جابر سركيس يكتب: قصص قصيرة جدًا
لفافات بيضاء
فوق الأرواح الخضراء بنى بيته، لم تقاوم، ولم تقاوم الأرض أسياخ الحديد، وهى ترشق فيها پكل قوة وثبات مدعومة بوابل من الأسمنت والزلط والرمل، وقف فوق الدور الأول نظر إلى صاحبه فى الجهة الأخرى يقف فوق سطح الدور الثانى من بيته، صمم على تجاوزه، ظل بصاعد، بصاعد حتى تجاوزه بدور، من تحت نظر إلى أعلى، لم يتمكن من رؤية ملامح ابنه، حاول الصعود، حاول، خذلته قدمه اليمنى، حاول، خذلته يداه، من «حفرة» حاول النداء على ابنه، زوجته، شقيقه، حاول وهو مكبل بلفافات بيضاء، لم يصل صوته لأحد.
كوب ماء بارد
حين أخبَرَها بأنى قادم، تجهم وجهها، سألت: ألم يقل لك سبب قدومه؟
- لا
سارت فى «الطُرقة» الممتدة تحدث نفسها حتى وصلت إليهن، أخبرتهن بأنه قادم لأمر ما، تجهمن، ظلت الأسئلة والتخمينات تدور بينهن..
حين وصل إلى باب الغرفة سألته بقلق: خير؟! بينما انشغلت الأخريات فى النظر إلى هواتفهن. قال: خير، هل تنتظرين غير ذلك؟
قالت وهى تحاول إخفاء توترها بابتسامة خفيفة: لا.
سلمها مظروفًا كان بيده، فتحته، قرأت ما به، سألته وهى تبتسم ابتسامة مطمئنة وهى تهم من مقعدها: تشرب شاى؟
- لا، كوب ماء بارد فقط.
تناول الماء على عدة رشفات، تجول عيناه أرجاء الغرفة، جهاز التكييف، النوافذ المغلقة المشدودة ستائرها، المصابيح المطفأة، وهو خارج من الغرفة، كادت يده تمتد إلى مصباح الإضاءة، سحبها وانصرف.
فقد
تجلس على مقهى بمنطقة إقامتك القديمة، تستمع لحوارات الناس الصاخبة المتداخلة، فى الخلفية صوت تلاوة قرآنية لا تتبين منها كلمة واحدة، تتابع حركة سير المواطنين والسيارات، تبحث عن وجه تعرفه تدعوه للجلوس معك، تسأله عن أخبار الجيران والبيوت وصاحب محل البقالة، وبنات شارعنا اللاتى أصبحن أمهات أو جدات الآن. لا يجىء أحد.. على مهل تشرب شاى ثقيلًا مرًا، وعلى مهل تحمل جسدك وتمضى.
«عفن
١- حين فتح لى باب البيت القديم وكان يتصبب عرقا، كانت زوجة السائق السمينة تهرول من غرفته إلى غرفتها بالدور الأعلى.
٢- دخلتُ غرفته لم أجد مكانا للجلوس عليه غير حافة السرير الملقى عليه ملابس تخرج منها رائحة عطنة.
٣- شكوت له كأخ أكبر أنى أرى البنت الصغيرة التى تشبه سعاد حسنى كل يوم مع شخص مختلف، وانى أشفق على أمها التى تشبه فردوس محمد؛ كان يستمع إلى وعيناه لا تفارق كل بنت صغيرة تمر من أمامه.
٤- حين خرجت سريعًا لانتظاره بالخارج كانت البنت الصغيرة التى تشبه سعاد حسنى آتية إليه، تتداخل ملامحه فى ملامحها حتى صارا وجهًا واحدًا نحيلًا ممصوصًا تملأه التجاعيد والأتربة وتفوح منه رائحة عفنة.