من تراث «المصور».. نجيب الريحانى يكتب عن الشيخ محمد رفعت
لا بد أن أعترف بفضل القرآن على تفكيرى وطريقة عملى، فقد قرأته مترجمًا بالفرنسية عدة مرات ثم اتصلت بالإمام المراغى شيخ الجامع الأزهر، فسهَّل لى قراءته بالعربى، وأعطانى من أجل هذه الرسالة السامية الكثير، ومن القرآن تعلمت الكثير، تعلمت الصبر والجلد والشجاعة والقسوة فى الحق، وحب الفقير والنزعة إلى عمل الخير.
ولما قرأت القرآن مترجمًا بالفرنسية وبالعربية أردت أن أستمع إليه مرتلًا، وكنت أستمع من حين لآخر للقرآن، حتى استمعت ذات ليلة فى منزل أحد الأصدقاء إلى تلاوة منه بصوت الشيخ محمد رفعت، وما كاد هذا الصوت ينساب إلى صدرى، حتى صممت على لقاء الشيخ رفعت، وفعلًا التقيت به أكثر من مرة وتصادقنا.
والشيخ محمد رفعت غيّر صفته كقارئ معروف كان عالمًا كبيرًا له العديد من الآراء فى مختلف القضايا، أما صوته فهو الخلود بعينه، صوت له نبرات احتار فى فهمها العلماء، وسألت عبدالوهاب يومًا عن سر حلاوة هذا الصوت فقال: «إنها منحة إلهية وعبقرية لن تتكرر بعد الآن».
وكان الشيخ رفعت يقرأ القرآن فى جامع صغير بشارع درب الجماميز، وكنت أذهب إلى هناك فى عديد من أيام الجُمع، لأسمع هذا الصوت الخالد الحنون، الذى هز كيانى، وقلب كل معنوياتى وجعلنى أقدس هذه الحنجرة الغالية الخالدة المرهفة وهى ترتل أجمل المعانى وأرقها وأحلاها.
وكانت هناك هواية تربطنى بالشيخ رفعت، فأنا وهو كنا نحب ركوب الحنطور، وكنت أدعوه كثيرًا للتنزه فى حنطورى.
إن صوت الشيخ محمد رفعت، كما قال لى عبدالوهاب، صوت من معدن خاص لن يجود به الزمن بعد ذلك.