مسرح الطليعة وسمير العصفورى
فى الحوار الذى نشرته «حرف» منذ أسبوعين مع المخرج عصام السيد سألته عن سمير العصفورى فقال «من أهم المخرجين فى تاريخ المسرح المصرى، له علامات بارزة وبصمات لا يمكن إنكارها، كلنا تعلمنا منه وتأثرنا به سواء قصدنا أم لم نقصد، ولكنه على الجانب الآخر كان من أسوأ المديرين»، لم أتدخل رغم عدم قناعتى بالجملة الأخيرة ولم أناقش الصديق العزيز عصام السيد فى توصيفه لإدارة العصفورى لمسرح الطليعة بالسيئة، رغم أننى أعرف جيدًا ما قدمه فى تلك الحقبة التى بدأت منذ عام ١٩٧٩ وامتدت سنوات، وأحدث من خلالها ثورة فى مسرح الطليعة الذى يعرفه جيدًا وقدم من خلاله قبل أن يتولى إدارته حال رجوعه من سنوات البعثة فى فرنسا، والتى كان لها دور كبير فى مشواره الفنى، حيث قدم فى مسرح الطليعة مسرحيات كانت بمثابة اتجاه جديد فى المسرح الشعبى ومنها «الملك معروف» لشوقى عبدالحكيم، «يا عنتر» ليسرى الجندى، وأيضًا «أبوزيد الهلالى» لنفس المؤلف، وقدم «العسل عسل والبصل بصل» عن أعمال بيرم التونسى وحققت نجاحًا جماهيريًا ونقديًا غير مسبوق، بالإضافة إلى عرض «مسافر ضهر»، وهى معارضة لمسرحية صلاح عبدالصبور «مسافر ليل»، وحين تولى إدارة المسرح قدم مجموعة من المسرحيين ارتبطت أسماؤهم بمسرح الطليعة ومنهم السيد طليب مخرج وكاتب، حيث أخرج «مس جوليا» لسترندبرج وأعمالًا أخرى، والمخرج إميل شوقى الذى قدم شهادة ميلاده المسرحية من خلال عرض «حمام شعبى»، بالإضافة إلى إيمان الصيرفى وأحمد عبدالعزيز وأحمد مختار، الذى قدم عرض «صلوات فرعونية»، ومحسن حلمى أحد أهم عروضه «دقة زار»، وحكى لى المخرج إميل شوقى عن نادى المسرح الذى أسسه العصفورى فى مسرح الطليعة وعضوية الجمهور الذى شارك، وأصبح لكل مشارك بطاقة يشاهد بواسطتها عروض الطليعة. وأيضًا منتخب جامعة عين شمس وكان يضم معظم الأسماء السابقة والذى كان ضيفًا دائمًا على مسرح الطليعة مشاركًا ومتفاعلًا مع سمير العصفورى، الذى قدم أيضًا فى تلك الحقبة عرض «القاهرة ٨٠» عن رواية نجيب محفوظ «يوم قتل الزعيم» من بطولة محمد عوض.
وسوف يُحسب للعصفورى فى تلك الفترة عام ٧٩ حين قرر اقتطاع جزء من مسرح الطليعة، الذى كان يضم ٣٦٨ كرسيًا، لعمل قاعة صغيرة أطلق عليها قاعة ٧٩ لأنها تضم ٧٩ كرسيًا، وبوفاة صلاح عبدالصبور أطلق عليها قاعة صلاح عبدالصبور تخليدًا لروحه، وكان إبراهيم حمادة رئيس البيت الفنى للمسرح وقتذاك فأحاله للتحقيق بتهمة تغيير شكل المسرح، ولكن المحقق الذى يتذكره العصفورى جيدًا فى مبنى التليفزيون وقف احترامًا وتقديرًا لهذا العمل الذى اعتبره رئيس البيت تهمة، وقال له: أنت عملت رئة ثانية للمسرح ولم يفهموا، ونقل رئيس البيت العصفورى للمسرح الحديث بدافع الترقية، ولم يذهب، وظلت العلاقة متوترة أربعة أشهر، ودعم العصفورى كل من سمير سرحان وصلاح عبدالصبور، واجتمع بهم وزير الثقافة منصور حسن، وانتهى الأمر بعودته إلى مسرحه أى الطليعة وتمت إقالة إبراهيم حمادة! حكى لى المخرج الكبير هذه الحكاية فى سياق ربما لا علاقة له بالقاعة، ربما كان يتحدث عن منصور حسن أو سمير سرحان، لا أتذكر فقد كان ذلك منذ سنوات، المهم وجدتنى بعد انتهاء المكالمة أكتب هذه الحكاية وأعود إليها كلما ذهبت إلى مسرح الطليعة، الذى تم تجديده مرتين وفى كل مرة لم يذكر أحد اسم العصفورى كمؤسس للقاعة، بل كانوا يذكرون المدير الذى أشرف على البناء والتعمير، الذى أشرف على أعمال النقاشة والرمل والزلط وخلافه، أما الأب الروحى للفكرة فلم يذكره أحد، وأذكر هذه الحكاية فى سياق الحديث عن مسرح الطليعة والعصفورى الذى أعرف جيدًا أنه لن يضيف إلى مخرج موهوب ومبدع كبير مثله، وضع اسمه على قطعة رخام على حائط فى هذا المسرح أو ذاك، أما عمله كمدير لمسرح الطليعة، والذى قدمت عنه لمحة سريعة، ورغم اجتهاده وما قدمه إلا أن سمير العصفورى وغيره من المبدعين أسماؤهم محفورة فى وجدان وعقول أجيال عديدة من خلال أعمالهم وليس مناصبهم.