رد الاعتبار للشخصية المصرية.. تعرية فهمى هويدى
- كان الإنجاز الثانى الأكبر لثورة يونيو هو تفجر طاقة العمل لدى القطاعات الأكبر لدى المصريين
- أول ما فعلت ثورة يونيو أنها كنست أو أزالت ما توهم البعض أنهم نجحوا فى غرسه بين المصريين بأن مصر ليست بلادهم
أعدت قراءة مقال فهمى هويدى عدة مرات وأنا لا أصدق ما كتبه الرجل عن المصريين حتى من باب الحفاظ على وقاره العمرى. كان مقالًا فى الصفحة الأخيرة من جريدة الشروق أحد أيام عام 2010م. فكرة المقال هى السخرية من المصريين واتهامهم بالهوان وقبول ما كان يفعله نظام دولة مبارك. أنهى مقاله بنكتة بذيئة كانت تتردد بين بعض العامة، لكننى لم أصدق أن يكتبها رجل فى عمره وفى جريدة تتبع مؤسسة لها اسمها ومكانتها، ليس فقط فى مصر إنما فى العالم العربى، وعالميًا مصنفة كدار نشر عربية كبرى.. للمفارقة أن يكون لى موقف شخصى مع نفس المؤسسة بعد ذلك بسنوات.. ناشر إحدى رواياتى «الملائكة لا يكذبون» يقوم بتوزيع كتبه فى مكتبات الشروق التى كانت لها مقاييسها فى انتقاء ما تقوم بتوزيعه وما ترفضه، وتطلع على العمل قبل قبول توزيعه لتقرر ما إذا كان مقبولًا. طلب الناشر الشاب منى تغيير ما وضعته كمقتطف من الرواية على ظهر الغلاف، وكان السبب كما أخبرنى اعتراض إدارة مكتبات الشروق على هذه الأسطر واعتبارها خارجة عن خطها.. ولأنها كانت منفذ توزيع مهمًا له فقد استجبت وقمت «بلا مبالاة لأننى كنت متحمسًا لما اخترته مسبقًا» بانتقاء عدة أسطر أخرى من الرواية وتم توزيعها بالفعل فى أفرعها!
أما ما أنهى فهمى هويدى به مقاله فقد كان متجاوزًا لأقصى حد لرصانة المؤسسة المحافظة وموجز النكتة أن مبارك قد راهن كبار رجاله على أنه يستطيع استفزاز المصريين حتى يثوروا على حكمه.. فبدأ يفرض إجراءات غير منطقية وفى كل مرة ينتظر ثورتهم فلا يثورون.. حتى أنه أمر فى النهاية بوجود جنود أمن مركزى عند مخرج أحد الكبارى وأمر بعدم مرور أحد قبل أن يتعرض .. .. .. .. عن طريق أحد هؤلاء الجنود وانتظر حتى بلغه أخيرًا خبر ثورة المصريين.. لكنهم ثاروا اعتراضًا على عدد الجنود القليل وطلبوا مزيدًا منهم حتى لا ينتظرون طويلًا! هذا ما كتبه هويدى فى جريدة معروفة عام ٢٠١٠م ولم يهتم أحد بمساءلته ولا أتذكر أن أحدًا كتب مستنكرًا بذاءة كاتب معروف ضد الشعب المصرى!
وما كتبه هويدى- بعيدًا عن البذاءة- كان توثيقًا صحفيًا لفكرة طالما كانت تتردد بين أوساط مصريين كُثر سواء على مستوى الأفراد أو النخب. فكرة عبرت عن نفسها فى عبارات بعينها مثل «آخر رجالة فى مصر استشهدوا فى أكتوبر.. المصريون زمارة تجمعهم وكرباج يفرقهم.. أصله شعب فرعون متعود على الكرباج» وغيرها من العبارات المهينة التى جسدت ما آل إليه جهد أشخاص وهيئات فى محاولة هدم وتخريب الشخصية المصرية من الداخل وإشاعة مشاعر فقد الثقة فى النفس والإحباط من القدرة على الإنجاز والخنوع.
والفكرة الأخرى أو الشعور الثانى الذى تمت محاولة غرسه بين المصريين هى أن «البلد مش بلدهم».. فكرة شيطانية نجحت بشكل كبير فى تحييد المصريين عن الشأن العام، وبدت مظاهرها السلبية بوضوح فى تدمير المصريين مرافق الدولة بسوء الاستخدام أو السرقة وفى ظاهرة العزوف عن أى مشاركة سياسية أو مجتمعية للإصلاح.
كان من المفترض أن يقوم هويدى- بصفته من النخبة الثقافية- بتسخير قلمه لمحاربة غرس هذه المشاعر فى التربة المصرية.. لكن يزول العجب من موقفه حين نعلم هويته بوضوح بعد كشف الأقنعة بعد أحداث يناير ٢٠١١م والتى كنت أعرفها جيدًا بعد قراءة كتابه المقالات الممنوعة من النشر!
الشعور الثالث الذى ساد بين المصريين بفعل فاعلين هو وجود ضباب وشجون على مشاعر الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين تسبب فيهما تراكم ممارسات فردية فى بعض قرى مصر وعدم قيام الدولة بفرض سيادة القانون وهيبة الدولة المدنية كما فعلت دولة ٣٠ يونيو كما رأينا جميعًا.
كانت هذه الحزمة من المشاعر الشعبية الجمعية هى أسوأ ما حاق بالشخصية المصرية وظهر بوضوح فى سلوك المصريين وكتاباتهم القاتمة وحتى أعمالهم الفنية الدرامية من مسلسلات وأفلام.
حزمة يمكن صياغتها فى ثلاث عبارات «وصول درجة الإحساس بالانتماء إلى مستويات متدنية غير مسبوقة.. اعتقاد المصريين بعجزهم التام عن أى فعل ينتج عنه تغيير أحوالهم وأحوال مصر.. تهديد مباشر لفكرة الوحدة الوطنية».
ومن الغريب أن تنتشر هذه الحزمة وتقوى فى مدى زمنى قصير من تحقيق مصر نصرًا كبيرًا وغير مسبوق وهو نصر أكتوبر، والذى كان مرشحًا- حسب منطق الأمور وبديهيات علم الاجتماع السياسى- أن يصبح قوة دافعة للشخصية المصرية ويمنحها وقودًا يدفعها لتحقيق إنجازات كبرى فى مجالات التنمية والتطور الحضارى من ناحية، وأن يمنح تلك الشخصية مخزونًا من الثقة فى الذات والاعتزاز بالهوية المصرية الوطنية لعقودٍ تالية.. فلماذا لم يحدث هذا؟!
فى الواقع لم يحدث هذا عفويًا أو مصادفة، إنما حدث بسبب عوامل واضحة محددة. كان أقواها فاعلية على الإطلاق مصادفة تعرض مصر لهجوم فكرى عنيف وهو زحف الفكر الوهابى سواء بسبب عمل أعداد كبيرة من المصريين فى دول الخليج، أو ما أخطأت به الإدارة المصرية فى اتخاذ قرار تحالف أمريكى سعودى مصرى لنشر ما يعرف بالفكر الجهادى لخوض معركة بالوكالة ضد روسيا فى أفغانستان. ثم خرج الوحش عن سيطرة الدولة فالتهم عقول المصريين ومقدراتهم وأرواحهم. انتشار الفكر الدينى الراديكالى المشوه كان له الأثر الأكبر فى إجهاض ما كان يمكن أن يقود إليه نصر أكتوبر من دفع وتقوية للهوية المصرية الدينية وساهم فى نشر خطاب انهزامى بين المصريين مهد له الخطاب الدينى القائل بهزيمة الأمة وضعفها وانبطاحها رغم تحقيق المصريين هذا النصر المعجز! تم تثبيط همة المصريين بالخطاب الدينى الرسمى والخاص عبر آلاف المساجد والزوايا. قبل المصريون فكرة الهزيمة والإحباط عكس ما حققوه على الأرض!
ثم كان العامل الثانى وهو دعوات واتهامات الخيانة لمصر من الدول العربية التى انساقت خلفها أعداد من المصريين بناءً على أن مصر جزء تابع لأمة أكبر مهزومة، وليست أمة مستقلة بحد ذاتها منتصرة ومن حقها أن تتجه لسلام شعبها وبناء دولتها!
ثم كان العامل الثالث هو وصول قيادة سياسية غير طموحة وليست لديها رؤية مستقبلية للحكم. قيادة ليست لديها خلفية فكرية عميقة تأنف وتكره القراءة وقطعًا لم تنشغل بفكرة الهوية أو بناء الشخصية المصرية، ورأت أن مجرد بقاء مصر خارج الصراعات وتوفير السلع الرئيسية بأسعار وهمية يكفى لحكم دولة بحجم مصر!
هذه العوامل الثلاثة كان يمكن تحجيم تأثيرها إلى أقصى قدرٍ ممكن لو أن النخب الثقافية أو عقل مصر قد قامت بدورها. لكنها لم تفعل ذلك لأنها لم تكن تدرك خطورة ما يحدث وبالتالى لم تدرك ما يجب عليها أن تقوم به. انشغلت فى صراعات جانبية دون أن تقترب من المسألة الكلية الأهم وهى دعم الشخصية المصرية والدفاع عن هويتها. بعض كبار المثقفين والصحفيين ومعهم صحف خاصة سقطوا فى الفخ وفتحوا أبواب صحفهم لأساطين الفكر الوهابى. وبعضهم يمكن تصنيفه ممن باعوا أقلامهم صراحة بأموال النفط وأسسوا صحفًا وقاموا بشراء مطابع ودانوا بالولاء لمن دفع! ومجموعة ثالثة انشغلت فى معارك ضد النظام على تفاصيل حياتية تخص المصريين دون أن تقترب من دورها المفترض.. أما المؤسسات الثقافية الرسمية فقد كانت مغلوبة على أمرها وأضعف من المواجهة وكانت تتعرض لموجات هجوم زاعقة إن هى حاولت الخروج عما سقط المجتمع أسيرًا له.
حين اندلعت أحداث ٢٥ يناير لم يكن أحد يتوقع أن تقود إلى ما قادت إليه.. طليعة هذه الحركة كانت من شباب الطبقة الوسطى المتعلمة وحددت مطالبها فى البداية فى تغيير وزير الداخلية، وكانت هذه الطليعة على استعداد للاكتفاء بهذا المطلب حتى الساعة الثانية عشرة مساء ٢٥ يناير. كل ما حدث بعد ذلك له تفاصيل وأسباب أخرى. بما يعنى أن هذه الحركة لم تقم أيضًا لأسباب تتعلق بالهوية أو الشخصية المصرية. وكان يمكنها أن تمر كسابقاتها من وقفات على سلالم نقابة الصحفيين أو دار القضاء العالى لولا تدخل أطراف أخرى منها الأغلبية الصامتة. وسبب انضمام هذه الأغلبية تمثل فى سببين، الأول خطيئة نظام مبارك فى إهانة المصريين فيما يتعلق بآليات الحصول على الخبز، والثانى كان استجابة عاطفية لما تعرض له شباب الثورة بعد خطاب مبارك الشهير وبعد انصراف معظم الحاضرين فى الميدان. تدخلت أطراف خفية لإجهاض ما حدث عن طريق القناصة.. وأقنعوا المصريين بأن هؤلاء القناصة تابعون للمؤسسات المصرية فخرج المصريون! لذلك فما حدث فى يناير وحتى تنحى مبارك لا علاقة له بدفاع عن هوية مصرية!
من هذا التاريخ وحتى انتخاب الجماعة للحكم لم تكن قصة الهوية حاضرة فى أذهان المصريين، بل على العكس فقد حدث انتصار وتتويج لما حدث فى العقود السابقة، وظهر أن الشخصية المصرية قد تعرضت بالفعل لتشوه كبير قادها إلى سلوك سياسى يتضاد تمامًا مع طبيعتها الوطنية التاريخية. ونحن ندين للجماعة بالشكر لأنها كانت سببًا مباشرًا فى إيقاظ تلك الشخصية وانتفاضتها بقوة فاجأت الجميع حتى الجماعة ذاتها! لقد كانت انتفاضة المصريين أقرب بمشهد مسرحى تاريخى.. كان انتفاضة الشخصية المصرية زاعقة قوية وكأنها تطهر نفسها مما لحق بها وتركض لإدراك ما اقترفته أيديها وإنقاذ بلادها!
أول ما فعلت ثورة يونيو أنها كنست أو أزالت ما توهم البعض أنهم نجحوا فى غرسه بين المصريين بأن مصر ليست بلادهم وأنها فقط لفئات معينة.. قصة الانتماء الوطنى الصريح. لم يثر المصريون أو يخرجوا على حكم الجماعة بسبب المصاعب الحياتية اليومية من كهرباء أو غاز أو غيرها من تفاصيل. فحياة المصريين لم تكن أبدًا على درجة من الرفاهية تدفعهم للخروج على الدولة أو على نظام حكم بعد أشهر قليلة من انتخابه بسبب هذه المصاعب. خرج المصريون لشعورهم الجمعى بأن بلادهم تُختطف منهم.. صاغوا ذلك بمصطلحات مثل أخونة الدولة. وصاغوها حين انتفضوا رفضًا لبيع الأرض فى سيناء أو جنوبًا فى حلايب وشلاتين. انتفضوا حين تم العبث بمؤسسات ومكونات الدولة الوطنية من قضاء وقوات مسلحة وشرطة. كل هذه العناوين هى تأكيد للخروج على خلفية انتماء وطنى. فى الواقع لم يكن صحيحًا أن المصريين قد فقدوا انتماءهم الوطنى فى عقود ما بعد أكتوبر. لكن الذى حدث أنه كانت هناك محاولة عبر أربعة عقود لاغتيال أو تخدير مشاعر الانتماء الوطنى لدى المصريين لصالح خطاب دينى مشبوه ومشوه. كان المصريون يعيشون ما يشبه الغيبوبة الوطنية التى ما لبثت أن فقدت تأثيرها فاستفاق المصريون حين وصل الخطر ببلادهم لذروته فكانت ٣٠ يونيو!
أما ما كتبه هويدى وروّجت له جماعته عبر عقود ما بعد أكتوبر أزاله المصريون وألقوا به فى سلة مهملات التاريخ. فاستمراء الهوان والخنوع وعدم القدرة على العمل لم يكن صحيحًا على الإطلاق. كان وهمًا كبيرًا، وكان المصريون لا يدركون الطريق للفعل الصحيح.. يفتقدون القيادة التى تقدم لهم مشروعًا وطنيًا للنهوض. أجهض الخطاب الدينى والتقاعس النخبوى الثقافى ما كان يمكن تفعيله من قوة لدى المصريين بعد أكتوبر، لكن هذا الخطاب الدينى لم يكن لديه بديل حقيقى يمكن من خلاله تفعيل طاقة المصريين للبناء. الخطاب الدينى كان خطاب هدمٍ لا يملك مفردات للبناء. خطابًا انهزاميًا مثبطًا كل مفرداته عن دولة الوهم الإسلامية والغزو والفتح العسكرى ومثالية القيادات وملائكيتها الوهمية! هذا الخطاب يمكنه أن يفتت العزيمة على البناء ويشحذها فقط بكراهية كل ما يحيط بها. فمصر لم تكن فى حاجة وقتها لأمجاد عسكرية لأنها بالفعل قد حققت نصرها وقدمت شهداءها.. لكنها كانت فى حاجة ماسة لاستنهاض طاقة المصريين على بناء دولة وتعليم أبنائهم تعليمًا عصريًا منافسًا وغزو الصحراء الجرداء لتوفير فرص عمل وتشغيل! وهذا كان خارج الخطاب الدينى تمامًا! لذلك فحين زالت أسباب ركود همة المصريين- بكشف خواء هذا الخطاب الدينى من ناحية، وظهور قيادة وطنية لديها رؤية لبناء دولة- كان الإنجاز الثانى الأكبر لثورة يونيو وهو تفجر طاقة العمل لدى القطاعات الأكبر لدى المصريين! لم يمت المصريون بعد نصر أكتوبر لكنهم كانوا مجمدين إلى أن قامت ثورة يونيو بتسييل حالة التجميد هذه!
من أهم وأقوى مكونات الشخصية المصرية وسر تماسكها هو هذه العلاقة بين مسلميها ومسيحييها. ربما يتعجب البعض حين يعلمون أن محاولة العبث بهذه العلاقة وتفتيها أبعد تاريخيًا كثيرًا جدًا مما كان يحدث فى العقود الأخيرة. فلدينا صفحات التاريخ توثق لهذه المحاولات منذ قرونٍ عديدة. قام بها حكام غير مصريين وحاولوا صبغ الفتنة بطابع دينى. تعرضت دور العبادة المصرية لاعتداءات كثيرة منذ قرون، وفى كل مرة كانت المحصلة النهائية فشل المحاولات رغم سقوط البعض فى الفتنة، لكن هذا البعض لم يكن أبدًا رقمًا فارقًا فى هذه العلاقة الكلية. وإذا نحينا ذاك التاريخ القديم واكتفينا بتاريخ مصر المعاصر، فسنرى أنه خلال المائة عام الأخيرة نشطت هذه المحاولات ومرت بمشاهد كبيرة. أولها محاولات الإنجليز الشهيرة عام ١٩١٩م وظهور شخصيات مصرية وطنية مثل القس سرجيوس خطيب الثورة الذى خطب فى المصريين من على منبر الأزهر. ترك العثمانيون أسبابًا للفتنة بين المصريين فى صورة قوانين عتيقة تتعلق ببناء دور العبادة المسيحية. نشطت محاولات الفتنة فى العقود التالية لنصر أكتوبر، وفى ذروة تغول الخطاب الدينى المتطرف تعرضت بعض دور العبادة المسيحية لمحاولات اعتداء.. ونشطت محاولات الفتنة فى مواسم الأعياد المسيحية. وتميزت القيادات الدينية الكنسية المصرية بالوطنية فى التعامل مع هذه المحاولات. حين هزم المصريون الجماعة الإرهابية لم تجد أمامها سوى الورقة التى اعتقدت أنها قادرة على تفجير مصر، فتعرضت دور العبادة المسيحية لهذه الموجة الكبرى من الاعتداء. ولكن أراد الله أن يكون هذا المشهد سببًا فى إعادة تقوية التماسك الوطنى المصرى. بدءًا من قيادة الكنيسة المصرية التى أعادت لنا مشهد ١٩١٩م، مرورًا بعوام المصريين الذين وقفوا أمام بعض الكنائس لحمايتها أو إصلاح ما حل بها، وتدخل المؤسسة الوطنية الأشرف لإعادة بناء ما تم حرقه فى زمنٍ قياسى، وأخيرًا قيام الدولة بتغيير قانون الفتنة وإصدار قانون بناء دور العبادة الموحد.
من أهم إنجازات ثورة ٣٠يونيو أنها أعادت تماسك المصريين وكشفت لهم الشيطان الذى أراد أن يقوم بنفس محاولة الإنجليز ولم يجد أيضًا غير نفس ما وجده الإنجليز. أعتقد أن ثورة يونيو قد وضعت حدًا نهائيًا لمحاولة تفجير هذه العلاقة.. فلن تكون ظروف مصر مستقبلًا أسوأ مما كانت عليه يوم حرق كنائسها.. لقد أنهت ثورة يونيو أوهامهم بقدرتهم على تفجير العلاقة بين المصريين على أساس دينى!
لذلك على المصريين أن يحتفوا بهذه الذكرى وأن يدركوا أهم إنجازاتها الحقيقية. نعم نحن نمر هذا العام بهذه الذكرى ومصر تواجه موجة عنيفة جدًا من سلسلة الموجات أو توابع الزلزال الذى أحدثه المصريون يوم ٣٠ يونيو ليس فى مصر فقط بل فى المنطقة كلها. فهذا اليوم هو نهاية ما كانوا يطلقون عليه الربيع العربى وهو لم يكن إلا خرابًا عربيًا. لكن مواجهة هذه الموجة لن تكون أشد قوة مما سبقها وستعبرها مصر إن شاء الله. الأهم من عبورها أن يتمسك المصريون بما أنجزوه وألا يسمحوا بأن يستدرجهم أحد- مستغلًا تفاصيل اللحظة الحالية- إلى فخ الشيطان مرة أخرى. الشخصية المصرية بطبيعتها التاريخية شخصية قادرة على الفعل، لكن عليها أن تدرك دائمًا ما هو الفعل الصحيح. الدولة الوطنية المتماسكة مجتمعيًا، القادرة على حماية نفسها وشعبها، النشطة التى تجيد استغلال مواردها الطبيعية، هى الحقيقة الوحيدة وما دونها سراب وأوهام. مَن يخبركم عن دولة الخلافة يخدعكم ويريد فقط هدم قوتكم! من يخبركم عن الوحدة العربية يبتزكم لكى تستمروا فى إثقال عاهل بلادكم بما ليس عليها حمله! يجب أن يتمسك المصريون بما أنجزوه لسبب واحد، أنهم إن لم يفعلوا فلن يستطيعوا إنجازه مرة أخرى! يساند الله الأقوياء الشرفاء الذين يدافعون عن أوطانهم ويدركون أن الوطن نعمة.. لكن حين يفرطون فيه أو يتخاذلون عن حمايته فلن يكون لهم مخرج وسيصبح مصيرهم مثل مصير غيرهم ممن باعوا وتخاذلوا!