الجمعة 22 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

ميرفت على العزونى تكتب: منديل أبيض

العرس
العرس

من أجل مناسبة العرس فاز الجميع بملابس جديدة. 

كالعادة حرصت أمى على شراء الكريمات والزيوت التى تُوصى بها جدتى «لأبى» وعماتى، وزوجات أعمامى الخاصة بتجميل وتنعيم الشعر.

تبتسم أمى فى خُبثٍ شاكرةً الله؛ لأننا نحمل جيناتها وجينات عائلتها المُتميزة بالشعر الناعم الحرير. أو كما يغنى عبدالحليم «الشعر الحرير. على الخدود يهفهف. ويرجع يطير».

ليست زيارةً خاطفة؛ هذه المرة سنمكث لأيام فى القرية.

إصرار جدتى على إتمام الفرح أغضب أبى وأعمامى؛ فلم يمر على وفاة جدى سوى شهرين.

لم تتراجع جدتى، ولم تسمح لأحد أن يرفع صوته أو يعترض، رغم حبها الشديد لأبى وتقديرها لرأيه.

قالت: «الفرح فرحنا. والحزن حزننا».

فى ظهيرة يوم أخذتنى من يدى ودخلنا المندرة التى بها شوار عمتى.

انشغلتْ فى مسح الأثاث والتفتيش فيه. أدهشتنى صلابتها وقدرتها على انتزاع نفسها من حالة الحزن التى سيطرتْ عليها منذ وفاة جدى.

أعطتنى ورقة وقلما؛ أملتْ علىّ أشياء ناقصة فى الشوار «صابون، فوط، مفارش سرير». فجأة شهقتْ: ياااه. كنت ها نسى المناديل اللى عمتك هتهادى بها يوم الصباحية. اكتبى مناديل رجالى وحريمى. ثم أخذت الورقة وأعطتها لأبى لشراء المُدوّن بها.

دبّتْ الحركة فى الدار، امتلأتْ بنساء يعجن وينقشن الكعك بالأمنيات المُؤجّلة، يبُحْنَ بأسرارٍ من الصعب الاعتراف بها حتى لأنفسهنّ. أمام الفرن تحمر الخدود. بصوت عذب تُدندن امرأة بأغنياتٍ محرجة، يضحكن ويتغامزن كلما لمحن عمتي.

بلهجةٍ آمرة تُحذرهنّ جدتي: إياك إنت وهى تاكلوا الملبن.

فاحت رائحة الكعك واللحم والأرز، من المندرة التى تتزين فيها عمتى منذ ساعات. تسربت رائحة الصابون والعطر أيضًا.

ليلة الحنّاء أجلستنى جدتى بجانبها؛ لتسجيل أسماء من يقدمون الهدايا فى كراس.

• ليه ؟!.

تضحك: ديون لازم تترد.

عمتى الحبيبة ستذهب إلى بيت آخر؛ لن أراها كيفما أحب. لن تصطحبنى إلى الحديقة، ترفعنى عن الأرض؛ كى أقطف ثمار البرتقال. نجلس معًا فى ظل الصفصاف، أنصت لخرير النهر، زقزقة العصافير، وترفرف روحى لهديل الحمام. 

يوم الزفاف ظللت أبكى إلى أن رضخ أبى لرغبتى بالجلوس بجانب عمتى فى السيارة. 

فى بيت العريس منعتنى امرأة من الدخول مع عمتى فى حجرة النوم. لم تفلح دموعى وتوسلاتى. تسللتُ وصعدت سُلّمًا، من نافذة الحجرة المواربة لمحت أربع نساء يباعدن بين ساقىّ عمتى ويضغطن بقوة. تصرخ عمتى «يا ولاد الكلب سيبونى. يا ولاد الكلب». 

لم أفهم لماذا يقعدن عمتى!. هممت أن أصرخ وآمرهم بالابتعاد عن عمتى؛ لكننى خِفتُ من عقاب أمى وأبى. 

دخل العريس الحجرة، عند ساقىّ عمتى انحنى. ثوان ثم نهض وهو يمسح أصابعه من الدم بمنديلٍ أبيض. ظلوا يبحثون عنى حتى عثروا علىّ فاقدة الوعى على السلم.