الأحد 08 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مراجعة فاروق حسنى.. مساءلة سياسية بأثر رجعى للوزير الفنان

فاروق حسنى
فاروق حسنى

- المثقفون المصريون هاجموا فاروق حسنى وأشاروا لدعمه مصادرة الأعمال الإبداعية

- سبب إعفاء على أبوشادى هو عدم التزامه بضرورة مراجعة كل الكتب قبل نشرها

- فاروق حسنى واجه استجوابًا بشأن نشر لوحات عارية فى مجلة إبداع الصادرة عن الهيئة المصرية للكتاب

- أكد الوز ير فاروق حسنى أن أى سياسة ضد الحجاب مجنونة وخاطئة‏

المعروف أن وزير الثقافة فى أى بلد يعين وزيرًا لموقف يعتنقه، أو فكر يؤمن به ويريد تطبيقه. ويظل مقتنعًا بهذا الموقف طوال مدة بقائه فى الوزارة وعندما تتعارض آراؤه وتتبدل، هنا يشكل هذا الموقف إحراجًا للحكومة التى هو واحد منها.

نرصد هنا مواقف للوزير فاروق حسنى دافع فيها عن رجال وزارته بسبب موقفهم من حرية الإبداع، وبعدها بدأ الوزير فى التحول عن موقفه ووقف ضد حرية الإبداع، ثم أدلى بدلوه فى قضية لا ناقة له فيها ولا جمل، وهى قضية الحجاب. 

وهو ما سنتناوله فى السطور التالية. 

فى مطلع عام ٢٠٠١ فوجئ وزير الثقافة بأن عددًا من نواب مجلس الشعب من المنتمين إلى التيار الدينى، قد أعدوا لوزير الثقافة ١٦ استجوابًا، و١٠ طلبات إحاطة، و٩ أسئلة كلها تدور حول سياسة الوزارة فى نشر روايات تخدش الحياء العام، وحذر النواب من تكرار ما حدث مع رواية وليمة لأعشاب البحر.

كانت تلك الاستجوابات تستند إلى سلسلة أصوات أدبية، الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة التى أصدرت ثلاث روايات هى: قبل وبعد لتوفيق عبدالرحمن، أبناء الخطأ الرومانسى لياسر شعبان، وأحلام محرمة لمحمد حامد.

شعر الوزير أن الأمر غير عادى، وأن حالة من التحفز تسيطر على أعضاء مجلس الشعب وأنه من المحتمل أن تصل به تلك الاستجوابات وطلبات الإحاطة إلى سابقة لم تحدث فى مصر وهى إقالته، وفى أبسط الأحوال فإن الدولة ليست فى حاجة إلى مواجهة جديدة مع رجال الدين ومن المحتمل الاستغناء عنه فى أقرب تعديل وزارى. 

لذا احتاط الوزير لنفسه، وقبل أن يتوجه الوزير إلى مجلس الشعب لمناقشة الاستجوابات وطلبات الإحاطة والأسئلة يوم ٥ يناير ٢٠٠١، أقال المسئولين عن النشر فى الهيئة العامة لقصور الثقافة وهم، رئيسها على أبوشادى، الكاتب محمد كشيك، أمين عام النشر، الروائى محمد البساطى، رئيس تحرير سلسلة أصوات أدبية التى نشرت الكتب، والشاعر جرجس شكرى، مدير تحرير السلسلة.

وجاء فى حيثيات القرار الذى أصدره الوزير أن سبب إعفاء على أبوشادى هو عدم التزامه بضرورة مراجعة كل الكتب قبل نشرها، رغم التنبيه بعدم إصدار أى كتاب أو رواية تتضمن ما يتنافى مع الدين أو العقائد أو قيم المجتمع، حسب المنشور الذى أصدره لهم. 

وكان وزير الثقافة حريصًا على إعلان القرار الذى أصدره قبل وصوله إلى مجلس الشعب. ليمتص غضب النواب الثائرين ، وأعلن الوزير فى المجلس أنه يشكر أعضاء مجلس الشعب الذين تقدموا بطلبات إحاطة لكشف المهزلة، حسب زعمه. 

وفى لقاء للوزير مع أحد برامج التليفزيون فى إحدى القنوات الخاصة، فى برنامج بدون رقابة. يوم ١١ يناير ٢٠٠١، أعلن أنه من الواجب أن يفتخر المثقفون المصريون والعرب بموقفه- أى موقف الوزير- الرافض لأدب البورنو الفاضح فى مجتمعنا الشرقى المتدين، بدلًا من أن يهاجمونى دون أن يقرءوا الأعمال الهابطة والسفه التى لا تنتمى إلى الإبداع من قريب أو بعيد. وأنا لا أبالى أن يبتزنى أحد، والموضوع كله تصفية حسابات، وأنا قرأت الرواية ليس بمفردى، ولكن من خلال لجنة من المعاونين المحترمين، واتفقنا أن هذه الكتابة ليست من الإبداع على الإطلاق، وقال الوزير أنا نفس الشخص الذى افتخروا أيام أزمة رواية وليمة لأعشاب البحر. لم يتغير.

الغريب أن وزير الثقافة فيما بعد قام بتعيين على أبوشادى، مدير هيئة قصور الثقافة الذى أقاله واتهمه بأنه نشر الأعمال الإباحية وأدب البورنو، مديرًا للرقابة على المصنفات الفنية! 

وهى الأثر الباقى من رقابة الدولة الرسمية على الأعمال الفنية.

فهل يتهم وزير الثقافة مرءوسًا له بأنه نشر الأعمال الإباحية وأدب البورنو، ثم يعينه مديرًا فيما بعد للرقابة على المصنفات الفنية؟

بالطبع هو نفس الوزير، ولكنها الآراء التى تبدلت.

وعلى الفور بدأ المثقفون فى مهاجمة الوزير.

فقد أصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بيانًا جاء فيه أن ما صرح به الوزير من اتهام للروايات الثلاث بأنها ضد قيم المجتمع يعد تحريضًا صريحًا ضد كتابها يعرضهم للخطر، ويحط من شأن الكتابة الإبداعية، وناشد البيان الكتاب العرب المدعوين لحضور معرض القاهرة الدولى للكتاب الذى سيعقد يوم ٢٤ يناير ٢٠٠١ بإدانة موقف الوزير.

كما ندد عدد من المثقفين فى بيان أصدروه يوم ٨ يناير ووقع عليه عدد كبير من المثقفين والكتاب والنقاد والفنانين أسموه «سلوكيات وزير الثقافة المصرى ضد حرية التعبير» أشاروا فيه لدعمه مصادرة الأعمال الإبداعية، وإجراء تحقيقات مع بعض المبدعين فى مكتبه، وعزل القيادات الثقافية دون إخطارها، وشدد المثقفون فى بيانهم على ما أسموه السلوك القمعى للوزير ومحاولة تفريغ الخطاب الثقافى والفكرى من رموزه المحترمة، كما أدانوا إجراءات البطش المادى والمعنوى والتنكيل الفكرى التى يقوم بها الوزير فى الحياة الثقافية.

وأصدر مثقفون عرب فى فرنسا بيانًا فى صحيفة الشرق الأوسط فى ٢ فبراير ٢٠٠١ يحتجون فيه على ما حصل أخيرًا فى مصر، من مصادرة كتب ويعتبرونه «فصلًا من فصول الاعتداء على حرية الكلمة والتعبير فى الكثير من الدول العربية». كما أعلن الموقعون الذين تجاوز عددهم الثمانين، عن وقوفهم إلى جانب الذين أقيلوا او استقالوا، رافضين طريقة الإقالة وأسبابها. 

وجاء فى البيان: لا يمكن القضاء على الأفكار بمجرد منع الكتب ومصادرتها»، وأن ما حدث، حدث ما يشابهه سابقًا، وسيظل يحدث، لا فى مصر وحدها، وإنما فى البلاد العربية كلها، طالما أن الرقابة، وهى بنية أساسية فى مجتمعاتنا العربية، موجودة فى صميم حياتنا ومؤسساتنا وثقافتنا. 

ولا يكتفى البيان الذى قاد حملة التوقيع عليه المنتدى الثقافى اللبنانى فى باريس، بمجرد إبداء الموقف، بل يدعو إلى التحرك بالقول: لذلك ندعو الكتاب والمبدعين العرب إلى تشكيل جبهة حقيقية، وعقد ميثاق شرف لمواجهة تلك البنية بالذات، وإلى تجسيد رفضهم النظرى عمليًا، بحيث يتوقفون كليًا عن إرسال كتبهم إلى الرقيب قبل طبعها، لأنهم بإرسالها له إنما يخضعون للرقابة التى يعلنون باستمرار رفضهم لها. 

واختتم البيان بعبارة: ليكن شعار كتابنا ومبدعينا: لا رقابة على الإبداع. وتصدر أسماء الكتاب والروائيين والشعراء والمفكرين والفنانين والأكاديميين والإعلاميين والسينمائيين الموقعين عليه الشاعر ادونيس، وبينهم مارسيل خليفة، وصلاح ستينية، ومحمد أركون، ومحمد برادة، وجورج طرابيشى، وعبداللطيف اللعبى، وكاظم جهاد، وخالدة سعيد، واتيل عدنان، وعبدالقادر الجنابى، وأحمد أبودهمان، وفينوس خورى، ووليد شميط، وهدى بركات، وصبحى حديدى، وبرهان غليون.

الواقع أن أداء الوزير بدا ضعيفًا وهو يواجه تلك الأزمة. وكان كلامه تعريضًا بالأدب المصرى والأدباء المصريين والكتب والمطبوعات المصرية التى تصدرها دور نشر لها ثقلها ووضعها الثقافى فى أوساط الكتاب والمثقفين، كما كان كلامه بمثابة تحريض للتيار الدينى على الكتاب المصريين وخصوصًا الجماعات المتطرفة التى تدخلت أكثر من مرة وقتلت بعض المثقفين وحاولت اغتيال عدد آخر، وكان الوزير يعلم أن المثقفين المصريين مستهدفون من تلك الجماعات وأنها تتربص بهم. وإذا كان الوزير يعترف أن تلك الحملة التى واجهها فى أزمة الروايات الثلاث بأنها تصفية حسابات فلماذا رضخ وأقال رجاله. 

هل كان الخوف من الاستجواب أم هو توتر الوزير وخوفه؟

لم تكن تلك هى المرة الأولى التى يواجه فيها الوزير استجوابًا، فقد سبق له أن واجه استجوابات أشد قسوة كانت من الممكن أن تطيح به لو كانت هناك ديمقراطية حقيقية. 

فقد واجه استجوابًا بشأن محاولته استغلال هضبة الهرم سياحيًا فى أول عهده بالوزارة. 

كما واجه استجوابًا باعتباره وزيرًا للآثار، فى نفس الفترة عن ترميم أبوالهول باستخدام طرق غير معروفة، وهو ما دعا الرئيس مبارك إلى زيارة المنطقة بنفسه ومعه عدد من الخبراء وإبداء بعض الملحوظات تتنافى مع وجهة نظر الوزير.

كما واجه الوزير عدة استجوابات بشأن إهمال الآثار، مما يعرضها للسرقة. 

كما واجه استجوابًا بشأن نشر لوحات عارية فى مجلة إبداع الصادرة عن الهيئة المصرية للكتاب. 

فى هذه المرة اقتنعنا بأن الوزير حريص على القيم الدينية، إلى أن أدلى الوزير برأيه فى قضية دينية إسلامية على جانب كبير من الخطورة وهى قضية الحجاب. 

والغريب فى الأمر أن جبهة علماء الأزهر التى تولت رفع الدعاوى على الكتاب والمثقفين للتفريق بينهم وبين زوجاتهم. أعلنت مساندتها موقف‏ وزير الثقافة لموقفه من قضية الروايات الثلاث، معلنين عن مساندتهم له ضد رجاله وأركان حرب وزارته ومساعديه وهم من وصفهم بيان الجبهة بالخونة والساخرين من مقومات الأمة الإسلامية‏، والواضح أن تحركات الوزير جاءت لتزيد مخاوف المثقفين الذين اعتبروا أن أداء وزير الثقافة فى الأزمة قد يكون مقدمة لأزمات جديدة ترتبط بالإبداع والمبدعين فى مقال محمد عبدالخالق. بمجلة الأهرام العربى ٢٧ يناير ٢٠٠١.

كما بدأ علماء الأزهر من أعضاء الجبهة دفاعهم عن وزير الثقافة وتأييدهم لموقفه من المساجد‏، وعلى صفحات الجرائد‏، ثم تأكد موقفهم فى البيان الذى أصدره علماء الجبهة فى يوم ٢١ يناير ٢٠٠١.‏

وكان من نتيجة ذلك أن وزير الثقافة أعلن صراحة فى إحدى المجلات «أنه أعلن فى مجلس الشعب أمام النواب أنه سيجعل الأزهر الشريف قيمًا على ما تقدمه الوزارة من أعمال فنية، وأنه يمتثل إلى حكم الأزهر الشريف. كما أعلن الوزير فى نفس المجلة أن الأزهر والمجتمع حكمان على ما يكتب الكاتب، ولن أصادر حرية التعبير لأننى فى بلد ديمقراطى.

إلا أن موقف الوزير الذى بدا مساندًا لقوى اليمين سرعان ما تغير وأدار وجهه لليمين، وهو ما بدا فى تصريحاته بسبب الحجاب.

كانت إحدى الصحفيات وهى مندوبة جريدة الأهرام لدى وزارة الثقافة قد قررت أن تغطى شعرها، وعندما شاهدها فاروق حسنى وزير الثقافة خلال لقائه مع وزير ثقافة سنغافورة خلال النصف الأول من نوفمبر عام ٢٠٠٦ قال لها أمام جموع الصحفيين وهو يشير إلى شعرها المغطى وقال: هل العقل المتحرر تغطى؟ 

كلمات الوزير قيلت فى وجود فتحية الدخاخنى، الصحفية فى المصرى اليوم وكانت فى سياق «دردشة بين الوزير وبعض السيدات» وهى كما نشرتها جريدة المصرى اليوم «النساء بشعرهن الجميل كالورود، التى لا يجب تغطيتها وحجبها عن الناس، والدين الآن أصبح مرتبطًا بالمظاهر فقط، رغم أن العلاقة الإيمانية بين العبد وربه، لا ترتبط بالملابس».                         

كما قال الوزير إن حجاب المرأة يكمن داخلها، وليس خارجها. وقال: «لا بد أن تعود مصر جميلة كما كانت، وتتوقف عن تقليد العرب الذين كانوا يعتبرون مصر فى وقت من الأوقات قطعة من أوروبا». واستطرد: «نحن عاصرنا أمهاتنا وتربينا وتعلمنا على أيديهن، عندما كن يذهبن للجامعات والعمل دون حجاب، فلماذا نعود الآن إلى الوراء؟    

وقال وزير الثقافة: أعتقد أن الأمر ليست له علاقة بالتقوى والورع، وإلا فما تفسير مشاهدة مناظر الشباب والبنات على الكورنيش وكلهن محجبات. وأكد أن وزارة الثقافة ومن يمثلها لا بد أن تكون حائط الصد الرئيسى أمام هذه الأفكار، بهدف الدعوة للانفتاح والعمل المحترم.                   

وقال الوزير: إن الجرائم اليومية ترتكب باسم النقاب والحجاب. وأضاف: أن العالم يسير للأمام، ونحن لن نتقدم طالما بقينا نفكر فى الخلف، ونذهب لنستمع إلى فتاوى شيوخ بـ«تلاتة مليم». واستطرد: «نحن فقدنا حتى الصوت الرخيم الذى كان يؤذن للصلاة فى المساجد، وأصبحنا نسمع يوميًًا أصواتًا تعد من أنكر الأصوات».

وأشار حسنى إلى أنه خلال زيارته الأخيرة لقطر والبحرين، وجد أن الدول العربية تتقدم فى مستوى النظام والنظافة والطرق، إن النساء هناك بدأن يخلعن غطاء الوجه.. بينما نحن نعود للوراء ونرتديه، مؤكدًا أن العالم كله يتقدم، حتى إن دولة مثل سنغافورة، التى التقى وزير ثقافتها أمس الأول، أصبحت تنافس الصين والهند، رغم أن عمرها ١٠٠ سنة، بينما نحن ما زلنا فى مكاننا، رغم أننا نمتلك حضارة ٥ آلاف سنة.

تلقفت الكلام مندوبة جريدة المصرى اليوم وقامت الجريدة بشن حملة على الوزير. بعد ساعات من نشر التصريح اشتعلت نار التصريحات والردود على كلام حسنى، فتقدم نواب الإخوان بطلب استجواب للوزير حول تصريحاته وطلبوا سحب الثقة منه، مؤكدين أن الموضوع لا يجب أن يمر مرور الكرام.

ومع اشتداد الحملة بدأ الوزير فى التراجع.            

وفى ١٨ نوفمبر ٢٠٠٦ أكد فاروق حسنى، وزير الثقافة، أن كلامه عن الحجاب كان رأيًا شخصيًا مجرد دردشة فى حديث ودى عبر الهاتف مع إحدى الصحف‏، ولم يكن تصريحات رسمية صادرة عن الوزير كمسئول‏.‏ وأوضح أن التصريحات الشخصية ليست حجرًا على المحجبات‏، فلهن كل الاحترام‏، لأن ذلك اختيارهن‏.‏ وأشار إلى أن رأيه عن الحجاب لم يتطرق أبدًا إلى كونه حلالًا أو حرامًا‏، أو فريضة‏، أو غير ذلك‏، فهذا متروك لرجال الدين‏.‏

ومع ذلك فقد كانت الحملة فى تصاعد مستمر.

وفى ٢٠ نوفمبر ٢٠٠٦ طالب نواب مجلس الشعب من الأغلبية والمعارضة فى جلسة عاصفة بإقالة وزير الثقافة فاروق حسنى، أو استقالته فورًا‏، على اعتبار أن ما جاء على لسانه فى تصريحاته التى نشرتها بعض الصحف عن الحجاب والأذان ورجال الدين‏، يتعارض مع الثوابت الدينية، وما استقر فى وجدان المواطن المصرى، وشن نواب المجلس هجومًا عنيفًا على وزير الثقافة‏.‏         

وفى تلك الجلسة أعلن الدكتور أحمد فتحى سرور، رئيس المجلس، أنه ليس هناك رأى شخصى لمسئول فى الدولة‏، وأن على من يريد أن يدلى بآراء شخصية متناقضة مع مسئولياته‏، أن يتحرر من مسئولية موقعه فورًا‏.‏

وتعهد الدكتور مفيد شهاب، وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية، بمثول وزير الثقافة أمام لجان مجلس الشعب‏، واستعداد الحكومة للمساءلة والمحاسبة البرلمانية التى ينص عليها الدستور‏.‏       

وأشار إلى أن ما جاء على لسان وزير الثقافة من آراء لا يمثل أى توجه حكومى، وأن الحكومة تتمسك بالثوابت الدستورية التى تؤكد أن الإسلام هو المصدر الرئيسى للتشريع‏.‏

وأعلن السيد كمال الشاذلى، عضو المجلس، أن رأى الوزير لا يمكن أن يكون توجهًا حكوميًا‏، وقال‏:‏ إن غالبية نساء وبنات مصر يرتدين الحجاب‏، وإن زوجته وابنته محجبتان‏.‏        

وبدأ المثقفون الذين هاجمهم الوزير فى قضية الروايات الثلاث، فقد أصدرت مجموعة من المثقفين المصريين بيانًا بتأييد حق فاروق حسنى فى أن يدلى برأى شخصى، وليس بفتوى دينية فى الحجاب‏، إعمالًا لحق حرية الرأى والتعبير‏.‏

وعلى الفور أعلن الدكتور فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، أنه يرفض من سموا أنفسهم المثقفين ووقعوا بيانًا يدافعون فيه عن الوزير‏، لأن الثقافة ليست حكرًا على فئة بعينها، فكلنا مثقفون ولا توجد فئة تدعى لنفسها هذا الحق وحدها‏، وهنا لا بد أن يأتى الوزير المسئول لكى يوضح موقفه أمام اللجنة البرلمانية، وإذا ما ثبتت سلامة موقفه فسنكون أول المصفقين له‏، أما أن يتجاهل الوزير قرار المجلس فهذا أمر أرفضه باسم المجلس‏ وقد لاقت تلك الفقرة استحسان النواب فصفقوا طويلًا من أجلها . ‏وفى ٢١ نوفمبر طالب أحد أعضاء مجلس الشعب بتطبيق قانون ازدراء الأديان على الوزير فاروق حسنى، لأنه اعترف بأن التصريحات التى أدلى بها بشأن الحجاب رأى شخصى، ونظرًا لأن قانون محاكمة الوزراء لم يطبق حتى الآن، لأن المادتين ‏١٥٩‏ والمادة‏١٦٠‏ من الدستور لم يطبقا حتى الآن‏.‏     

وأكد الدكتور أحمد فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، أن عدم صدور قانون بمحاكمة الوزراء لا يعنى أن أى وزير لا يسأل برلمانيًا‏، وأن المجلس ما زال يملك سلطة الرقابة‏، وأوضح أن عددًا من الأعضاء تقدم بطلب توجيه اتهام لوزير الثقافة طبقًا لقانون محاسبة الوزراء‏، وأنه سبق أن تعرض المجلس لمثل هذا الموضوع ضد وزيرى المالية والعدل ورأى أن القانون غير مطبق وأنه صدر أيام الوحدة بين مصر وسوريا‏، وقال إن محاسبة الوزراء فى الوقت الحالى تتم بطريقتين‏،:‏ جنائى صرف عن طريق النائب العام‏، وآخر برلمانى، وهو غير مطبق حاليًا‏، وأن طلب الأعضاء لا تتوافر فيه الشروط القانونية‏، وطالب بتعديل القانون حتى يتم تفعيل المادة ‏١٥٩‏ من الدستور والخاصة بمحاسبة الوزراء‏، وما زال أمر وزير الثقافة مطروحًا على اللجنتين الدينية والثقافية‏.

وقد صرح الوزير لصحيفة الأهرام فى ٢١ نوفمبر ٢٠٠٦ بأنه فوجئ بتصاعد الحملة وأنه:‏ تعرض للظلم من الجميع‏، وأنه سيظل ملازمًا بيته حتى يتم رد اعتباره وكرامته‏.‏ وجدد الوزير احترامه الكامل للعقائد والأديان السماوية‏، وبصفة خاصة الدين الإسلامى، ونفى أن يكون قد صدرت منه تصريحات بأن الحجاب رمز للتخلف والرجعية‏، وأن رأيه فى الحجاب لم يتعد الحديث عن الشكل والمظهر فقط‏.‏ وأشار الوزير إلى أنه يدرك عدم وجود بيت مسلم فى مصر يخلو من الحجاب‏، وأن الوزارة تضم آلافًا من المحجبات يلاقين أفضل معاملة من جانبه‏، وباقى قيادات الوزارة‏.‏ وأبدى وزير الثقافة أسفه الشديد للحوار الذى دار فى مجلس الشعب أمس الأول بشأن هذه القضية‏، مؤكدًا أن مجلس الشعب ينبغى اأن يكون مؤسسة للحوار وليس وسيلة للقمع‏!‏ خاصة أن حديثه عن الحجاب كان رأيًا شخصيًا فى حوار ودى ليس للنشر‏.‏ وذكر أنه يتألم لأن بعض ما دار فى الجلسة يمثل انتهاكًا لكرامته ولشخصيته‏، وطالب أعضاء مجلس الشعب برد الاعتبار له‏.‏

ولزم الوزير بيته احتجاجًا على الحملة. 

ولكن الحملة تصاعدت أكثر وأكثر. وأعلنت صحيفة الوفد فى ١ نوفمبر ٢٠٠٦ عن قيام عدة مظاهرات نسائية ضد تصريحات وزير الثقافة، وقامت بعض الفنانات المحجبات بالدعاء إلى الله بإقالة الوزير.

كما تظاهرت طالبات جامعة الأزهر، والطالبات المحجبات بجامعة طنطا منددات برأى الوزير عن الحجاب، ونظمن وقفة احتجاجية ضد الوزير. وحملن لافتات بأن الوزير أساء للمرأة. واستمرت مظاهرات الطالبات فى جامعات كفر الشيخ والزقازيق والإسكندرية مطالبات بعزل الوزير، وكن يهتفن «حجابى عزى ووقارى»، كما نشرت بعض الصحف صورًا للطالبات وهن يرفعن اللافتات. كما كانت هناك هتافات تجاوزت حدود الوقار واللياقة.

كما طالب عضو مجلس الشعب أكرم الشاعر بتطبيق قانون ازدراء الأديان على الوزير‏، وأثار النائب محمد الصحفى فى جلسة ٢١ نوفمبر اعتراضه على التصريحات المنشورة بالصحف على لسان وزير الثقافة فاروق حسنى، وقال إن هذه التصريحات ضد كرامة مجلس الشعب الذى يمثل الشعب‏، وأطالب بسرعة مناقشة هذا الموضوع فى اللجنة المختصة فى حضور الوزير شخصيًا‏.‏

وعقب الدكتور فتحى سرور فقال لقد فوجئت شخصيًا بهذه التصريحات‏، وإن كنت أشك فى أنها صدرت عن الوزير لأنه يدرك مسئوليته الدستورية وهو يحترمها‏، لذلك لا يمكن أن نحاسب وزيرًا على تصريحات منسوبة إليه بالصحف‏، قد يكون محتملًا إساءة فهمها أو بترها وأنا شخصيًا تعرضت لكثير من مثل هذه التصريحات المبتورة على غرار‏:‏ لا تقربوا الصلاة‏..‏ دون ذكر وأنتم سكارى‏.‏      

وأضاف رئيس مجلس الشعب، أن ما ينشر بالصحف يرد عليه بالصحف، ومع ذلك فإن مجلس الشعب يرحب بحضور الوزير فاروق حسنى لكى يواجه النواب ويوضح موقفه، ويرد على أسئلة الأعضاء‏، ولقد عرفنا الوزير فارسًا شجاعًا قادرًا على الرد‏، وإذا لم يأت فعليه أن يتحمل مسئولية غيابه‏.‏ كما أضاف رئيس مجلس الشعب أنه إذا خاف الوزير من مواجهة النواب فلا يصلح أن يكون وزيرًا‏، وإنما أعرف شجاعة الوزير فاروق حسنى، فليأت ولا يخف من المجلس لأن المجلس لا يمارس غير سلطاته الدستورية وإذا ما حدث تجاوز لفظى من النواب خلال المناقشة فهذه طبيعة العمل البرلمانى، فالحديث البرلمانى غير الحديث الأكاديمى، ونحن ننتظر وزير الثقافة‏، وعندما يحضر فإنه يمكن أن يرد له المجلس اعتباره‏، وأعتقد أن فاروق حسنى قادر بلباقته على توضيح موقفه وتوضيح نفسه أمام نواب الشعب‏، وإذا كانت التصريحات المنسوبة إليه أمس صحيحة فإننى أرفضها باسم نواب الشعب‏.‏ ثم هاج النائب كرم الحفيان وماج وثار وانفعل فوقف صارخًا‏:‏ يا ريس مش معقول ننتظر حضور الوزير وليه نضع نفسنا تحت رحمته‏، لازم تجتمع اللجنة فورًا وتناقش الموضوع وتصدر فيه رأيًا وتحدد موقفًا من كلام وزير الثقافة‏.‏ ثم توجه عدد من النواب إلى النائب الحفيان لتهدئة غضبه وثورته‏، خلال ذلك قال الدكتور فتحى سرور إن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، وعلق النائب المستقل الشيخ ماهر عقل قائلًا‏:‏ من الذى أيقظ الفتنة؟‏..‏ إن الوزير هو الذى أيقظها‏.‏ وبعد وقف المناقشة انتقل المجلس إلى نظر الموضوعات الواردة بجدول أعماله.                  

كما أعلن وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية،‏ الدكتور مفيد شهاب، أن الموضوع محال إلى المناقشة فى لجنة الثقافة والشئون الدينية بأسلوب هادئ بعيدًا عن أى انفعال وبموضوعية‏، ولا نتخذ ما نشر بالصحف مقياسًا لنبنى عليه حكمًا ضد الوزير‏، فمثل هذا غير معقول‏، لأن الوزير يعرف مسئولياته ويقدر حق البرلمان فى ممارسة الرقابة على الحكومة‏، وعلينا أن ننتظر إلى حين اجتماع اللجنة وحضور الوزير‏، وذلك فى الوقت الذى يحدده رئيس مجلس الشعب‏، والحكومة مستعدة للمساءلة، وفقًا لأحكام الدستور والقانون ولائحة المجلس‏.‏                        

عن تلك القضية أوضح الدكتور سيد طنطاوى شيخ الجامع الأزهر فى أهرام ١٨ نوفمبر ٢٠٠٦، أن النقاش والآراء الشخصية مجالها أمور أخرى غير الواجبات الشرعية الثابتة‏، ويجب عدم تعريضها للأهواء‏.‏ وقد أعربت جامعة الأزهر عن رفضها الشديد للتصريحات التى صدرت أخيرًا بشأن حجاب المرأة‏، مشيرة إلى أنه أحد الأوامر الإلهية الثابتة بنصوص القرآن الكريم والسنة.‏          أى أن تصريحات شيخ الأزهر تدين الوزير.                 

فى الوقت نفسه‏، حقق المكتب الفنى للنائب العام المستشار عبدالمجيد محمود فى عديد من البلاغات التى تتهم فاروق حسنى وزير الثقافة بازدراء الدين الإسلامى، بسبب تصريحاته حول الحجاب‏.‏

فى ١٨ نوفمبر ٢٠٠٦ أعلن ممدوح إسماعيل محامى الجماعات الإسلامية فى مصر، عن أنه سيتقدم ببلاغ عاجل ضد الوزير إلى النائب العام يطالبه بالتحقيق مع الوزير فاروق حسنى. 

اتهمت الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين، الحكومة بمحاربة ارتداء النساء للحجاب. 

وشن المتحدث الإعلامى باسم الكتلة الدكتور حمدى حسن هجومًا شديد اللهجة على وزير الثقافة فاروق حسنى، وتقدم بطلب لرئيس مجلس الشعب، الدكتور أحمد فتحى سرور، لأخذ رأى شيخ الأزهر والمفتى فى تصريحات الوزير، وقال فى رسالة وجهها لرئيس المجلس، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها: «أرى أن (تصريحات الوزير فاروق حسنى) لا يجب أن تمر مرور الكرام دون مساءلة، وذلك لخطورتها، حيث اعتدى على الدستور والشريعة وكل القيم والأخلاق والتقاليد». 

كما تقدم الشيخ يوسف البدرى وآخرون ببلاغ إلى النائب العام، وقد استمع المستشارون فى المكتب الفنى للنائب العام إلى أقواله فى البلاغ الذى قدمه مع ١٢ آخرين، بينهم زوجته الداعية يسرية محمد أنور و٤ محامين وأربع شقيقات، يتهمون الوزير بأنه «أنكر معلومًا من الدين بالضرورة» باعتبار «أن الحجاب من ثوابت الدين الإسلامى»، وبالتالى فإن وصفه للحجاب بأنه «رجعية وتخلف» يعد «سبًا للذات الإلهية وجميع المسلمين من عهد النبى عليه الصلاة والسلام وحتى اليومى». 

وأعلن الشيخ البدرى عن أنه اتهم وزير الثقافة فى أقواله بـ«ازدراء الأديان والسب العلنى للعلماء ومخالفة القانون والدستور الذى أقسم على احترامهما أمام رئيس الدولة، باعتبار أن الإسلام هو الدين الرسمى للدولة». وأشار إلى أن قائمة المدعين ضد حسنى، بالإضافة لـه هو وزوجته تضم كلًا من المحامين أحمد حسين أحمد، وطه محمود عبدالجليل، وميرفت السيد أحمد، ومحمد خليل المليجى، وأربع شقيقات هن، كوثر محمود عبدالجليل طبيبة قلب وأوعية دموية، وأمل طبيبة تخدير، ومنى معيدة بجامعة الأزهر، ووفاء أستاذة بطب الأزهر. 

وقد حاولت الحكومة التملص من تصريحات الوزير فاروق حسنى معتبرة أن ما حدث هو مجرد رأى شخصى، حيث الدكتور مجدى راضى المتحدث الرسمى باسم الحكومة المصرية ردًا على سؤال لـ«الشرق الأوسط، إن الحكومة ليست طرفًا فى هذه القضية، ولا فى السجال الدائر حول تصريحات الوزير». 

وقد بعث جاك لانج وزير الثقافة الفرنسى الأسبق والمثقف الشهير‏، رسالة تأييد لوزير الثقافة فاروق حسنى، فى موقفه من موضوع الحجاب‏.‏ وأكد لانج أن المفكرين والفنانين والمبدعين الفرنسيين والأوروبيين يدعمون فاروق حسنى وموقفه المستند إلى حرية التعبير‏.‏ وأضاف أن وزير الثقافة المصرى أحد أهم وزراء الثقافة فى العالم‏، وهو يعمل بشرف من أجل تطوير النواحى الثقافية فى مصر‏.

وإزاء خطورة الموقف وتعقد الموقف الذى وجد الوزير نفسه فيه، وفى محاولة لإنقاذه قامت قيادات الحزب الوطنى الديمقراطى الذى ينتمى إليه الوزير بمحاولات لاحتواء الأزمة. تمثلت بعقد ثلاثة اجتماعات مكثفة‏:

• الاجتماع الأول ضم مائة عضو من أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب‏، وأعضاء لجنتى الثقافة والإعلام‏، والشئون الدينية بمجلس الشعب‏، مع الدكتور زكريا عزمى الأمين العام المساعد للحزب للتنظيم‏، والعضوية‏، والمالية والإدارية‏، والمهندس أحمد عز أمين التنظيم‏.‏               

• والثانى عقدته هيئة مكتب أمانة الحزب اجتماعًا برئاسة السيد صفوت الشريف الأمين العام‏، حضره وزير الثقافة‏، بهدف احتواء وإزالة اللبس وتهدئة النفوس‏.‏

• كما عقدت الهيئة البرلمانية للحزب اجتماعًا ثالثًا موسعًا حضره وزير الثقافة‏، وهيئة مكتب أمانة الحزب تم خلاله التعبير عن الاحترام المتبادل بين أعضاء الهيئة‏، ووزير الثقافة‏، الذى أوضح رؤيته الحقيقية لتلك التصريحات‏، مع تأكيده عدم المساس بالدين بأى صورة من الصور‏.‏              

لم يجد الوزير مخرجًا له سوى أن يتراجع تراجعًا مذهلًا. 

فقد أعلن الوزير فى ٢٦ نوفمبر ٢٠٠٦، عن أنه يدرس حاليًا إنشاء لجنة للثقافة الدينية‏، تتبع المجلس الأعلى للثقافة‏، مشيرًا إلى أن الأزمة أوضحت نقص عنصر مهم فى السياسة الثقافية هو العنصر الدينى‏.‏ وأوضح فى لقائه مع عدد من الصحفيين أن اللجنة ستضم نخبة من رجال الدين الإسلامى والمسيحى، وسيتم اللجو إليها فى الأمور المتعلقة بالقضايا الدينية‏، والإشراف على المؤلفات التى تطبعها الوزارة على نفقتها‏، وتمس القيم الدينية‏.‏

وكان الوزير فى أزمة الروايات الثلاث قد أعلن أنه سيجعل من الأزهر الشريف قيمًا على ما تقدمه الوزارة من أعمال فنية، وأنه يمتثل إلى حكم الأزهر الشريف. كما أعلن الوزير فى نفس المجلة أن الأزهر والمجتمع حكمان على ما يكتب الكاتب، ولن أصادر حرية التعبير لأننى فى بلد ديموقراطى.

وقد أصابت حالة من البلبلة العديد من المثقفين بعد تصريح وزير الثقافة فاروق حسنى بسبب الفكرة التى تناقلتها وسائل الإعلام عن إنشاء لجنة لمناقشة الأفكار التنويرية بالمجلس الأعلى للثقافة، وكان مزمعًا أن تكون تحت اسم اللجنة الدينية.. ومنذ اللحظة الأولى رفض المثقفون مثل هذه اللجنة حتى لا يختلط دور وزارة الثقافة بدور المؤسسة الدينية، وخوفًا من أن يأتى يوم تصبح مثل هذه اللجنة حجر عثرة فى طريق المبدعين، خاصة حين تناقل البعض أن دور هذه اللجنة سيتسع ليراقب الكتب الدينية.. 

ومع أن الوزير عاد وصرح بأنها كانت مجرد فكرة لم يتم الاتفاق عليها، إلا أن هناك حالة قلق مازالت تسيطر على العديد من المثقفين.. خوفًا من أن تكون مشكلة الحجاب المفتعلة سببًا فى إيجاد مزيد من القيود على الفكر والإبداع.. ومن هنا كان لا بد من استطلاع رأى المثقفين حول الفكرة المثلى لمناقشة الأفكار التنويرية.. دون أن نضع مزيدًا من الحصار حول المثقفين.. 

وفى اجتماع لجنتى الثقافة والدينية برئاسة الدكتور فتحى سرور يوم ٣ نوفمبر٢٠٠٦ أعلن وزير الثقافة أنه يحترم المحجبات وغير المحجبات من نساء مصر‏، وأن كلامه فى هذا الموضوع كان حديثًا شخصيًا ولم يكن تصريحًا للنشر وأن نشره جاء مبتورًا‏، وأن رأيه الشخصى يدور حول الحجاب المستورد الذى يعتبر مظهرًا شكليًا لغزو ثقافى لا يلبث أن يمتد إلى جوهر الثقافة المصرية بهدف تغيير العقيدة فى اتجاه معين لا يتفق مع حضارة الشعب المصرى الذى كان مهد الحضارة الإنسانية‏، وأن مصر هى التى حملت لواء الفكر الإسلامى المستنير فى كل العالم ومن غير المقبول ألا تكون هناك غيرة على وطننا الذى نحبه من أعماق نفوسنا‏.‏  

وقد لقيت تفسيرات الوزير فى هذا الشأن صداها على مستويين لدى نواب الشعب‏، فمنهم من اعتبر تصريحات الوزير اعتذارًا ضمنيًا مقبولًا‏، ومنهم من طالب بأن يعتذر الوزير صراحة وليس ضمنًا‏، الأمر الذى كان محل جدل وخلاف حاول خلاله الدكتور فتحى سرور رئيس الاجتماع أن يوفق بين الاتجاهات حينما أكد أن الوزير ليس ضد الحجاب، وأنه لم يصدر قرارات بمنع الحجاب فى وزارة الثقافة‏.‏ وقد أكد الوزير فاروق حسنى أن أى سياسة ضد الحجاب مجنونة وخاطئة‏.‏ 

وبدأ الوزير فى التراجع خلال جلسة حاشدة من النواب عقدتها اللجنة البرلمانية الخاصة المكونة من لمناقشة تصريحات وزير الثقافة عن الحجاب، بعد أن أدت الى إثارة أزمة بين أعضاء مجلس الشعب تم على إثرها إحالة الموضوع إلى لجنة خاصة لدراسته، وسماع رأى الوزير فيما نسب إليه‏.‏ وفى بداية المناقشة قال الدكتور أحمد فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، إن إحدى الصحف نشرت تصريحات لوزير الثقافة حول الحجاب، وإنه بعث برسالة إلى مجلس الشعب قال فيها إنه ليس ضد الحجاب.

ثم دارت مناقشة بشأنه فى مجلس الشعب‏.

‏ وقد أحيل الموضوع إلى لجنة مشتركة من الثقافة والدينية‏.‏

وفى هذه الجلسة حاول الحزب الوطنى إنقاذ الوزير. وكان رئيس مجلس الشعب هو المنقذ 

فقد سأله رئيس مجلس الشعب السؤال الأول عن رأيه فى الحجاب.              

وقال الوزير فى الجلسة المشتركة : شعرت بغصة حينما اغتابنى أعضاء المجلس فى مناقشاتهم، ويا ليت هؤلاء جاءوا وناقشونى فى الموضوع‏، وما قلته كان رأيًا خاصًا‏، وأنا كوزير ثقافة مسئول عن كل الاتجاهات الثقافية سواء كان الأمر يعنى الحجاب أو غيره‏، إن كلًا منا غيور على هذا الوطن ويحبه حبًا عظيمًا‏.‏ وعندما تحدثت فإنما عن مظهر من مظاهر الدين لأنه الكيان المادى الكبير الذى يحرك مشاعر الإنسان لدحض الرذيلة والوصول الى الفضيلة‏، فالدين أبعد بكثير عن هذه الترهات، الدين هو الأساس والإيمان جوهره‏، وحينما تحدثت عن زى وعن فتاوى عشوائية لم أتحدث عن علماء أجلاء أحترمهم، إنما تحدثت عن الذين يسيئون للإسلام عبر الفضائيات‏، وحينما تحدثت فإنما تحدثت عن هؤلاء الذين يصدرون فتاوى بغير علم، ولا ينتمون إلى الشيوخ الأجلاء الذين نكن لهم كل تقدير واحترام‏.‏

ثم سأله رئيس مجلس الشعب سؤالًا ثانيًا: هل أصدرت قرارات لموظفات الوزارة بعدم استخدام الحجاب؟ 

وأجاب وزير الثقافة: لا. 

وأخيرًا سأله رئيس مجلس الشعب سؤالًا ثالثًا: هل تدعو السيدات كوزير للثقافة لعدم ارتداء الحجاب؟

أجاب وزير الثقافة: لا،، وإننى أحترم بشدة نساء مصر المحجبات وغير المحجبات‏، ولا يوجد أمر فى الوزارة يرفع الحجاب‏، وسياسة الوزارة هى احترام أصول الدين‏، والفقه الإسلامى‏.                        

وعندئذ دوت قاعة مجلس الشعب بتصفيق حاد من جانب نواب الحكومة.

وقال الوزير‏:‏ لم أصرح تصريحًا حقيقيًا عن الحجاب‏، وإننى أحترم المحجبة وغير المحجبة وإنما تحدثت عن الحجاب المستورد، ولا بد أن نحمى هذا الوطن من الناحية الثقافية والموضوع تعبيرًا ورأيًا وليس رأيًا فى الدين‏.‏          

وهنا سأله الدكتور فتحى سرور‏:‏ ما رأيك فى موضوع تشكيل هذه اللجنة يا سيادة الوزير؟ أوضح الوزير أن اللجنة الدينية ستضم نخبة من رجال الدين الإسلامى والمسيحى، وسيتم اللجوء إليها فى الأمور المتعلقة بالقضايا الدينية‏، والإشراف على المؤلفات التى تطبعها الوزارة على نفقتها‏، وتمس القيم الدينية‏.‏

وقد تناسى الوزير أن الأمر لا يحتاج إلى لجنة، لأن هناك فتوى لمجلس الدولة أعطت مجمع اللغة العربية حق مراقبة الشأن الدينى فى كل ما يصدر عن وزارة الثقافة من إصدارات أيًا كان نوعها.