الإثنين 16 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محمد المراكبى يكتب: الطاحونة

الطاحونة
الطاحونة

 

أدور حول نفسى كأنى أطوف.. أشحذ عزمى بطموحى وأقنع عقلى بجنونى، أرقب ذلك العصفور الحالم وهو يحوم حولى، أرقبه بعينى صقر.  صُدمت لما شردت؛ ودخلت هذا العالم الجديد.. العالم الذى لا يدخله- كما يزعمون- إلا المنتبهون، هذا العالم الذى وإن كان ثريًا، إلا أنه قد تغير الهواء فيه فلم يعد عليلًا، وتبدلت الشمس فلم تعد هى شمس الشموسة التى تبث الدفء فى ضحى الشتاء، وتنصت للصغار وهم ينادونها لتبدل لهم أسنانهم اللبنية، واختفت شجرة العباد وقرصها الذهبى؛ فلم يعد للشمس عباد. لقد احترق كل شىء حتى النسيم، شردت يحدونى الأمل إلى  مستراح، لكنهم أسلمونى إلى طاحونة ستضرسنى إن لم أحسن إدارتها.

 كل ذلك والعصفور الحالم يحرس بعض حبات القمح قبل أن تدق.

 أخذ العصفور يقترب منى أكثر فأكثر؛ لمّا رآنى لا أهتم بمن يصرخ وجعًا ولا بمن يموت جوعًا، يحوم  حولى، يصعد ويهبط، ينقر رأسى برفق، كأنه يشوقنى لأيام زمان.. هششته بعنف فاختلت بين يدى ذراع الطاحونة.

 لم أكترث لما وجدت بين الأحجار دمًا وريشًا، وظللت كما أنا أدور، تلفحنى الشمس الحارقة، أتوقُ إلى النسيم المفقود.