الجمعة 18 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

غياب كامل.. أسئلة مشروعة عن أدوار المركز القومى للمسرح

حرف

- منذ رئاسة إيهاب فهمى المركز القومى للمسرح صدر عدد وحيد من مجلة المسرح

- المركز يتجاهل كل القضايا الخلافية المثارة ويختلف حولها المسرحيون وكأنه من كوكب آخر

إنه لمن المؤسف أن يصبح الدور الوحيد للمركز القومى للمسرح، برئاسة الفنان إيهاب فهمى، إرسال رسائل يومية على مجموعته الخاصة بتطبيق «الواتس آب»، تتضمن صور الفنانين الذى يوافق اليوم تاريخ ميلادهم، أو ذكرى وفاتهم، دون حتى تقديم أى تعريف بهم وبتاريخهم.

وأظل يوميًا أتساءل، كيف تكون رؤية المسئولين عن التوثيق المسرحى بمثل تلك السطحية؟ أين الباحثون المسرحيون الذين كان يعج بهم المركز؟ هل ما زالوا يقومون بأعمالهم، أم تم تهميشهم لصالح الإداريين، الذين يسعون فقط إلى توفير ميزانيات الأنشطة حتى يتم تحويلها إلى «بند المكافآت»؟ وأين دورهم الحقيقى فى إثراء الحركة المسرحية؟

أين الدور البحثى والتوثيقى؟ هذا المكان بوصفه مركزًا بحثيًا، يليق به مناقشة قضايا المسرح المختلفة، لا أن يحتفل بالمناسبات غير المسرحية، ويتجاهل المناسبات المسرحية، ويتصدى للقضايا التى لا تخصه، ولا يتصدى للقضايا المسرحية التى يفترض أن يكون المنوط به مناقشتها.

كما أن المشاركة بالفرقة الموسيقية التابعة للمركز، بأغانٍ ليست ذات صلة لا بالمسرح ولا بالتراث، لا تمثل الدور الحقيقى له، فلماذا أصبح هذا هو الدور الوحيد الظاهر، فى ظل غياب الأدوار الأخرى، وصمت وتجاهل المسرحيين وغفلتهم عن المطالبة بحقهم فى التوثيق؟

لنتأمل معًا الأدوار الغائبة التى يفترض أن يؤديها المركز القومى للمسرح، فلربما كان هذا المقال خارطة عمل له خلال الفترة المقبلة.

 

لماذا توقف إصدار مجلة «المسرح»؟

مجلة المسرح كانت ذات يوم أحد مصادر القوة الناعمة المصرية، يتعلم عبرها نقاد وفنانو المسرح فى الوطن العربى كل ما هو جديد فى المدارس والنظريات المسرحية وطرق النقد. كانوا يتنافسون فى الحصول على نسخ منها، ويناشدون أصدقاءهم من فنانى المسرح فى مصر بإرسالها أو الاحتفاظ ببعض نسخها.

هى المجلة التى ألهمت كل المجلات الشبيهة فى الوطن العربى الآن، بنموذجها الفريد فى عصورها الذهبية، برئاسة رشاد رشدة، ثم محمد عنانى. لكن منذ ذهبت المجلة من الهيئة العامة للكتاب إلى المركز القومى للمسرح، بداعى أن الهيئة ليست جهة اختصاص، وذهبت المجلة إلى جهة الاختصاص، كان مصيرها الإهمال والحجب.

أين مجلة المسرح الآن؟ ولماذا لا تصدر؟ منذ رئاسة إيهاب فهمى المركز القومى للمسرح صدر عدد وحيد من المجلة، وكان ذلك حفظًا لماء الوجه، عقب وفاة الكاتب الكبير محمد أبوالعلا السلامونى، الذى توفاه الله أثناء اجتماع فى المركز لمناقشة ضرورة عودة إصدار المسرح، لذا صدر عدد تكريمى بدافع الحرج، ثم حُجبت المجلة مرة أخرى.

ورغم أنى أرى ضرورة تطوير وتحديث رؤية المجلة، لكن هذا لا يمنع ضرورة إصدارها أولًا، باعتبار هذا ضرورة مسرحية، نظرًا لتاريخها السابق ذكره، ولكونها أحد المنافذ النقدية المهمة التى تحتاج إليها الحركة المسرحية فى مصر والوطن العربى.

ما سر غيابكم عن توثيق العروض رغم توافر المعدات؟ 

المركز القومى للمسرح لديه كاميرات ومعدات وأدوات متقدمة لتوثيق العروض والفعاليات المسرحية، لكن يبدو أن العاملين فى المركز يخافون على تلك المعدات من الاستهلاك، أو أنه ليست لديهم الخبرة الكافية لاستخدامها، لذا نادرًا ما ترى كاميرات المركز فى المسارح. 

تبدأ أهم العروض وتنتهى دون أن نحتفظ بنسخة منها، حتى أن المهرجان القومى للمسرح نفسه عانى من هذا الغياب، فضلًا عن قصر دورهم فى توثيق العروض المسرحية على عروض مسرح الدولة، وكأن فرق المسرح المستقل غير التابعة لوزارة الثقافة هى ابن لقيط للمسرح، لا تستحق عروضه حفظها فى السجلات.

أضف إلى ذلك ضعف أدوات «المونتاج» وغياب المختصين به، لتصبح الصورة ضعيفة، وهو ما يمكن حله عن طريق الاستعانة بمختصين من المركز القومى للسينما، فضلًا عن معاناة الباحثين فى الحصول على حق «الفرجة» داخل المركز لعرض مسرحى يتناولونه بالبحث فى رسالة ماجستير أو دكتوراه، واضطرارهم دائمًا للعودة إلى صناع العرض.

أين الندوات المتخصصة و«تقرير الحالة المسرحية»؟

اقتصر دور المركز القومى للمسرح، خلال العام الماضى، على ندوات تطبيقية عن عروض البيت الفنى للمسرح، تكاد تُعد على أصابع اليد، مع تجاهل كل القضايا الخلافية المثارة ويختلف حولها المسرحيون، وكأنه من كوكب آخر.

يقيم المركز ندوات احتفالية بالمناسبات الوطنية، ورغم أهميتها، لا يجب أن تكون ذريعة لتجاهل كل القضايا البحثية التى يحتاج المسرح المصرى إلى مناقشتها، فى ندوات المركز القومى للمسرح.

والمركز القومى للمسرح منوط به، وفقًا لقرار إنشائه، أن يكون الجهة المسئولة عن رصد الحركة المسرحية فى مختلف أنحاء الجمهورية، وإصدار تقرير بشأنها، وكان فيما مضى ضلعًا أساسيًا فى المؤتمر القومى للمسرح، الذى كان يُقام كل سنتين، وأُقيمت آخر دوراته للأسف فى ٢٠١٤. هذا المؤتمر كان يبحث ويرصد الحالة المسرحية بمختلف أطيافها، ويصدر تقريرًا شاملًا عن الوضع الحالى للمسرح المصرى، والتحديات والفرص المتاحة له.

وأنصح بالعودة إلى مخرجات المؤتمر القومى للمسرح ١٩٩٩، لنحزن على حالنا وما وصلت إليه أمورنا، حين نرى كيف كان يعتنى كبار المسرحيين بإصلاح أحوال مسرحهم، مثل ألفريد فرج وسعد أردش وشاكر عبداللطيف ونهاد صليحة، وكيف ناقش هؤلاء على نحو مفتوح وحر كل القضايا، وقدموا روشتة العلاج. 

على ما أتذكر أيضًا، فى ٢٠٠٤ تقريبًا، نظم المركز القومى للمسرح، برئاسة الدكتور أسامة أبوطالب، وبالتعاون مع لجنة المسرح، وكان مقررها الكاتب الكبير ألفريد فرج، حلقة نقاشية امتدت على جلستين، لمناقشة أزمة المسرح «كما سُميت وقتها»، التى نتجت عنها توصيات غاية فى الأهمية. أين ذهبت هذه الوثائق والأوراق؟ هل يحتفظ المركز القومى للمسرح بنسخ منها، وهو المركز المنوط بالتوثيق؟

وكنت بالمناسبة قد أهديت نسخة أصلية من توصيات المؤتمر القومى للمسرح ١٩٩٩ إلى المركز القومى للمسرح، فى ٢٠١٢، وقت رئاسة المخرج الكبير ناصر عبدالمنعم، فهل ما زالوا يحتفظون بتلك الوثائق، والمكان يعد بيت وثائق المسرح المصرى، أم أهدروها؟

أتمنى لو كانوا محتفظين بها، فهى أولى أن يشاركوها على جروبات «واتس آب» الخاصة بهم، بدلًا من حفلات عيد الميلاد وذكرى الوفاة المتصلة يوميًا، التى تنزل دون أن يبذل أى شخص أدنى جهد فى أن يشاركنا معلومة واحدة تعرف وتنوه عن تاريخ فنان أو صانع المسرح الذى يذكرون الناس بتاريخ ميلاده أو ذكرى وفاته. 

ماذا حدث لمتحف مقتنيات فنانى المسرح الكبار؟ 

حضر عدد كبير من المسرحيين افتتاحًا لمتحف مصغر، أو إن شئنا الدقة عرضًا متحفيًا صغيرًا لمقتنيات فنانى المسرح الكبار، وكان هذا المنجز الأخير للفنان ياسر صادق وقت رئاسته المركز القومى للمسرح.

احتوى هذا العرض على أوراق مهمة وملابس من عروض تاريخية، ومقتنيات شخصية لكبار فنانينا وكتابنا المسرحيين، وكان المفترض أن يتاح هذا العرض المتحفى للجمهور، وأن تعد له وسائل الدعايا المناسبة، حتى نجتذب المواطنين، أو على الأقل المعنيين بالمسرح، لكنى أكاد لا أسمع عن هذا المتحف أى شىء، فلا أضيفت له قطع ولا وثائق، ولا حدث حتى تنويه دعائى واحد عقب افتتاحه.. فماذا حدث له؟