الأحد 08 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أيمن رجب طاهر يكتب: صديقى

صديقى
صديقى

أصابعه المرتعشة تقبض على الكيس، وحين خطا ليعبر الطريق اهتزّت علب الأدوية ووسطها بطاقة التأمين الصحى، قدماه جفلتا حين لمح الجالس فى سيارته السوداء الثمينة بوجهه الممتلئ والنظارة السوداء تحجب نصف سحنته، ذراعه تحوط كتفى امرأة ذات جسم رجراج، يلتفت فى حدة ويشير إليه، تتسع عيناه عن آخرهما وتتمتم شفتاه: 

ـ نعم، ها أنت يا صديقى، عرفتنى بعد السنين، تشير إلىّ، قادم إليك. 

تتغير الإشارة ويؤلم أذنه صفير عسكرى المرور، تندفع السيارات والعربة السوداء تتحرّك ببطء.. 

ـ إنه ينتظرنى، وذراعه خارج الشباك؛ صاحبى القديم يريد أن يسلم علىّ، ربما يركن ويرحّب بى.. 

الشاب المهرول بين السيارات، يمد يده بعلبة مناديل كبيرة ويتلقف أجره، ينتحى جانبًا والسيارة تتحرك استجابة لصوت الصافرة المتواصل، يرفع العكاز ليراه صديقه فتمرق السيارة أمامه وزجاج نافذتها الصاعد يحجبه، عوادم السيارات المنبعث من حوله يؤلم صدره فيسعل فى شدة، يلتفت إلى رجل المرور الواقف جانبه: 

ـ زمان كنت أنا وهو نسبح فى النيل، الدوامة سحبته وكاد يغرق لولاى، على كتفى حملته إلى البر

بلا اهتمام يهوّم، فى مللٍ يعدل من وضع الكاب الأبيض وكأنه سأم سماع شكاوى الناس، التفت العجوز حوله، يرفع عكازه العتيق، يتأمله، فى حنو يقبّل رأسه المحنى.. 

ـ هيا يا صديقى، لم يبق لى إلا أنت

قبضت أصابعه على رمانة العكاز الخشبية وثبته أعلى (التلتوار) وحين رفع قدمه تزحزح الحجر من أسفلها، ترنّح، تمالك توازنه، انحنى ظهره المحدودب، لكن العصا الفتية سندته، دمعة حارة طفرت وتعرجت بين أخاديد وجهه، أحاط عكازه بنظرات الامتنان، سار فى تمهل وعيناه تودعان طيف السيارة السوداء فى آخر الطريق.