أحمد فضل شبلول: ليس لدينا فكر علمي يسمو إليه الخيال
قلة قليلة هي من تكتب في أدب الخيال العلمي في مصر، ومعظم هذه الكتابات الراهنة لا ترقى إلى مستوى أعمال الرواد في العالم في هذا المجال، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أنه ليس لدينا فكر علمي واضح يسمو إليه الخيال. فنحن لم نزل نعيش عالة على الغرب في مجال الإنتاج العلمي. وأدب الخيال العلمي يحتاج إلى أن يكون الكاتب أديبًا في المقام الأول ثم متابعا للإنجازات العلمية الجديدة في العالم، ثم يضفي من خياله عليها، فهل هذا متحقق في أدبنا العربي الآن؟
ما زال مشهد أدب الخيال العلمي لدينا يتصدره نهاد شريف ورؤوف وصفي، والكاتبة الكويتية طيبة الإبراهيم، وتحاول شعبة أدب الخيال العلمي في اتحاد كتاب مصر برئاسة الصديق د. صلاح معاطي اكتشاف أسماء كتَّاب جدد وكتابات جديدة في هذا المضمار، ولكنها بصعوبة تعثر على ذلك، لذا فإنهم في هذه الشعبة يعودون دائما لإنتاج نهاد شريف والقلة القليلة غيره لدراسة أعمالهم.
أما التحديات التي أراها تواجه كاتب أدب الخيال العلمي، فهو عائق اللغة، لأن معظم ما يكتب في أدب الخيال العلمي يكون بلغات أجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية، وترجمة هذا الأدب إلى لغتنا العربية ليس كثيرا، لأن قراءه أيضا ليسوا كثيرين. وتحاول مجلة "الخيال العلمي" التي تصدرها وزارة الثقافة السورية ويرأسها د. طالب عمران سد هذا النقص أو العجز في الترجمة. أما عندنا في مصر فلم أجد اهتماما مماثلا.
ويمكننا القول إن الفجوة في الكم والكيف بين إبداعات الخيال العلمي الغربية والعربية ترجع إلى اختلاف اهتمامات الأدباء العرب عن الأدباء الغربيين، الأدباء العرب ما زالوا يبحثون عن قضايا الحرية وقضايا المرأة وقضايا الواقع المعيش، وقضايا الجوع والتخلف والمرض والفقر والعدوان ومحاولات التقسيم والتهجير وما إلى ذلك، بينما الكاتب في الغرب انتهى من معظم هذه القضايا وأصبحت لديه نقلة نوعية في كتاباته، وأصبح يفكر في قضايا متيافيزيقية وقضايا وجودية أخرى غير التي يفكر فيها الأديب أو الكاتب العربي، نأخذ على سبيل المثال رواية "شفرة دافنشي" التي يرى فيها ساردها أن المسيح عليه السلام تزوج من مريم المجدلية وأنجب منها، وأن سلالته لا تزال تعيش بيننا حتى اليوم. إنه خيال تخطى حدود الخيال الواقعي.
وليس الأمر محصورا في الروايات فحسب، ولكن الأفلام أيضا، نحن العرب لم ننتج فيلما في الخيال العلمي، سوى فيلم "قاهر الزمن" 1987 بطولة نور الشريف وعن قصة نهاد شريف، سيناريو أحمد عبدالوهاب وإخراج كمال الشيخ. وربما تكون هناك أفلام أو مسلسلات أخرى لم تحقق النجاح المطلوب ولم تصل إلى الجمهور، وبالتالي لم يصبح لها وجود يذكر.
وقد كانت لي تجربة في كتابة رواية من الخيال العلمي وهي رواية "الحجر العاشق" تصدرتها عبارة "المعلوماتية والخيال العلمي في مواجهة الخرافة والأسطورة" وقامت بنيتها الروائية على هذا الأساس، فكانت هناك فصول تتحدث عن طفولة البشرية والتفاسير الخرافية للكون والحياة وخالق الحياة، من خلال قديم في الكون هو حجر زمرد الذي تحوَّل إلى حجر صغير جدا في خاتم ذهبي تضعه عالمة الفيزياء منال عثمان في بنصرها، فنشأت علاقة عاطفية بينهما، تطورت إلى حد أكسب الخاتم وعيا فائقا تجاوز الوعي البشري نفسه. وامتلك في رأسه الذي في حجم رأس دبوس الأبرة كل المعارف والعلوم والآداب البشرية، وكان وعيه يزداد كل يوم عن اليوم الذي قبله واستطاع أن يتحكم في أوصال شبكة الإنترنت المتصلة بكل أجهزة الكمبيوتر في العالم، وأن يصبغ لونها بلونه الزمردي فانمحى اللون الأزرق الذي اشتهرت به تلك الشاشات، ما أدى إلى اجتماع عاجل في إحدى الجامعات العلمية الأمريكية المتخصصة، لتدارس الموقف وتداركه بعد أن كان سؤال العالم عن أسباب تغير ألوان الشاشات والتحكم فيها من بعد دون معرفة العلماء المتخصصين كيف يتم ذلك. ونجح العلماء في الوصول إلى الجهاز الذي يبث تلك الإشارات البعيدة عن الهاكرز أنفسهم. وقام فريق العلماء باستدعاء عالمة الفيزياء المصرية للوقوف على مكونات هذا الحجر الزمردي الذي في خاتمها وكيفية عمله وتفكيره ومحاولة نسخه.
هنا سنجد أن الخيال العلمي يستند إلى معرفة علمية أولا ثم ينطلق الخيال الأدبي لتطوير تلك المعرفة، بما هو ليس معروفًا أو متداولا بين الناس.