الجمعة 18 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

عبير كيلانى تكتب: الثمن

الذرة
الذرة

اختبأ يترقب فى شغف شديد ذلك الآتى المنتظر، جلس مختبئًا داخل زراعات الذرة المفترشة على مساحات من أرض تلتحفها سماء مكتسية الحداد، هو ذاك حداد الليل القابع فى قريته فى أقصى الصعيد، حيث عاش يتيمًا ففرضت عليه الأشياء والأشياء والأشياء، لا شىء ينير ظلمة حياته ويبعث بها الدفء سوى ابنه الوحيد الحنون؛ هو عصاه التى يتوكأ عليها، كل ما تبقى له من شتات العمر، وفى تلك اللحظات من الانتظار غفلت عيناه المتربصتان على مدى سنوات حين طال عليه الليل وقست عليه برودة سنواته، استيقظ فجأة على وقع أقدام ذلك القادم من بعيد، السواد يعم كل شىء من حوله؛ لا يتراجع إلا عن هامته التى علاها ضوء ينبع من خصلات شعره، تقترب الخطوات منه، همَّ بإحكام ضبط سلاحه فى يديه المرتعشتين، أحكم تصويبه نحو ذلك المنتظر، أطلق الرصاص فأصاب الهدف، وكعادته ظل مختبئًا مكانه يراقب ما يحدث ثم يرحل ليتقاضى ما تبقى له من أجر. 

فى لحظات.. توافدت جموع الناس على وقع صدى الرصاص المسافر فى سكون الليل فأيقظه، اتجهت الحشود فى ترقب وشغف لمعرفة الضحية الجديدة؛ أصوات تعلو وضجيج يتصاعد، أصوات مبعثرة وكلمات متناثرة وتمتمات غير مسموعة، استرق السمع جيدًا.. تساقط السلاح من يده المرتعشة، لا يستطيع تصديق ما يسمعه من تلك الكلمات: سبحان الله.. سبحان الله.. قصاصٌ عادل.