الإثنين 16 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

هناء جودة تكتب: عيون زجاجية

عيون زجاجية
عيون زجاجية

أنهت زيارتها لإحدى محافظات الصعيد بالمرور على محلات بيع التذكارات الأثرية، لتحمل معها بعض الهدايا للأصدقاء، من بين أرفف المحل اختارت تمثالًا لقط فرعونى أسود ذى عيون زجاجية؛ أعجبها، استحوذ على تفكيرها، حكى لها صاحب البازار عن بعض أسرار تلك القطعة الفرعونية، احتفظت لنفسها به فيما قدمت باقى الهدايا للأهل والأصدقاء.

لعيون القط وميض غريب، يدعوها للتأمل والتفكير مليًا فيما قاله البائع، تضعه على المنضدة الصغيرة بجانب السرير، تبتسم له قبل النوم ساخرة من كل الخرافات التى سمعتها عنه وعن سحره، تهمس فى سرها: بائع محترف.

لم يمر على عودتها سوى أيام حتى تصدمها سيارة فى حادث مروع، ترك بصمته على جسدها، أصابها بكثير من الكسور والتشوهات والجروح بما يكفيها لتحيا عاجزة لبقية العمر، تهمس صديقتها الجالسة على أطراف سريرها؛ تعودها فى مرضها: «يا لها من نظرة مرعبة لهذا التمثال الأسود، أراه ينظر بتحدٍ غريب كأنه يتوعدنى بشر».

تقولها وتدير ظهرها له وتضحك، تسترسل مرة أخرى بعبارات تدعوها للتخلص منه لأنه فأل سيئ، وأن الحادث الذى كاد يقتلها لم يحدث إلا بوجوده هنا، تبتسم لصديقتها هامسة: «مجنونة». 

تمر الأيام ولم تتوقف الأخبار السيئة، تنتابها حالة من الاكتئاب، ينصحها الأطباء بالتنزه وتغيير المناخ المحيط بها، يصطحبها الزوج إلى سكن خاص بمدينة ساحلية، لعل منظر البحر والأمواج والقمر على رمال الشاطئ يستفز قلمها مرة أخرى لتكتب أشعارها وقصصها المحببة؛ ولتستعيدها الحياة مرة أخرى.

تحمل معها الأوراق والأقلام تضعها على المنضدة بجوار قطها الأسود، اصطحبته معها بعيدًا عن عينى زوجها، ينقطع التيار الكهربى لدقائق، ويعود وقد اختفت الأوراق والأقلام، تبحث فى ذهول، تنظر إليه، لتجده يبتسم، تصرخ فى وجهه، تومض عيناه، تنادى زوجها، تحكى ما حدث، ينظر الزوج ليجد الأوراق والأقلام والأدوية على المنضدة كما وضعها، ويفاجأ بالتمثال حيث وضعته هى، تقسم أن ما قالته حق، يقبّلها زوجها، يقدم لها كوبًا من الماء وبعض الأقراص المهدئة، تصرخ، تلقيها من النافذة، تعاود محاولة الكتابة للمرة الألف وتعاود الفشل أيضًا.. 

تعتريها حالة من الضيق والضجر، صوت عبدالباسط يراود روحها بالسكينة، تسمع أنينًا يشبه البكاء، فرغت بطارية الهاتف فيصمت عبدالباسط، يتحول الأنين شيئًا فشيئًا إلى ضحكات عالية ساخرة، تنتبه إلى مصدر الصوت، تتراءى لها عينا القط وكأنهما تومضان ببريق مخيف، تخشى أن تنادى زوجها ثانية، تتناول عكازيها، تتحرك ناحية المطبخ، تعود ومعها شاكوش حديدى ثقيل، تهوى به على رأس القط ليتحول إلى شظايا من رخام أسود، وتنسحب الأصوات عنها أنينًا يخفت.. يخفت... يصمت، حين أمعنت النظر وجدت دموعًا دامية تنزل من العيون الزجاجية، بينما راح زوجها يضمد جرحًا فى يدها.