فى مواجهة أعداء الحياة
إحسان عبدالقدوس: هكذا شمت الإخوان فى المصريين بعد هزيمتنا فى 67
لم أجد لدى جماعة الإخوان سوى وجهة نظر عريضة غائمة فى كثير من نواحيها، كما أننى لم أجد من يقنعنى هناك سوى شخصية حسن البنا نفسه، رغم أننى أخذت عليه محاولته إقحام النصوص الدينية فى الحوار معى، بشكل يفرض علىّ الاستسلام لوجهة نظره، وهو أسلوب لا أستريح له فى أى مناقشة فكرية، لأن إدخال ما لا يقبل الجدل والمناقشة ضمن الحوار الدائر بين طرفين فيه نوع من الإرهاب الفكرى يسلب الحوار حرية الحركة بين الطرفين المتحاورين، كما أننى رفضت بشدة كل المحاولات العديدة التى حاولها حسن البنا لضمى إلى جماعة الإخوان كعضو منظم فيها.
وأتذكر يوم الأربعاء ٧ يونيو ٦٧، دخل علىّ رجل من كبار رجال الدين الذى كنت أعرف انتماءه لجماعة الإخوان وبعد أن اكتشف ما أنا فيه من مرارة الإحساس بالهزيمة، حاول التخفيف عنى، ولكن بطريقة خانها التوفيق، لأننى فوجئت به يقول لى: لا تثقل على نفسك بكل هذا الحزن، فلعل ما تراه شرًا كل الشر يحمل إلينا الخير، ولكننا لا نرى ضوءه الآن، ونحن نتخبط فى ظلام الهزيمة التى باغتتنا.
فقلت له: أى خير فى الهزيمة يا مولانا؟
قال: هل تسمح لى بالكلام بصراحة؟
قلت له: تفضل واشرح لى ما الخير الذى تتصور أن الهزيمة حملته لنا، بالعكس فإن كل المصريين يرون أن الهزيمة شر حل بمصر وشعبها، وكنت أصرخ بعنف تعبيرًا عن سخطى وغضبى.
ويبدو أن صراخى استفز رجل الدين الكبير، فإذا به يصرخ فى وجهى بعنف: بل هى خير، واسمعها منى صريحة، إن الله يحب مصر وشعبها، وقد أراد إنقاذنا بهذه الهزيمة العابرة، مما هو شر من الهزيمة، ولكنه شر دائم.
ذهلت من كلام الرجل، كيف وهو الرجل المتزن العاقل، ورجل الدين الكبير والمشهور، كيف به، وهذه صفاته، يسمح لنفسه أن ينطق بهذا الكفر بالوطن؟ ولم ينتظر الشيخ حتى أنطق بباقى السؤال، فقاطعنى وقال: لا تظن بى كما يظن أولئك الذين لا يتورعون عن التصريح بفجور، أن الدين أفيون الشعوب، ولا تثر بنفسك الشكوك حول وطنيتى، وحبى الصادق للوطن يدفعنى إلى أن أسألك بصراحة: ما يدريك يا صديقى، لو أننا كنا قد انتصرنا، كما أكد لنا الذين خدعونا ، فإن الوضع كان سيستمر على ما هو عليه، وقد ينقلب إلى ما هو أسوأ مما نحن فيه الآن، من كبت الحريات العامة والخاصة، والاعتداء على كرامة الأفراد.