السبت 21 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

نسرين حسن: تطبيقات إلكترونية تهدد هوية الأجيال الجديدة

التطبيقات تهدد هوية
التطبيقات تهدد هوية الأجيال الجديدة

لدى الأطفال فى مختلف مراحل الطفولة احتياجات اجتماعية وعاطفية ينبغى تلبيتها تبعًا للخصائص النمائية للطفل فى كل مرحلة، فالأطفال فى جميع مراحل الطفولة يحتاجون إلى الاجتماع واللعب وتكوين الصداقات والشعور بالثقة بالنفس، وهم فضوليون يحاولون استكشاف المحيط والتعرف عليه. ومن المفترض أن يتضمن النمط الطبيعى المتوازن لحياة الطفل مصادر متعددة للقيام بأنشطة تلبى هذه الاحتياجات، منها ما يكون ضمن الأسرة أو مع الأقران أو فى المدرسة وجزء منها يكون عبر الإنترنت.

ما يحصل اليوم أن معظم الأنشطة الواقعية لم تعد موجودة، واستعاض عنها الطفل بقضاء ساعات طويلة على الإنترنت لتلبية حاجته إلى التعارف والتواصل والاستكشاف والمرح. ويرجع ذلك إلى أسباب عدة، منها تراجع دور الأسرة بشكل مقصود بسبب إهمال الوالدين دورهما فى التربية والتوجيه، أو غير مقصود بسبب ما فرضته المتطلبات المادية للحياة من غياب الوالدين ساعات طويلة خارج المنزل فى العمل وعودتهما منهكين وغير قادرين على القيام بأى أنشطة مع أطفالهما.

وكذلك يمكننا الحديث عن تراجع الدور التربوى للمدرسة، وعدم توافر المساحات الآمنة المجانية للعب مع الأقران فى المدن لأبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة، وأيضًا تعرض الطفل للتنمر أو التحرش أو العنف أو الحزن الشديد فى الواقع الحقيقى ما يدفعه للهروب إلى العالم الافتراضى. بالإضافة إلى عدم بذل الجهات الثقافية الرسمية والأهلية والخاصة الجهد الكافى لابتكار أدوات جديدة تسهم فى استقطاب شريحة الأطفال والمراهقين نحو محتوى آمن وهادف على صعيد إعلام الطفل ودراما الطفل وأيضًا كتاب الطفل.

فى ظل ذلك، يبدو الجيل الثانى من الإنترنت براقًا جدًا بالنسبة للطفل، مليئًا بالفيديوهات الملونة لأشخاص يبدون سعداء، ينشرون صورًا ومقاطع من حياة تبدو مثالية افتراضيًا، فنجد الطفل يغرق فى شاشته الصغيرة ساعات وساعات يتلقى منها محتوى غير ملائم قد يقود على المستوى الفردى إلى الاكتئاب أو التوحد وإلى انفصال الطفل عن واقعه ومجتمعه. أما على المستوى الاجتماعى والوطنى فإن الكثير من التطبيقات والألعاب والبرامج مجهولة المصدر ستؤثر حتمًا على هوية الجيل الاجتماعية والوطنية والإنسانية.

أمام هذا الواقع نحن نحتاج إلى خطة للحل تبدأ بالضرورة من الأسرة، فلا يمكن مهما حاولنا أن نصلح لاحقًا ما تفسده الأسرة فى شخصيات أبنائها، ولكن هذه الحلول يجب أن تقودها جهود حكومية ومدنية وخاصة، وتتجلى فى برامج متعددة مثل نشر برامج التربية الوالدية الإيجابية وتدريب الأسر عليها، ومحو الأمية التكنولوجية لدى الأسر حتى يتمكنوا من توجيه أبنائهم نحو المحتوى الصحيح، ومعرفة برامج الرقابة الأسرية التى تضمن معرفة ما يتابعه الأطفال على هواتفهم. وأود لفت النظر إلى أهمية ما يمكن أن تقوم به الدراما فى هذا الخصوص من مسلسلات تسلط الضوء على هذا الموضوع، وكان أحدها مثلًا مسلسل «عتبات البهجة» للكبير يحيى الفخرانى. 

وأضيف إلى ذلك ضرورة توفير مساحات آمنة للعب الأطفال قرب تجمعاتهم السكنية، وأن تستحدث الجهات الخاصة والعامة القيام ببرامج دعم الأسرة للعاملين فيها، تتضمن رحلات ومخيمات أسرية، وإنشاء خط ساخن للمشورة الأسرية فى هذه الخصوص، وخط ساخن آخر للإبلاغ عن المحتوى الالكترونى المسىء للطفل. وكذلك العمل على تطوير أدوات ثقافية مبتكرة منافسة تسهم فى استقطاب الأطفال نحو المحتوى الهادف.

وأخيرًا أود أن أضيف أنه على المستوى الوطنى ينبغى ربط خطط التنمية جميعًا بالأسرة، فالأسرة هى صمام الأمان فى المجتمعات ولا تستطيع أى جهة أن تحل محلها فى حال غيابها أو وجود دور سلبى لها فى حياة أبنائها، وعلى النقيض من ذلك فإن الأسر المتماسكة السليمة التى تقوم بدورها على أكمل وجه تسهم فى دفع عجلة التنمية فى المجتمعات بسلاسة نحو الأمام.

*عضو مجلس خبراء كرسي الألكسو في خدمة الطفولة سابقًا

نسرين حسن