.
كان هذا هو حال المتأسلمين وهم فى المعارضة، بعد أن وصلوا إلى الحكم أصبحوا أكثر مرونة، تسامحوا فى كثير من الأمور التى كانوا يشعلون الحرب من أجلها قبل ذلك، دع عنك ما قيل إن حكومة مرسى منحت ملاهى شارع الهرم ثلاث سنوات فى ترخيصها بدلًا من عامين فقط، فهذا أمر هامشى، لكن الجماعة التى أشعلت النار من أجل رسوم هولندية مسيئة للرسول، لم تقدم شيئًا له قيمة بعد فيلم أمريكى مسىء للرسول.. رغم أن الفيلم كان أشد قسوة وانحطاطًا فى الإساءة، لكنه مر لأن الجماعة انحازت إلى مصالحها مع الأمريكان.. تاركة ما كانت تقوله وتدّعيه وراء ظهرها.
فضلت عدم الدخول فى معركة صغيرة مع الإسلاميين، خاصة أن غبار معركة إعادة النظر فى الأحاديث الضعيفة والموضوعة لم يكن قد تبدد بعد، مع أنى كنت على يقين أن هؤلاء قوم لا يقرأون.. وإذا قرأوا لا يفهمون.. وإذا فهموا لا يعترفون أنهم على خطأ، أو على الأقل يعترفون بأن من يعارضهم على صواب.
قد تقول إن إخراج الكتاب الآن ليست له قيمة، خاصة أن الخصم الذى كان يمكن أن يقف فى مواجهة أفكاره فى أضعف حالاته، منشغل بإعادة المكاسب التى تمتع بها لعام واحد فقط، لكن حقيقة الأمر أن عرض مثل هذه الأفكار الآن يأتى للتأكيد أن المصريين تحديدًا لا ينبغى أن يلعب أحد معهم بورقة الدين، لسبب بسيط للغاية هو أنهم من اخترعوه عندما لم يجدوه على الأرض.
الكتاب جمعه الراهب «مانيتون السمنودى» ورواه الراهب أبيب النقادى- وهذه قصة طويلة يمكن أن تعود إليها فى الكتاب الأصلى- وهو عبارة عن متن مقدس أى سورتا، وسورتا بالمناسبة كلمة مصرية قديمة انتقلت إلى الأديان الأخرى بنفس الاستخدام المصرى، وهى تعنى النص المقدس، فهى فى التوارة والإنجيل سفر، وفى القرآن الكريم سورة».
يروى الجبتانا قصة انبثاق الآلهة، وظهورها فى مصر، وبداية تجمع السلالة المصرية حول وادى النيل، وبدء ظهور الحضارة المصرية، وأصل هذا النص المقدس يروى قصة الحضارة المصرية حتى زمن مصرع «أوزيريس» الناسوتى وتحوله إلى صورة لاهوتية، ثم زوال الاتحاد الأول وبداية الاتحاد الثانى على يد «مينار نارمر».
حفظ «مانيتون» نص «الجبتانا» عن الكهنة الذين حفظوه عن أسلافهم، وإمعانًا فى قداسة «الجبتانا» فإن مانيتون رأى فى المنام أن رب الأرباب أمره بأن يعيد تسجيل الجبتانا عن المتون القديمة التى كانت تحويها، ويستجيب مانيتون على الفور، ويبدأ فى كتابة الجبتانا التى اعتبرها من وحى الآلهة أحيانًا، وأحيانًا أخرى يعتبرها متونًا قديمة سجلها قدامى المصريين على الألواح وعلى جدران المقابر القديمة.
ظلت الجبتانا نصًا مقدسًا، محفوظًا من قبل الكهنة يرددونه فى المعابد وتتلى أجزاء منه فى القداسات، ولما استقرت المسيحية فى مصر بعد عصر الشهداء، حدث لون من الاضطهاد لمن ظلوا على العقائد القديمة، فلاذ المضطهدون بدروب الصحراء وكهوف الجبال وعكفوا على ترديد الجبتانا كنص مقدس يربطهم بما يؤمنون به.
وعندما دخل الإسلام واللغة العربية مصر، وشعر المصريون بالخوف على اللغة المصرية وما يرتبط بها من تراث، فعادت الجبتانا إلى الظهور، يرددها المصريون باعتبارها نصًا مقدسًا محسوبًا على القبطية، وهكذا ظلت تردد فى المواسم والاحتفالات القبطية، ويستخدمها بعض الرهبان المعلمين كنص يدربون عليه الطلاب فى الكتابة والقراءة حتى نهاية الزمن الفاطمى فى مصر.
فى الجبتانا أبدع المصرى القديم فى تفصيل أمور دينية عديدة كانت مصدرًا للأديان جميعها بعد ذلك.
ففى الكتاب المقدس قصة انبثاق الآلهة والعالم، واليوم الآخر، والثواب والعقاب والجنة والنار «البارادويس: معناها الحر فى بيت النعمة، جى هنوم: معناها وادى العذاب وهذا يساوى الفردوس والجحيم»، ثم ساتان وأصلها ست فى القصة الأوزيرية، ثم نونت فصارت ساتان، عوزير هو أوزير وهو عوزير إبل أى عزرائيل فى الفكر العبرانى، وآمين هى نفسها آمون المصرية التى أميلت إلى آمين، ونطق بها كل البشر، وأما نبو المصرية فهى المبارك والمقدس أو النبى جابار، رسول التاسوع «ربما كان اسمًا وصفيًا لتحوت» هو نفسه جبرائيل ملاك الرب.
من الجبتانا ندرك أن مصر هى التى أدخلت الحياة الأبدية والبعث والخلود إلى الوجدان البشرى، وقد انتقل من المصريين إلى الفكر العبرانى السامى، فأقدم أسفار العهد القديم يعبر عن الأمل فى استمرار حياة القبيلة استمرارًا عضويًا بدائيًا، كما فى ممكلة النمل أو النحل أو غيرها دونما اهتمام بعالم آخر، «وأما أنت يا إبراهيم فتمضى إلى آبائك بسلام وتدفن بشيبة صالحة (آية ١٥ إصحاح ١٥ تكوين)، لأكون إلها لك يا إبراهيم ولنسلك من بعدك وأعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك (٧ - ٩ إصحاح ١٧ تكوين).. أكرم أباك وأمك لتطول أيامك على الأرض (١٣ إصحاح ٣٠ خروج)، فإن سلكت فى طريقى يا سليمان وحفظت فرائضى ووصاياى كما سلك داود أبوك فإنى أطيل أيامك (١٤ إصحاح ٣ ملوك أول)، ليس للإنسان مزية على البهيمة، لأن كليهما يأكل، يذهب كلاهما إلى مكان واحد، كان كلاهما من التراب وإلى التراب يعود (٢٠ إصحاح ٣ جامعة).. أسلمت جميعًا إلى الموت إلى الأرض السفلى مع الهابطين فى الحب (١٤- ١٧ إصحاح ٣١ حزقيال)، وواضح فى كل ذلك أنه لا توجد إشارة لعالم آخر أو لحساب أو لجنة ونار.
لكن دوام اختلاط العبرانيين بالفكر المصرى فتح لهم باب البعث والخلود، ولعل أول إشارة واضحة للبعث والآخرة نجدها فى سفر دانيال، وهو متأخر زمنيًا، فقد ورد فى الإصحاح الثانى عشر «كثيرون من الراقدين فى تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار والازدراء الأبدى (الملاحظ أن النص استخدم كثيرون ولم يستخدم كل، وكأن الأبدية ليست للجميع)».
كان العبرانيون أقرب إلى الحياة الوحشية الغريزية، فعبروا عن استمرار النوع بطريقة مباشرة، أما المصريون الذين ارتقوا فى معراج الحضارة فقد صاغوا الأمور صياغة أخلاقية مثالية، من خلال الإيمان بالبعث وتعلم العبرانيون بعد ذلك من المصريين قيمة الإيمان بالبعث والخلود.
لقد ظلت الجبتانا محفوظة عبر أجيال عديدة بشكل شفوى، حتى سجلها على الألفى، الذى كان يعمل موجهًا عامًا فى التعليم فى كراسات عن الراهب أبيب النقادى، لتصل إلى أيدينا أسفار كتاب الدين المصرى المقدس، وهى الأسفار التى تعادل الإصحاحات فى الكتاب المقدس، والسور فى القرآن الكريم، ولأن كتاب الدين المصرى كان أولًا، فليس أمامنا إلا أن نقر بأن كل ما جاء بعده استلهمه وأخذ منه ونسج عقيدته عليه.
السورة الأولى
أنا مانيتون السمنودى لا أعرف عن طفولتى إلا ما سمعته من معلمى وأبى بالروح كاهن معبد مدينة منديس، قص ذلك الكاهن الأب على قصة طفولتى، فقال: سلمك لى وأنت فى الخامسة من عمرك فلاح من منطقة البحيرات الشمالية فى أرض النحلة، وكانت تبدو عليك ملامح الذكاء والنجابة، ولما سألنا ذلك الفلاح عنك، روى لنا أن الإله حورس زاره وسلمك له، وأوصاه أن يرعاك حتى الخامسة، ثم يسلمك لنا فى المعبد، أصبحت يا مانيتون ابنًا لى بالروح، وعلمتك القراءة والكتابة بعدة لغات، كما علمتك وأنت تعرف الكهانة والطب والسحر.
عرفت أنك ابن من أبناء الآلهة، كنت أحيانًا أصحو من نومى على أصوات وترنيمات تأتينى من حجرتك، واكتشفت أن حورس وإيزيس وأوزوريس ورع وآمون وبقية التاسوع المقدس، كانوا يزورنك، ويضعون فى قلبك الأسرار المقدسة، والأسماء السحرية التى تجعلك قادرًا على تجاوز عالمنا إلى عالم الآلهة، ولما بدأ لسانك ينطق بالأسرار، خفت عليك فأرسلناك إلى معبد الأسوار السبعة معبد سمنود التى هى سبيتيتوس فى لغة الإغريق.
عشت أنا مانيتون فى معبد سمنود ذى الأسوار السبعة، وتعلمت وعلمت وأتقنت لغات كثيرة، وعرفت جميع الآلهة، وقرأت جميع الألواح المرسلة من الآلهة، صرت كاهنًا وأنا ابن ثمانى عشرة، وكاهنًا أكبر وأنا ابن ثمان وعشرين، لم أذق سمكًا فى حياتى ولا لحم خنزير، كما أننى ولدت مختونًا بلا غرلة، عشت زمن الإسكندر الكبير وفى زمن خلفائه من المقدونيين المسمين بالبطالمة، تعلمت وعلمت فى معبد الإسكندرية وجامعتها ومكتبتها، أتقنت كل الخطوط المصرية، كما أتقنت الإغريقية والفينيقية والعبرية والآرامية والسريانية، طوفت على مراكز الآلهة فى العالم، زرت معابد الإغريق ومعابد العبرانيين والأدوميين ومعابد فينيقيا وببلوس وهاران، اطلعت على كتابات وألواح الكثير من الشعوب، وعلى كل المتون التى أرسلتها الألهة، وجمعت أنا وتلاميذى كل المتون المصرية، وكل ما كتبته الآلهة المصرية بأصابعها على الأحجار المقدسة والجدران والتوابيت، وهأنذا أعيش أيامى الأخيرة ما بين الإسكندرية وجامعتها ومكتبتها ومعبدها، وبين سمنود ومعبدها الهادئ ذى الأسوار السبعة.
كتبت بأمر من الملوك البطالمة تلخيصًا كاملًا لحكام مصر وآلهتها وأسراتها منذ «عحا» المحارب والملقب بـ«نعومر»، حتى وصل الإسكندر إلى تلك القوائم للآلهة والملوك المصريين العظام التى لخصتها، قد انتشرت من الإسكندرية وهليوبوليس وطيبا، فصارت توجد نسخ منها فى هاران وببولس وفينيقيا ومعابد الأدوميين والعبرانيين والفلسطينيين.
السورة الثانية
زرت معابد جميع الجنوب، زرت معبد طيبا وطينا والفونين وميتيت والكرنك وهيراكونبوس وأبيدوس وبانوليس وغيرها، اشتركت مع كهنة طيبة فى وضع القوائم الشهيرة لملوك الأرضين الذين حكموا أرض الآلهة، بعد أن كانت الآلهة تحكم بنفسها أرض مصر، ثم ترك الآلهة الأرض ورحلوا إلى السماء، حيث استقل الآلهة بحكم السماء، واستقل أبناء الآلهة بحكم الأرض.
وسلسلة أبناء الآلهة تبدأ عندنا بإيزيس وأوزوريس وحورس، ثم تبدأ سلسلة أبناء الآلهة بالملك للإله «عحا» المحارب، الذى هو «نعومر»، والملوك المصريون آلهة وأبناء آلهة وأبناء أبناء آلهة، ثلاثمائة وأربعون ملكًا سيطروا على ثلاثمائة وواحد وأربعين جيلًا من الناس، وبما أن كل ثلاثة أجيال تكون قرنًا من الزمان، إذن فالتاريخ المصرى كله «آلهة وأبناء آلهة وأبناء أبناء آلهة» يبلغ أحد عشر ألف عام وثلاثمائة وأربعين عامًا، وأول ملك من أبناء أبناء الآلهة وهو عحا المحارب أو نعومر يعود تاريخه إلى سنة أربعة آلاف قبل الإسكندر، وقبل ذلك كان حكم أبناء الآلهة وحكم الآلهة.
هذا المختصر لحكام مصر وُضعت منه نسخٌ فى جامعة الإسكندرية، وفى معبدها، وفى الأروقة الملحقة بومبى، حيث يتم التكريس للإله سيرابيس المصرى الإغريقى، الذى يعبد وتقدم له القرابين والطقوس الآن فى كاتاكوم، وهذا المختصر معروف بلسان الإغريق باسم إيجيبيتاكا وقد ضمنته رسالة بأنواع الأخشاب والعطور المقدسة والبخور واللبان والمر التى تقدم للمعابد فى مصر، ورسالة أخرى عن الأحجار والمعادن والأسلحة والمكتشفات.
السورة الثالثة
اختفى الثالوث المقدس وحملنى جبار على ظهره، الذى يشبه ظهر الحصان، وطار بى مستخدمًا أجنحته الذهبية صاعدًا إلى السماء، وتوقف جبار عند الجميزتين السماويتين المقدستين، اللتين تقفان شامختين عند مدخل طريق النور المؤدى إلى العرش السماوى، وخلع جبار أجنحته الذهبية وركبها فى كتفى، وأشار إلى أن أواصل الطريق إلى عرش رب الأرباب، وفهمت أنه يستطيع تجاوز الجميزتين المقدستين وإلا احترق.
حول العرش العظيم رأيت تاسوع الأرباب والملائكة متسربلين بثياب بيض يجلسون على عروش صغيرة تكوّن دائرة حول العرش العظيم، ويردد تاسوع الأرباب والملائكة رافعين أياديهم إلى رب الأرباب، المجد لرع رب الأرباب، والذى كان أتوم أول الخلق والآلهة، والذى صار آتون وآمون، والذى تحول إلى توت، والأب بالروح لأوزوريس وحورس وإيزيس، المجد لرع الذى سمح لنا بأن نكون معه فى الأعالى، والذى باللمة التى هى ذاته خلق نفسه بنفسه وخلق كل الأشياء والموجودات.
وأمام عرش رع وعروش الأرباب والملائكة الذين يكونون التاسوع، رأيت سبع شموس تتلألأ أنوارها تنطق وتسبح بعظمة رع، فى كل زاوية من الزوايا الأربع المحيطة بقدس الأقداس يقف حيوان ضخم فى حجم جبل مهول، فبدت هذه الحيوانات محيطة بالمكان، حتى إن عينىّ عجزتا عن الإحاطة التامة بأجرام تلك الحيوانات، لكن بدا لى أن الحيوان الأول كأنه أسد عملاق، فى وجهه عيون كثيرة تبرق وتلمع، والحيوان الثانى فى شكل قريب من فرس النهر، والحيوان الثالث هو أبو الهول بجسمه الحيوانى ووجهه الإنسانى وتلمع فى وجهه أعداد من العيون لا تحصى والحيوان الرابع هو نسر الكروربيم المجنح.
السورة الرابعة
فجأة صدر صوت عميق عن صاحب العرش الأعظم، وكأن السماوات والأرضين تردد ذلك الصوت القدسى وسمعت وسمع معى كل من فى الأرض والسماء، صوت قدوس الكون يهتف بى، أى مانيتون أيها الكاهن العارف بالأسرار، أيها الكاتب الذى يكتب بكل لسان، شاءت إرادتى أن يكون هناك فى الأرض نهر عظيم، هو حابى أو النيل، وحول ذلك النهر ينمو شعب عظيم، هم الجبتيون أبناء جبتو مصرايم، والجبتون هم أقرب الشعوب إلىّ، كما أنهم أقرب إلى الدماء الإلهية، ولهذا طرحوا عنهم حياة الغاب والحيوان وصاروا يقودون جنس البشر فى مضمار الحضارة، إن أرض مصر هى أرض الآلهة فقد عشنا نحن التاسوع المقدس على أرض مصر، حين كانت جنة التاسوع جنة أرضية.
هامش على الجبتانا
من بين الأصول الإسلامية فى الجبتانا تأتى التصويرات العامة للبراق الذى حمل الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى السماء مأخوذة عن الشراح للعهدين القديم والجديد، وبخاصة شراح سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى، ويكثر لدى الشراح المسلمين اعتبار هذه التصويرات من الإسرائيليات، وسفر رؤيا مانيتون السمنودى، يكاد يكون الأصل الميثولوجى لكل هذه التصويرات، وكذلك يوجد صدى للجميزتين السماويتين والسدرة شجرة النبق وهى شجرة صحراوية، والجميزة شجرة مصرية عريقة، احتفظت اللغة العربية باسمها المصرى الذى لا يزال عالقًا ببعض أسماء القرى، مثل الجميزة وجميزة بلجاى.
هذا التصور يعنى أن رحلة الإسراء والمعراج التى وردت تفاصليها فى كتاب السنة لم تكن إلا إعادة تصوير لما جاء فى «الجبناتا».
وهنا أنقل نصًا من السورة الثالثة على لسان مانيتون: «ما إن وضعت رأسى على الوسادة فى حجرة نوم كبير الكهنة، والتى تركها لى حيث سافر إلى عين شمس، حتى انتبهت من نومى مذعورًا، أيقظنى الإله حورس فى هيئة الصقر، مستخدمًا أجنحته المصنوعة من الذهب والياقوت والزمرد، وكانت ترافقه الأم الإلهة إيزيس التى كانت تلبس رداء أرجوانيًا أبهى من زنابق الحقول ومن زهور اللوتس، وابتسمت لى الربة الإلهة وربتت على كتفى، كذلك ابتسم لى الإله أوزير وطمأننى بأنه لم يأت ليأخذنى معه إلى الغرب، وقدم لى جبار أحد معاونى رع رب الأرباب الذى يسميه الكنعانيون والأدوميون «لا»، والذى تسميه القبائل العبرانية والسامية «الوهيم».