الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

«هوامش على دفتر الثقافة».. الطريق لفهم الفن والحياة

الفن
الفن

بتضفير لافت لمفاهيم تتبنى الفن مع الثقافة والفن ذاته يقدم الشاعر والصحفى عزمى عبدالوهاب أطروحته حول المفاهيم فى كتاب «هوامش حول دفتر الثقافة»، الصادر عن «بيت الحكمة» حديثًا؛ فهذا كتاب يحتفى بالهامش لفهم الحياة والفن، بتشييد ثلاثة محاور لهذا الفهم الشاعرى، الفلسفة والتاريخ والفن/الأدب ذاته، تتضفر المفاهيم الثلاثة متجلية فى التأريخ الثقافى، وتشييد بنية وفضاء دلالى لهم، وهو ما يتحقق بمقال «الظل»، ذلك المقدم عرضًا صحفيًا وتأريخا ذا بنية دلالية موازية لفنانى الهامش ومثقفينه، فيخلق ذاكرة للهامش، بنص تسجيلى يوازى فعل العرض الصحفى، يكتب فيه الشاعر المصرى عن إسماعيل ولى الدين، الروائى المصرى قاطن قوائم الأعلى مبيعًا فى السبعينيات، والذى تحول عدد كبير من منتجه الأدبى لأعمال سينمائية، ويكتب عن الشاعر بلند الحيدرى، صاحب الدور المنسى من جيل الريادة الشعرية فى الخمسينيات، صاحب ديوان سبق ديوان نازك الملائكة المنسوب إليه جذر التغيير، ويصل النص التسجيلى لشمل الفن التشكيلى، والأوساط الثقافية، ككل، فيقدم عرضًا صحفيًا لحياة فنان تشكيلى صاحب مشروع ومنجز مؤثر، تعرض للبيروقراطية والعمل الحكومى الهامشى، بتلك الطريقة التى تجعل فنانًا يتكئ على تأثير منجزه يتحول لمحض عابر، ما جعله يشعر بتعمد تهميشه..

شخوص هائمة في التاريخ والفلسفة

يبدأ الكتاب بتتبع مفهوم هامشى نبذته الرأس مالية هو المشى، مؤرخًا لشخوص هائمة فى محاور التاريخ والفن والفلسفة، محققًا الثلاثة محاور بقيامه بفعل التأريخ، والبحث عن الدلالة الفلسفية وراء كل شخصية مارس معها فعل التأريخ، فبدأ بالتأريخ للمشاء أرسطو، الذى مارس المشى فى محاضراته وحياته، للانخراط مع العوام، وكتب عن إميل سيوران، وحبه للضجيج وعلاقته بماضيه مع أمه، عندما أخبرته أنها تمنت لو أجهضته؛ لسوء تعامله معها، وأرخ سردية خاصة لفيردريك نيتشه، تحمل شاعرية الفيلسوف، ومعنى المشى عنده، حيث كان التحامًا مع حركة العقل، وجمال السماء والأرض، وطرح سردية لشعراء عدة وشخصيات تاريخية أخرى، منهم غاندى، المتمرد على الرأسمالية والبرجوازية بالمشى فارضًا ملابس الفقراء والمشى بها بدلًا من عادة الرأس مالية وركوب السيارات، متكئا على فقره وهامشيته أمام سخرية تشرشل منه. هكذا، يطرح عزمى عبدالوهاب تأريخًا يمتد فى كل مقالات الكتاب، تأريخ لا يعنى بثنائية الشرق والغرب، فيرى الشخصيات العربية، ويؤرخ للشاعر الماغوط وتجربته الشاعرية مع المشى، ومؤاخاتها بمفهوم الوطن والفقد والفراق والموت. 

استقراء المفاهيم

يستمر عزمى عبدالوهاب فى استقراء المفاهيم لاستنطاق فضائهم الدلالى فى محورى الثقافة والرمز، فيكتب مقالًا عن وجود أصحاب الاحتياجات الخاصة فى الأدب، كتأريخ مواز للأدب، فتنضح الذاتية عند د. طه حسين فى كتابته لـ«الأيام»، وعند الروائى اليابانى كينزا بورو، الحاصل على جائزة نوبل عام ١٩٩٤، الكائن ابنه بمنجزه الفنى كعنصر أساسى من البنية الدرامية وذاتية الكاتب الضمنى، كذلك فى رواية «صرخة النورس» لإيمانويل لابورى، الناشطة لحقوق الصم، وأحد أسباب اعتماد لغة الإشارة كلغة رسمية بنضالها بفنها واحتجاجها. ويتجلى مفهوم الترميز عند فنانين آخرين كالروائى والقاص والصحفى المصرى إبراهيم عبدالمجيد فى روايته «فى كل أسبوع يوم جمعة»، و«خارج عقلى» لشارون م. درابر، ويلج الكاتب من استقراء الأعمال الفنية بالفلسفة للفلسفة ذاتها، منحيًا البنية التقليدية للتأريخ للفلسفة، سواء بفعل استقراء أفكارها أو تاريخ خالقيها؛ فيتتبع الكاتب بتقريرية صحفية، وباعث بحثى سؤال «كيف تقرأ الفلسفة»، نابشًا عن كيفية تبسيط الفلسفة، وواضعًا نصًا تسجيليًا يؤرخ لعدد كبير ممن حاولوا تبسيط الفلسفة، كأحمد أمين وزكى نجيب محمود فى كتابهم «قصة الفلسفة اليونانية»، وكرواية «عالم صوفى»، التى ربضت قوائم الأعلى مبيعًا عام ١٩٩٥، كما يذكر الكاتب، ويضفر الكاتب البحث عن أسباب ذلك الحدث بتحقيق المقالين التاليين، بحثًا عن تأثير الأدب البوليسى وأدب الرعب فى الثقافة والوجدان الثقافى الجمعى بين ثنائية الشرق والغرب، مؤخرًا لهم، بداية من جذر أدب الرعب إدجار آلان بو، وبين ثنائية الخاص والعام يكشف الكاتب عن تأثير أدب الرعب والأدب البوليسى، المهتم ببنية درامية تهتم بالتسويق على حساب البنية الروائية واللغة، وكان «بو» ذلك أساس ذلك الجذر وأساسًا للأدب البوليسى، أيضًا، فوصف الكاتب «بو» فى استقرائه النقدى والتسجيل لسيرته الذاتية ومنجزه الأدبى «لم يكن بو يهتم كثيرًا بالمضمون الفلسفى، كما فعل ويتمان، بل ركّز كل مهاراته فى خلق الحالة النفسية التى تحتوى القارئ تمامًا».

غلاف الكتاب

يتناول مقال «فلسفة» سؤال «لماذا الفلسفة؟»، ويجيب عنها بالتأريخ لاستخدامها كعلاج بين ثنائية الخاص/ العام.. بين علاج النفس المأزومة ومداواة الشعوب المكلومة، والعقول الدوجمائية الجامدة، عند اصطناع ديكارت الشك.

من المفاهيم المؤثرة فى الفن التى تناولها الكتاب، أيضًا، المدينة، فى مقالى «مدينة الروائيين» و«مدينة الشعراء»، خالقًا مقاربة بين المدينة الأوروبية القاطنة تحت وطأة رأسمالية وتعددية وهبها تميز شخوصها واختلافهم، على عكس العربية، التى يذوب فيها الجميع كصورة وحيدة لنموذج متكرر، مدينة جاءت بعد القرية، ومن هنا تظهر قضية يتناولها مقال «مدينة الروائيين»، عند ذكر رؤية الروائى الإماراتى على أبوالريش بأن الرواية ابنة القرية وليست ابنة المدينة.