الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

The Last Poets.. الكاتبة الهولندية كريستين أوتن: إسرائيل فى طريقها إلى الزوال

الكاتبة الهولندية
الكاتبة الهولندية كريستين أوتن

- أغلبية الهولنديين يؤيدون فلسطين الحرة.. والعالم بدأ يدرك حقيقة إسرائيل

- قلبى مفطور على أهل غزة.. ونحتاج إلى استمرار التحدث عنهم علنًا

- دعم أوروبا تل أبيب شعور بالذنب على ما فعلوه فى اليهود خلال الحرب العالمية الثانية

أثرت عالم الأدب بأفكارها الملهمة وأسلوبها الفريد فى السرد، وارتبط اسمها بإبداعات وتجارب أدبية ورؤى فريدة متعلقة بالكتابة، إلى جانب وجهة نظر خاصة بها، تتعلق بقوة الأدب فى تحويل المجتمع إلى الأفضل.

إنها الكاتبة والروائية والمخرجة المسرحية الهولندية كريستين أوتن، التى تنطلق فى أعمالها من التزام عميق بالقضايا الاجتماعية، وتستلهم فى رواياتها أشخاصًا حقيقيين وأحداثًا من الواقع، ومن بينها رواية «The Last Poets» أو«الشعراء الأخيرون»، المترجمة إلى العربية.

عن هذه الرواية وأعمالها الأخرى، وأسلوبها فى الكتابة وتحويل الأفكار إلى لحم ودم على الورق، ورأيها فيما يشهده قطاع غزة من إبادة جماعية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلى، يدور حوار «حرف» التالى مع الكاتبة الهولندية.

■ لكِ رواية مُترجمة إلى اللغة العربية بعنوان «الشعراء الأخيرون» أو «The Last Poets».. ما فكرتها الأساسية؟

- الرواية مبنية على قصة حياة مجموعة من الشعراء الأسطوريين الأمريكيين من أصل إفريقى، الذين كانوا ثوريين جدًا، ليس فقط من الناحية الفنية، من خلال إلقاء الشعر على وقع موسيقى الطبول، ولكن أيضًا بسبب مضمون عملهم، وانتقادهم الشديد لذواتهم. كما يمكن اعتبارهم الأب الروحى لموسيقى الـ«هيب هوب»، فقد أخذ أول عازفى الـ«هيب هوب» الأمريكيين نماذج من أعمالهم. وروايتى مبنية على أحاديث طويلة معهم ومع أفراد عائلاتهم، وأغلبهم من النساء، أخوات وبنات وزوجات سابقات وأمهات.

■ ما الذى دفعكِ لكتابة هذه الرواية؟ 

- عندما كان ابنى فى الحادية عشر من عمره، أحضر إلى البيت فيلمًا وثائقيًا عن الخلفية الاجتماعية والثقافية لموسيقى الـ«هيب هوب»، والذى شارك فيه اثنان من الأعضاء الأصليين هما عمر بن الحسن وأبيودون أويولى.

فُتنتُ حينها بقصص الاثنين عن الشعر والموسيقى والثورة، وقبل كل شىء، أسرتنى قصصهما الشخصية التى ضُفرت بالوضع فى الولايات المتحدة خلال هذه الفترة، من حيث الفقر والعنصرية والعنف وما إلى ذلك، فذهبت إلى حى «هارلم» فى نيويورك لإجراء مقابلة صحفية مع الاثنين. سرد قصة هذين الشاعرين هو سرد لتاريخ أمريكا الحديث بالأبيض والأسود، من خلال قصص عاطفية جدًا، خاصة أنهما كانا منفتحين للغاية فى الموضوعات المتعلقة بحياتهما، سواء كانت مؤلمة أم لا.

وكما قلت سابقًا، تواصلت مع «عمر» على مستوى شخصى عميق، لأن كلينا كان لديه آباء ضحايا الفقر والإقصاء، ولم يكونوا مستقرين عقليًا. أردت أن أفهم كيف تنتقل كراهية الذات من جيل إلى جيل.

■ هل ترين أن الأدباء والمبدعين عمومًا من أصول إفريقية لا يأخذون حقهم فى الاهتمام والشهرة؟ 

- نعم، هذا صحيح إلى حد كبير. عندما بدأت البحث صادفت الكثير من الروائيين والكتاب الأمريكيين من أصل إفريقى هُمّشوا تمامًا، لكنهم كانوا متألقين للغاية، حتى اليوم. لا يحظى «الشعراء الأخيرون»، لا فى أمريكا ولا بقية العالم، بالاهتمام والاعتبار المناسب إطلاقًا. لكنهم مُلهمين للكثير من الفنانين من أصل إفريقى. ورغم أننا نعيش فى أوقات مرعبة فى العالم الغربى، حيث تصعد الأحزاب اليمينية المتطرفة والعنصرية، أنا متفائلة، لأن الفنانين السود الشباب وأنصارهم نشيطون جدًا ومرنون.

■ الحديث عن حركات «تحرر السود» هو محور الرواية.. ككاتبة وفيلسوفة، لماذا لا نزال نسمع ونرى كل يوم تجلى للعنصرية فى شتى مناحى الحياة الأمريكية، وآخرها ما حدث مع جورج فلويد؟

- لا أظن أنه حدث أى تغيير فى هياكل السلطة بالولايات المتحدة. الشرطة على سبيل المثال هى منظمة أو «مجتمع» عنصرى للغاية. انظرى إلى كمّ الأموال التى يحصل عليها دونالد ترامب من القوى الصناعية الكبرى، والأشخاص ذوى النفوذ. 

بعد فوز الرئيس «أوباما» فى انتخابات عام ٢٠٠٨، ظهرت حركة قوية مناهضة للسود، خاصة بين المسيحيين الأرثوذكس. كما أنكِ تجدين العنصرية متجذرة بشكل أعمق فى الولايات الجنوبية.

أمريكا فى الأصل مبنية على العنف. قتل السكان الأصليين والعبودية. ولا يزال العنف يلعب دورًا فى المجتمع الأمريكى اليوم، خاصة مع بروز «ترامب» فى السياسة والحياة الأمريكية.

تطهير العراق

■ كيف حدث الاتفاق مع المترجم المصرى عبدالرحيم يوسف لترجمة الرواية إلى اللغة العربية؟

- سعيدة جدًا بــ«عبدالرحيم يوسف» كمترجم، هو الأفضل، وهو ما استطعت استشعاره من خلال أسئلته التفصيلية الذكية الحساسة. تعاونا معًا على أفضل وجه، وسرّنى كثيرًا التحدث إليه، عندما التقينا بالإسكندرية، فى أبريل الماضى، خاصة أنه لدينا الكثير من القواسم المشتركة فى نظرتنا للحياة والأدب.

■ هل سعدتِ بترجمة كتابك إلى لغة يتكلمها الملايين فى الشرق الأوسط؟

- أسعدتنى الترجمة جدًا، لأن العربية لغة عالمية مهمة، ولأن قصة «الشعراء الأخيرون»، عن الشعر والموسيقى والحب والثورة، وكيف يلعب الفن دورًا فى التحرر والنضال، سيكون لها صدى لدى القراء العرب. كما أن عمر بن الحسن، الشخصية الرئيسية فى الرواية، اعتنق الإسلام فى سن مبكرة، وساعده الدين على التعافى من تعاطى المخدرات. وأعتقد أن هناك الكثير من الأدب المهم والمبتكر الذى يُكتب فى العالم العربى.

■ وماذا عن رد فعل النقاد على الرواية؟

- أشاد النقاد بالرواية، قرأوها باعتبارها فيلمًا، وأشادوا بقدرتى على التعمق فى مشاعر الرجال، وبالقصص خاصة، لأنها شخصية جدًا وسياسية فى الوقت نفسه، والقصة العظيمة تكمن دائمًا فى القصة العاطفية، تمامًا كما قال جلال الدين الرومى عن القطرة والمحيط. 

قارن أحد النقاد الكتاب بـ«سيرة مالكوم إكس»، وقال إن الرواية فعلت شيئًا لم يسمح «الشعراء الأخيرون» بفعله لأنفسهم، ألا وهو إضفاء الطابع الإنسانى عليهم. كما وصلتنى رسائل من السجناء السود فى تكساس، كتبوا أن الرواية تتحدث عنهم.

ترحيل الغزوية

■ الرواية عن موسيقى «الراب»، هل سمعتِ «الراب المصرى» وكذلك ما نسمّيه هنا «المهرجانات»؟ وهل ترين أن موسيقى الراب بصفة عامة تغيرت مقارنة بعصر «الشعراء الأخيرون»؟

- سمعت القليل من موسيقى «الراب المصرى»، عن طريق صديقى الكاتب سيد عبدالحميد، الذى ألّف كتابًا عن «الراب المصرى ما بعد الثورة». لقد تغيرت موسيقى «الراب» كثيرًا، صارت تيّارًا سائدًا. والكثير من موسيقى «الراب» تجارية جدًا. لكن دائمًا ما يوجد فنانون يعيدون اكتشاف الشكل الفنى ويستخدمونه بطريقة أصلية.

■ أعرف موقفك المناصر للقضية الفلسطينية، وما يحدث من إبادات جماعية فى غزة حاليًا، هل ترين أن هذه الحرب مختلفة؟ وكيف تتوقعين ما يمكن أن تسفر عنه؟

- أعتقد أن استيعاب الناس فى العالم لما يحدث فى غزة والضفة الغربية يتزايد، يتزايد، خاصة بين الشباب، صاروا مدركين لما يحدث منذ ٧٥ عامًا. وأرى أن الوضع يشبه المرحلة الأخيرة لنظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا، حين قُمعت المقاومة بشراسة، وفى النهاية وقف العالم ضد هذه السياسة.

لكن بالنسبة لإسرائيل والحكومة الإسرائيلية، فإن أمريكا وأوروبا تدعمها بشكل أقوى بكثير. وفى بلادنا نرى كيف تجرّم أى مناهضة لهذه الحرب، على الرغم من تورط الكثير من اليهود فيها. لكن شيئًا فشيئًا يرى الناس والحكومات ببطء الحقيقة، ولن يرغب هؤلاء فى الوجود مع الجانب الخطأ من التاريخ. 

فى بلادنا، وألمانيا على سبيل المثال، نرى أن الشعور بالذنب تجاه ما حدث لليهود فى الحرب العالمية الثانية لا يزال يلعب دورًا فى السياسة الحالية. فالأوروبيون هم الذين قتلوا اليهود، ولم يدعموا اللاجئين اليهود الألمان فى ذاك الوقت. لكن من المهم فصل ما تفعله الحكومة الإسرائيلية عن الشعب اليهودى. أعتقد أن النضال لا بد أن يكون ضد جميع أشكال العنصرية والفصل العنصرى.

قلبى مفطور على أهل غزة، سيحتاجون إلى دعمنا لإعادة بناء حياتهم بقدر الإمكان. نحن بحاجة إلى الاستمرار فى التظاهر هنا والتحدث علنًا، رغم أى عواقب. وما تقوله حكومتنا لا يعكس رأى الشعب الهولندى، الذى يؤيد بأغلبيته فلسطين الحرة. 

■ كيف أثرت خلفيتك الاجتماعية على كتاباتك؟

- بقدر ما أتذكر كنت دائمًا أرغب فى الكتابة. لكنى أنتمى إلى خلفية من الطبقة العاملة، ولم تكن الكتابة خيارًا واقعيًا. لم أستطع تخيّل الكتابة باعتبارها «وظيفة» حقيقية، حتى أصبحت صحفية وأحببتها. لكننى متعطشة لكتابة الكتب والروايات، لذا عندما كنت فى السادسة والعشرين، ومرضت من كثرة العمل، قررت محاولة كتابة رواية. 

أنا أنحدر من أسلاف واعين جدًا، كان أجداد أجدادى منخرطين بالفعل فى النضال الاجتماعى، رغم أنهم كانوا فقراء ولم يتلقوا سوى تعليم محدود. أعتقد أن هذا يفسر موقفى ككاتبة وكإنسانة. 

■ كتاباتك بشكل عام تتمحور حول العنصرية والإقصاء، كيف تأتيك رؤيا معالجة هذه القضايا فى أعمالك الأدبية؟

- يحدث تلقائيًا. أجد نفسى منجذبة أكثر إلى الأشخاص الذين يتعين عليهم القتال للحصول على حياة جيدة، الأشخاص المهمشين الذين يكافحون، خاصة مع احتواء قصصهم على الواقعية والصدق أكثر.

■ قرأت عن مشروعك «مونولوجات السجن» أو «The Prison Monologues».. هل يمكنك أن تحدثينا عنه؟

- بدأنا تطوير «مونولوجات السجن» بعدما رغب رجلان من فصل «الكتابة الإبداعية للسجناء السابقين»، الذى كنت أديره، أن يفعلوا شيئًا جيدًا بقصصهم. من هنا تطور المشروع أكبر فأكبر، وتحوّلت قصص حياة سجناء سابقين إلى مسرحيات.

ما زلت أعمل فى السجن ككاتبة، وأدير ورشة كتابة منذ أكثر من ٧ سنوات، وأرى أن الأدب والكتابة بشكل عام يمكن أن تكون مَخرجًا. خاصة الكتابة الإبداعية، التى يمكنك التعبير بها عن أى شىء، وعلى رأسها تلك الأشياء التى لا نتحدث عنها بصوت عالٍ. 

 

■ كيف توازنين بين الواقع والخيال فى كتاباتك؟

- أتعمق فى الشخصية، وأستخدم مخيلتى. أمزج بين الاثنين طوال الوقت، وأستخدم كل ما أرغب فى استخدامه، ذكرياتى الخاصة، الأمور التى أسمعها وأراها، قصص الآخرين. هذا هو الشىء العظيم فى الخيال الروائى، الذى يتحدث- فى بعض الأحيان- بصدق أكثر من القصص الواقعية. 

■ لا أعرف إن كانت هذه الحال فى هولندا أم لا، لكن لدينا فى مصر عدد كبير من قراء أدب الجريمة والغموض، خاصة من اليافعين، وأنتِ كتبتى قصة جريمة «توائم الروح» أو «Soul Mates».. هل ستكررين التجربة؟

- ربما أكررها. قصة «توائم الروح» كانت إحدى القصص التى طُلب منى كتابتها، ضمن كتاب مُجمّع لعدة مؤلفين عن الجريمة. كانت قصة رهيبة مليئة بالعنف. كتابتها ممتعة، شعرت بحرية كبيرة أثناء الكتابة، واستطعت من خلالها استخدام مخيلتى بطريقة جديدة.

■ هل على الكاتب أن ينصاع لرغبة القارئ فى الكتابة؟

- لا، يجب على الكاتب أن يكتب ما يريد أن يكتبه فقط.

■ كيف يطور الكاتب موهبته فى الكتابة؟

- بالكتابة والقراءة، والانفتاح على كل ما تراه وتسمعه وتجرّبه، وعدم التقيّد أو الخوف من الفشل، وتطوير أسلوب وشكل خاص بك، والعثور على الصوت المناسب لكل شخصية من شخصيات قصتك، وتحدى نفسك مع كل مشروع جديد، وعدم التركيز على النجاح، وارتباطك بالآخرين.

■ ما التجربة الشخصية التى أثرت على كتاباتك أكثر من غيرها؟

- لست متاكدة. أعتقد أن نشأتى كانت مهمة جدًا. وجود أم قوية ومتحررة وأب غير متوازن نفسيًا. كانا كلاهما مهتمين جدًا بمسرح الهواة وقراءة الكتب. بطريقة ما زرعا بى فكرة أن باستطاعتى فعل ما أريد. كما كان للقاء عمر بن الحسن تأثير كبير علىّ. كذلك العمل فى السجن، بالإضافة إلى كونى أمًا.

■ ما مشروعك الأدبى الذى تفخرين به أكثر من غيره؟

- «الشعراء الأخيرون». أفتخر بهذا العمل الكلاسيكى، الذى صدر منذ ٢٠ عامًا، وهو الآن مترجم إلى اللغة العربية. لكننى فخورة بنفس القدر ببقية كتبى، خاصة أحدث رواياتى «حالما أخبرتك قصتى».

مع تقدمى فى السن، أجرؤ على قول المزيد عما أفكر فيه، وأكون أكثر صراحة، حتى لو كان ذلك من خلال أصوات شخصياتى. كما أننى أكتب أعمدة فى إحدى الصحف الهولندية، أقول فيها ما أفكر فيه عن الشئون الجارية فى السياسة والمجتمع. 

■ مَن الأدباء الذين ألهموكِ قبل بداية عملك؟

- الكاتبة الأمريكية من أصل إفريقى تونى موريسون كانت مصدر إلهام كبير، لأنها كتبت من منظور شخصيات عدة ومختلفة، من بينهم غير اللطفاء، علاوة على ما كتبته عما يفعله الإقصاء والعنصرية والفقر فى أرواح الناس. كما أحببت أيضًا بول أوستر كصوت مختلف، بجانب إنسانيته تجاه شخصياته، ونبرة نثره الرخيمة.

■ أخيرًا.. ما مشروعاتك الأدبية المستقبلية؟

- يعتمد مشروعى التالى على تاريخ عائلتى، بعنوان «الصراع الطبقى». أكتب عن الحياة والمجتمع والطبقة، على أساس الأحداث فى حياتى وحياة أجدادى وجداتى، فكما قلت، كانوا مكافحين من الطبقة العاملة، وأحيانًا ثوريين وأخرى خائفين.