عوموه أو اهدموه.. وجهة نظر مختلفة فى أزمة «مسرح فاطمة رشدى»
- ناقد: استضافة العروض فى النيل يدر أموالًا لا حصر لها للدولة
- تراث فاطمة رشدى مهم للأجيال المقبلة.. ويمكن تخصيص مبانٍ بديلة
- لماذا لم تخرج وزارة الثقافة بتصريح واحد يؤكد أو ينفى الخبر حتى الآن؟
تشهد أوساط الساحة المسرحية المصرية حالة كبيرة من الجدل، بعد تداول أنباء حول هدم مسرح فاطمة رشدى «المسرح العائم»، والمناشدة التى وجهتها الفنانة القديرة سميحة أيوب إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن ضرورة «وقف قرار إزالة» المسرح، الذى يعد واحدًا من أعرق المسارح فى عالم الفن والثقافة المصرية.
قالت سيدة المسرح العربى: «شعرت بالحزن عندما علمت بقرار إزالة المسرح العائم، الذى يضم أيضًا مسرح الطفل»، مضيفة: «نحن فى حاجة إلى مسارح. ينبغى أن نفكر فى بناء مسارح جديدة، وليس هدم القائم. الثقافة مثل لقمة العيش بالنسبة للشعب».
وواصلت الفنانة القديرة: «المسرح العائم وقفت على خشبته قامات، والدولة تعى قدره ودوره التنويرى»، مشددة على أنها لا تطالب بالرجوع فى القرار فقط، بل ترفض بشكل قاطع التفكير فى هدم أى مسرح، مع مطالبتها ببناء المزيد من المسارح لتثقيف الناس وتنويرهم عبر ألوان الفن التى تتسلّل إلى العقول، وتشكل وجدان المواطن.
تأتى هذه الحالة رغم أن وزارة الثقافة لم تنشر أى قرار رسمى عن إزالة المسرح العائم، ولم يُصدر البيت الفنى للمسرح، برئاسة المخرج خالد جلال، أى بيانات رسمية توضح حقيقة القرار من عدمه.
لماذا توقف عن العوم؟
قال الدكتور سيد على إسماعيل، أستاذ الأدب المسرحى فى كلية الآداب جامعة حلوان، إنه يؤيد هدم المسرح العائم، طالما «انحرف عن مساره وسط صمت الجميع، منذ أن توقف عن العوم»، معتبرًا أن «الحل الوحيد لعدم هدمه هو عودته إلى العوم مرة أخرى».
وأضاف «إسماعيل» أن هذه ليست «نكتة» بل حقيقة، وإليك الأدلة على ما أقول: فى عام ١٩٥٣، وبعد نجاح ثورة ١٩٥٢، نشرت المجلات الفنية أول خبر بعنوان «المسرح العائم»، جاء فيه الآتى نصًا: «تدرس إدارة الشئون العامة فى الجيش مشروعًا يعتبر من أجمل المشاريع، التى تهدف إلى تشجيع حركة السياحة فى مصر، حتى فى فصل الصيف، وهى فكرة المسرح العائم، الذى ينصب فى بواخر كبيرة، تتحرك كل يوم من مكان معلوم على شط النيل، وبينما تتهادى الباخرة بمن فيها، يكون الممثلون يؤدون أدوارهم للمتنزهين المتفرجين».
وواصل: «بعد عام ونصف العام، تحققت الفكرة بفضل الإذاعة، ونشرت المجلات الفنية صورة مكتوب أسفلها (الباخرة سودان أو المسرح العائم)، وقالت فى شرحها إنها محاولة جديدة من محاولات الإذاعة لتلوين برامجها الخارجية، وإفساح المجال أمام هواة الموسيقى والأغانى الرفيعة لحضور هذه الحفلات الخارجية».
وأكمل: «لعل أروع ما فى تلك الحفلات هو نقاؤها مما يشوب الحفلات الأخرى فى باقى الأمكنة، إذ هنا لا خمر ولا رقص ولا أى معنى من معانى الابتذال أو الإسفاف»، وفق ما نقله عن الصحف وقتها.
وتابع: «بدأت الإذاعة فى إقامة أولى حفلات المسرح العائم، التى استأجرت من أجل إقامتها الباخرة النيلية (سودان)، ضمن برنامج حافل اشتمل على مقطوعات موسيقية من فرقة على فراج، وأغان ومنولوجات من عبدالمطلب ونازك وحبايب ورجاء ولبلبة وشكوكو وسعاد مكاوى».
وشدد على أنها «محاولة موفقة، لكن ينقصها أمر مهم لتبلغ حد الكمال: أن تتحرك الباخرة وتسير فى النيل أثناء تقديم البرنامج، حتى يكون مسرحنا العائم كباقى المسارح العائمة المعروفة فى العالم، وحتى يكون هناك فرق بين المسرح العادى والمسرح العائم».
وأضاف أستاذ الأدب المسرحى: «بعد شهرين تحرك المسرح العائم، وتحديدًا فى أغسطس ١٩٥٤، ونشرت الصحف خبرًا عنوانه (المسرح العائم يتحرك)، جاء فيه: لأول مرة تحرك المسرح العائم، وأصبح اسمًا على مسمى، فقام برحلات نيلية استمرت حتى الثانية صباحًا، وشهد ضيوف مصر من الصحفيين الأجانب مظاهر الاحتفال بمهرجان التحرير من فوق المسرح العائم. وقد كان الإقبال على هذه الحفلات عظيمًا بعد أن خفض مدير الإذاعة أجر دخولها إلى خمسة قروش فقط».
وواصل: «بناءً على ذلك أقول عودوا إلى أساس المسرح العائم، عندما كان عائمًا، قبل أن يصبح ثابتًا لا يتحرك، ليطمع فيه وفى مكانه الآخرون بحجة الهدم»، متسائلًا: «هل الهدم من أجل البيع أو الاستثمار؟ إن كان هدمه من أجل المال، فمن الممكن أن يدر المسرح أموالًا لا حصر لها لو عاد يعوم مرة أخرى».
وعن كيفية تحقيق ذلك، قال الدكتور سيد على إسماعيل: «الإجابة تكمن ببساطة فى هذا الخيال الحقيقى: عرض مسرحى يُقام فى الباخرة أو العوامة ذهابًا وإيابًا، أو أن يكون مسرحًا عائمًا متحركًا فى النيل لبعض عروض المهرجانات المسرحية أو للمهرجانات نفسها»، مختتمًا بقوله: «مجرد فكرة بسيطة لو أصبح المسرح العائم عائمًا».
نظرة المجتمع
علقت الناقدة المسرحية رنا عبد القوي، على أزمة هدم المسارح مثل هدم المسرح العائم، قائلة: من وجهة نظري هذا الأمر له علاقة بنظرة المجتمع والدولة للنشاط الثقافي، طالما يتم التعامل مع المسرح باعتباره ليس جزءًا أساسيًا من تطوير وتنمية المجتمع وأفراده سيظل مهددًا بالهدم والانقراض، كما أننا بذلك نصدر صورة عن عدم أهمية الثقافة والتاريخ.
وأضافت عبدالقوي، أن هذا الأمر هو انعكاس لنظرة المجتمع للفنانين بوصفهم أشخاص يقومون بنوع من أنواع النشاط الترفيهى غير الضروري وغير المؤثر الذي لا يدر دخلا على الدولة، بل يأخذ من ميزانيتها، وبالتالي إذا تم هدم دور عرض أو إلغاء المسرح نهائي لن يكون هناك مشكلة إطلاقا، وهذا الأمر تسبب فيه وشارك به الجماعة المسرحية ذاتها، فإذا كان بعض المسرحيين يتعاملون مع عملهم باعتباره من أنواع النشاط الترفيهي، وليس مهنة لها ضوابط ولها نسق وتقدير، فكيف للآخر أن يحترم ويقدر المسرح، إذا كان المسرحيون يسيئون تقدير فنهم ولا يدافعون عن مهنتهم من الدخلاء، وأصحاب المصالح، فمن المسرحيين من يخسف حقوق زملائه ولا يقدر أهمية عملهم، العيب فينا أولا.
كما لفتت الناقدة المسرحية، إلى أنها كانت تتوقع من المسئولين عن المسرح - وهو الأمر البديهي - التفكير فى توسعة الرقعة المسرحية خارج نطاق وسط المدينة، والعمل على بناء مسارح جديدة في المدن الجديدة مثل ٦ أكتوبر والشيخ زايد والتجمع والقاهرة الجديدة، لدينا على جانبي وسط القاهرة مساحات كبيرة وشاسعة وبها كثافة سكانية تحتاج أن تصل لها الخدمة الثقافية، خاصة مع شدة ازدحام العاصمة الموجود بها جميع المسارح مثل الطليعة القومي ومركز الإبداع، وغيرهم، لماذا لم يولوا هذا الجانب اهتمامًا باعتبارهم مسئولين عن حال المسرح وهذا يقع ضمن المهام الخاصة بهم؟
بدائل لمبانى الاستثمار
رأى أحمد زيدان، الناقد المسرحى، أن المبانى المسرحية تعانى من مشاكل تخص الصيانة الدورية، ما ينتقص من قدرتها وعمر تشغيلها، ويؤدى إلى توقفها بالتدريج، فما بالك بنقص هذه المبانى المسرحية، التى لا تكفى أصلًا لتقديم الخدمة فى المركز والأطراف.
وقال «زيدان» إن الحديث عن مشكلة إخلاء المسرح العائم، نظرًا لعدم تبعيته لوزارة الثقافة، هو جزء من مشكلة أساسية، خاصة فى ظل معاناة مسرحيْه من مشاكل كثيرة تقنية.
وأضاف الناقد المسرحى: «المشكلة الكبيرة التى نواجهها وسنواجهها هى حصر أصول الوزارة لاستخدامها بشكل استثمارى، ما يهدد الكثير من المبانى فى العاصمة والأقاليم، إذا طالها هذا الاستخدام الاستثمارى».
وواصل: «بداية يجب حل مشكلة صيانة المواقع الجاهزة للعمل، وإعلان بيانات ذلك الحصر الاستثمارى من مبانٍ وغيرها، وشكل الاستثمار بها، مثلما حدث فى الحديقة الثقافية بالسيدة زينب، من خلال تأجير جزء منها لإقامة ملاهـٍ للأطفال، والتنسيق حول عمل الحديقة والملاهى».
ونبه إلى وجود شائعات حول سحب مسارح مثل «الحديث» فى قصر العينى، على ضوء تبعيته لوزارة التعليم العالى والبحث العلمى، إلى جانب مبانى مركز الإبداع، وقطاع شئون الإنتاج الثقافى، وورش الأوبرا، مشددًا على ضرورة إعلان ذلك بشفافية، مع تخصيص بدائل لهذه المبانى.
وأكمل: «هذا الأمر على امتداده قد يشمل مدينة الفنون فى الهرم، والمعاهد الفنية والمسارح بالمناطق غالية الثمن، وتمتد إلى مبانى قصور الثقافة، التى توجد فى أماكن مرتفعة الثمن كاستثمار أراضٍ ومبانٍ، ومن بينها فندق قصر الغردقة، كذلك مشروعات الاستخدام الاستثمارى فى بنى سويف، والله أعلم بمدى صحة هذا الكلام».
وتابع: «نريد إعلانًا شفافًا عن هذه الخطة الاستثمارية لنعرف مدى فائدتها للثقافة المصرية والمواطن، وإن كان البيع وفقدان المبانى الثقافية فى صالح التطوير والتنوير، وخدمة عقل وروح المواطن».
تراث فاطمة رشدى
قال الدكتور محمود سعيد، الناقد المسرحى، إن مسرح فاطمة رشدى أو «العائم» يمثل مبنى ومعنى، ونموذجًا مهمًا للنماذج المسرحية التراثية على مر التاريخ.
وأضاف «سعيد»: «العديد من الرموز المسرحية تحملوا، فى بدايات القرن الماضى، عبء توصيل رسالة حقيقية للمسرح، ومد جسور التلاقى والتواصل بين الأجيال، ومن الطبيعى أنه من لا يعرف قيمة الرواد وأهميتهم لن يكمل الطريق».
وواصل: «فاطمة رشدى خالدة بدورها المحورى فى المسرح المصرى والعربى، وبريادتها القوية التى امتدت لعقود، لدرجة أنها نافست الرواد من الرجال، وحققت لنفسها اسمًا تم تخليده إلى الآن، ويكفى أنها بشكل طبيعى خلقت أجيالًا وأجيالًا تتبع طريقتها التمثيلية».
وأكمل: «لذا مثل هذه القامة المسرحية الشامخة الممتدة كنخلة مثمرة لا يجب قطعها من الجذور، بل يجب تأكيد أهميتها، وتدريس طرقها وأدوارها القديمة للأجيال الجديدة، واستحداث بعض من تراثها بشتى السبل، من إعادة العرض أو الدرس النقدى والبحثى الجاد».
وتابع: «كل تلك الطرق ما هى إلا تكريم وعرفان لمسيرة طويلة حافلة بالنجاحات، وسط صعوبات مرعبة، لذا يجب تأكيد أن المعنى يقبع فى احترام المبنى والاهتمام به، إذ إنه لا فصل بين المبنى والمعنى لتلك النماذج من الرواد».
وأتم بقوله: «المكان له دور حيوى فى الحفاظ على مكانة وعراقة تجربة فاطمة رشدى، فهى أثر فنى مميز يجب الحفاظ عليه، كما أن موقع مسرحها مميز، ويفرض على عشاق المسرح السعى الجاد للحفاظ على المبنى».
تصريح واحد يا وزير الثقافة
وصف أحمد خميس، الناقد المسرحى، ما يتردد حول المسرح العائم بأنه «مسألة كارثية»، معتبرًا أن الأكثر غرابة هو ألا نجد أحدًا من المسئولين فى وزارة الثقافة يعطى تصريحًا واحدًا عن الموقف، وكأن الأمر عادى ومتوقع ولا حاجة إلى تفسيره.
وتساءل «خميس»: «إلى هذا الحد وصل الأمر، حتى بعد وجود تصريح عن الموقف الجلل الذى يحدث؟»، مضيفًا: «على أى حال، تلك أمور متوقعة ممن لا وقت لديه كى يعرفنا بالموقف، فالفكرة الأساسية بالنسبة لهؤلاء المسئولين الخانعين، هى أين أنا؟ وكيف يمكن تلميعى فى كل حدث جديد؟ وكيف يمكن لاسمى أن يروج فى الأوساط الفنية وغير الفنية، إنما مسرح يتم خصمه من حصة المهتمين بالمسرح، أو آخر يروج لانتهاء مدة تأجيره، فهذا أمر عادى ومتوقع ولا حاجة للتعليق عليه»، وفق تعبيره.
وواصل: «بالطبع فاجأنى الخبر الجلل كغيرى من المهتمين بالشأن المسرحى، ولا أعرف بالضبط لماذا يتم الجور على المسارح بهذه الكيفية. كما لا أعرف لماذا لم يوضح لنا وزير الثقافة أو من ينوب عنه الموقف بالضبط؟».
وأكمل: «قد نسمح بهدم مسرح ما على أن يُعاد بناؤه وفق أحدث تكنولوجيات المسارح فى العالم، ويمكن فى هذه الحالة أن يتحول لمجمع فنون مختلفة، وورش تدريب، وصالات عرض صغيرة، مع استيعاب أفكار الفضاءات المغايرة التى تعطينا مساحات متطورة، وتخرجنا من صندوق العلبة الإيطالية المعتاد، والتى تم التمرد عليها فى الأبنية الجديدة لمسارح العالم».
واختتم بقوله: «إما أن نتخلى بهذه الطريقة وهذا الأسلوب عن مسرح بشكل كامل، فيبدو بالنسبة لى أمرًا مريبًا ولا يجب مروره، وإلا فقدنا وجودنا فى المستقبل».