الأربعاء 04 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

فى مواجهة أعداء الحياة

مصطفى محمود: لهذه الأسباب رفضت الانضمام إلى الجماعة

مصطفى محمود
مصطفى محمود

كعادتها كانت الجماعة فى اقترابها من الدكتور مصطفى محمود تحاول أن تضع يدها على كتفيه، لتوحى للناس أنه منها، وهو الذى لم يكن منها أبدًا، وهو ما يتضح لنا من الحوار الطويل الذى أجراه الزميل الراحل محمود فوزى مع مصطفى محمود، ونشره بعد ذلك فى كتاب حمل عنوان «اعترافات مصطفى محمود»، الذى صدر فى العام ١٩٩١، وجاء على النحو التالى: 

فوزى: هل تؤيد قيام حزب للإخوان المسلمين بصيغة عصرية؟ 

مصطفى: والله أنا أخاف على الإسلام من مزالق السياسة، واحتراف السياسة، فالسياسة على رأى النكتة الإنجليزية الشهيرة حينما وجد شخص تابوتًا مكتوبًا عليه «هنا يرقد السياسى العبقرى والرجل الصادق»، فقال الرجل: أول مرة أجد فيها اثنين مدفونين فى تابوت واحد، فالسياسة تحمل فى ثناياها الكثير من الكذب والميكافيلية والانتهازية، وأنا أخاف على الإسلام من احتراف السياسة، فالسياسة يمكن أن تستلهم الإسلام ولكن أخشى أن يتحول الإسلام إلى احتراف سياسى. 

فوزى: وهل من أجل هذا لم تنضم إلى الإخوان المسلمين؟ 

مصطفى: أنا لم أنضم ولن أنضم لأى حزب فى حياتى، والله سبحانه وتعالى يقول «وكلكم آتيه يوم القيامة فردًا»، فأنا أريد أن أقابل الله سبحانه وتعالى يوم القيامة فردًا، ولا أقول له- عز وجل- أصل الحزب عمل والمجتمع عمل، فالله سوف يقابلنا يوم القيامة فردًا فردًا، فالمسئولية فردية صرفة. 

فوزى: هل لو استمرت جماعة الإخوان المسلمين وتعاونت مع الثورة لتغيرت صورة مصر الآن؟ 

مصطفى: والله لا أدرى، فلا أستطيع أن أقول إن الإخوان المسلمين يمثلون نسيجًا واحدًا، فهناك شخصيات من الإخوان مستنيرة جدًا، وفى الوقت نفسه توجد شخصيات غير ناضجة ومندفعة ومتعصبة، والحقيقة أنا أفضل أن يكون دور الدين فى هذه المرحلة الحزبية التى نعيشها هو إحياء الضمائر، فأخطر شىء يهدد المجتمع هو إدخال الدين فى السياسة، فدور الدين يجب أن يقتصر على توعية وإحياء ضمائر الناس. 

فوزى: وهل كنت تجيز خروج حزب الإخوان المسلمين إلى الحياة السياسية؟ 

مصطفى: والله أنا ضد دخول الدين فى السياسة نهائيًا، ورأيى هذا أقوله بعد أن أمعنت التفكير حقيقة، فأنا أعتقد أن السياسة خليط من الكذب والالتواء والانتهازية، ولا بد من تنزيه الدين عنها. 

فوزى: وما رأيك فيما يقال إن الدين يمكن أن يهذب السياسة؟ 

مصطفى: والله يهذب الإنسان نفسه الأول، فالدين يهذب به الإنسان أولًا. 

فوزى: وماذا يضر لو أن الدين هذب السياسيين بأن جعلهم أخلاقيين؟ 

مصطفى: مانجعلهم أخلاقيين من غير أحزاب، إنت فاكر أن هناك حزبًا ممكن أن يخرج صادقين، على أساس إشاعة الإسلام فى العالم، هذه ليست فى حاجة إلى أحزاب يا عزيزى، الأخلاق والاستنارة الأخلاقية والإشراق عملية تحدث داخلك لكنها ليست عن طريق حزب، ولماذا حزب بالذات؟ لأنه إذا حدث ودخل فى حزب أو تنظيم فإنه بذلك يدخل فى العدة، وهذه العدة فيها الكذب والانتهازية والنفاق، هذه هى السياسة، ثم إن الإسلام فى تاريخه لم يكن سياسة ودينًا إلا فى مرحلة واحدة فقط، النبى صلى الله عليه وسلم وأبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب فقط، وهؤلاء استثناء، هات لى سيدنا عمر بن الخطاب وأنا أعمل به أعظم حزب ولكن من أين آتى به؟

هؤلاء نماذج نورانية شربت من ينبوع النبوة فى مرحلة رائعة، هؤلاء جاءوا فى زمن من الصعب تكراره، نماذج... آيات من الإنسانية، مقاييس بشرية لا تتكرر، ولكن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يخلق نماذج أخرى، ولكن هات لى واحدا من هؤلاء النماذج الخيرة وأنا أسير وراءه وأكون به حزبًا، أنا لم أر أحدًا من هؤلاء حتى الآن، كل الموجودين للأسف الشديد لا يصلحون بالمرة، ولكن الله سبحانه وتعالى مثلما خلق أم كلثوم وراء البهيمة من غير كونسرفتوار، وانبهر بها أعظم الملحنين فى عصرها الشيخ أبوالعلا محمد حين سمعها لأول مرة، وقال: كيف يخرج هذا الكلام من واحدة لا تعرف الموسيقى؟ لما ربنا يريد فلا مرد لمشيئته، إنما من على الساحة الآن لا يصلحون.