إبراهيم داود: رجاء النقاش صاحب أيادٍ بيضاء على القضية الفلسطينية
«فى كل مكان عمل فيه النقاش كان يحوله إلى منارة حقيقية»، هكذا تحدث الكاتب والروائى الكبير إبراهيم داود عن الناقد الراحل رجاء النقاش، مشيرًا إلى أنه صاحب الفضل فى اكتشاف العديد من نجوم الحياة الفكرية فى مصر والعالم العربى.
داود تحدث لـ«حرف» عن دور ثورة يوليو فى تشكيل وجدان رجاء النقاش وكيف تعلق بها، وما قدمه النقاش للقضية الفلسطينية، وبالتحديد فى رفع العزلة عن شعرائها، خاصة مع اكتشاف شاعر المقاومة محمود درويش.
■ تجارب عديدة حملت شعار «النقاش مر من هُنا» كيف تقيم تلك التجارب وما أفضلها؟
- فى كل مكان عمل فيه النقاش كان يحوله إلى منارة حقيقية، كان مؤسسة ثقافية مستقلة، لم يتورط فى الخلافات الأيديولوجية التى كانت رائجة، لأنه كان يسعى إلى طمأنة الناس على الوجدان الذى يطرح مبدعين قادرين على صنع ذاكرة ثقافية هى رأس مال البلد، كتبه صالحة للقراءة طوال الوقت، ولا أملُّ شخصيًا من العودة إليها بين الحين والآخر، مثل: «ثلاثون عامًا مع الشعر والشعراء»، «محمود درويش.. شاعر الأرض المحتلة»، «عباقرة ومجانين»، «شخصيات وتجارب»، «أبو القاسم الشابى».. «شاعر الحب والثورة»، «نساء شكسبير»، «فى حب نجيب محفوظ»، «ملكة تبحث عن عريس»، «شعراء عالميون»، وغيرها من الكتب التى غيرت فى حياة كثيرين من المهمومين بالكتابة والمستقبل.
■ كيف كان ينظر رجاء النقاش إلى الأدب، خاصة أنه نجح فى الجمع بين العمق والإبداع؟
- كان يرى أن الأدب العظيم أدب واضح، والأدب المؤثر أدب واضح، والوضوح نفسه لا يتناقض مع العمق والأصالة وقوة الإبداع، وتصوير أعمق الصراعات والخيالات المضطربة فى النفس الإنسانية.
■ أقطاب كبيرة قدمها النقاش للحياة الفكرية فى مصر وكانت بمثابة مشروعه الخاص.. كيف ترى ذلك؟
- بالفعل، كان له الفضل فى تقديم أسماء عظيمة للجمهور، مثل الشاعر الفلسطينى محمود درويش والروائى السودانى الطيب صالح والشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى والشاعر الفلسطينى سميح القاسم على سبيل المثال، كما كان يمتلك النقاش ذائقة رفيعة فى تلقى الشعر والكتابة عنه، كما صنع حالة وتوليفة مع هؤلاء الذين أعاد اكتشافهم، ما جعلهم يدينون له بالفضل طيلة حياتهم، مثلما قال عنه الشاعر الكبير محمود درويش أنه عمل على تعميق العلاقة بين حرية الشعر وشعر الحرية، واستند فى هذا التقييم إلى واقعة اهتمام النقاش بشعراء الأرض المحتلة ورفع العزلة عنهم، فمن خلال كتاباته لم يعد هؤلاء الشعراء معزولين عن محيطهم العربى، وإن الشعراء الفلسطينيين وكل الموهوبين من الشباب مدينون للنقاش، لأنه لم يكف عن التبشير النبيل بمواهبهم وعن تحديث الحساسية الشعرية والدفاع عن الجديد الإبداعى فى مناخ كان ممانعًا للحداثة الشعرية، ومدينون له لأنه ابن مصر البار وابن الثقافة العربية، الذى لم تدفعه موجات النزعات الإقليمية الرائجة إلى الاعتذار عن عروبته الثقافية.
■ علاقة رجاء النقاش مع الأديب نجيب محفوظ كانت لها طابع خاص.. كيف تابعتها؟
- كان الأستاذ نجيب محفوظ يحبه ويقدره، ولم ينس له مجازفته بنشر «المرايا» مسلسلة فى مجلة الإذاعة والتليفزيون بعد أن رفضت مؤسسة «الأهرام» نشرها، بينما كانت درة التعاون بينهما المذكرات التى كتبها النقاش لصاحب نوبل، والتى تعد من أجمل وأصدق ما كتب فى أدب السيرة، وحكى لى نجل الراحل الكبير أن ما نشر لا يمثل ١٠٪ مما رواه صاحب الحرافيش، وأن بحوزته هذه التسجيلات، والتى لا أعرف هل من حقنا أن نقلب فيها أم لا؟ وهل كان سيوافق فى حياته؟
■ من وجهة نظرك كيف أثرت ثورة يوليو فى شخصية وتكوين النقاش؟
- رجاء النقاش صدق ثورة يوليو ودافع عن أهدافها، ولم يكن بوقًا لها، لأنه كان معنيًا بما هو أهم، ألا وهو صناعة نجوم يليقون بالمرحلة، وإشاعة المناخ الإبداعى، وحرص على العمل والكتابة فى صحف ومجلات الثورة، ونجح فى كل مكان عمل فيه.