«والسيسبان اشتكى».. سيرة مطرب سرقه العندليب وأم كلثوم ومحمد سعد!

حالة غريبة تنتابنى كلما سمعت محمد منير يغنى «الكوبليه» الشهير من أغنيته الأشهر: «يالالالى»:

وجدتنى كل مرة أسأل عن الشاعر الذى وصل إلى هذه «الصورة»، بكل دلالات كلمة «صورة»، حسية وبصرية وتخييلية. وكل مرة أيضًا كانت تأتينى الإجابة: الشاعر حافظ الصادق، الذى يعتبر من رواد فن «السمسمية»، وإليه يُنسب تأليف أغنية «أبويا وصانى» الشهيرة، والأغنية الأخرى المستمدة من كلماتها وألحانها «يا اللى شغلانى»، غناء إبراهيم عبدالقادر.

لكن كتاب نادر يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضى قادنى إلى النسخة الأولى من «يا لالالى»، بل والنسخة الأولى أيضًا من أغنية «ظلمونى الناس» لكوكب الشرق أم كلثوم وبيرم التونسى، إلى جانب أغانٍ ومواويل و«طقاطيق» أخرى، يقف وراءها مطرب لم يأخذ حقه من الشهرة، اسمه محمد أفندى العربى.

سلطان الفن البلدي

الكتاب موضوع هذه السطور يحمل عنوان: «أغانى ومواويل وطقاطيق المغنى الشهير محمد أفندى العربى»، المطبوع على نفقة «المكتبة الذهبية» لصاحبها أمين أفندى الذهبى، التى لم ينس أصحابها تذكير قراء الكتاب بعنوانها: «بجوار الأزهر الشريف فى مصر».

محمد أفندى العربى هو واحد من أشهر مُطربى الغناء الشعبى، بل ويعتبر من أهم رواده، حتى إنه لُقب بـ«سلطان الفن البلدى»، وهذا وصف زمانه الذى عاش فيه لـ«الفن الشعبى»، وذلك خلال حياته القصيرة التى وقفت عند محطة الـ٤٣، وتحديدًا من ١٨٩٨ إلى ١٩٤١.

وكما القصة المعتادة، رفض عوض العربى، أحد أكبر تجار الفيوم، التحاق ولده بركب «الصييتة» و«المزيكاتية»، لكن ندهته «نداهة» الفن، وتمثلت هذه المرة فى صبى يقود جملًا مُحملًا بالبطيخ، ويغنى وكأنه أوتى مجامع الطرب: «يا حلوة ياللى جمالك سبانى».

من هنا أقسم «ابن الحج عوض» على أن يعمل بالغناء، فهجر منزله، مُطاردًا حلمه الكبير، وصولًا إلى القاهرة، حيث التحق بنادى الموسيقى الشرقية، الاسم القديم لمعهد الموسيقى العربية.

ويكفى لمعرفة المكانة التى وصل إليها «أستاذ فن الموال»، الإشارة إلى أن أغلب فنانى عصره، تتلمذوا على صوته وأسلوبه، ومن بينهم فريد الأطرش ومحمد عبدالمطلب.

ومن أشهر أغانى محمد أفندى العربى: «عين الحسود فيها عود يا حليلة، وعلى حسب وداد قلبى يا بوى، وعطشان يا صبايا دلونى على السبيل، ويا ١٠٠ ندامة على اللى حب ولا طالشى، ويا حلو يا اللى على خدك، وآهين على سوء بختى، وإتنين وإتنين ياقاضى الغرام، وأنا كل ما أقول التوبة يابوى»، وغيرها الكثير.

ولا أعرف إذا كان محمد أفندى العربى هو من ألف هذا الكتاب، وجمع فيه الأغانى والمواويل و«الطقاطيق» التى قُدمت فى وقت كتابته إياه، أم أن الكتاب «تجميعة» لأغانيه الخاصة، وإن كنت أميل إلى الترجيح الأول، لاحتواء الكتاب على أسماء مطربين بجانب أغانٍ معينة، مثل سيد درويش وأغنيته «والله تستاهل يا قلبى»، فضلًا عن منيرة المهدية وزكية المغربية.

السيسبان اشتكى

مما ورد فى كتاب: «أغانى ومواويل وطقاطيق المغنى الشهير محمد أفندى العربى»، موال سباعى يمكن اعتباره النسخة الأولى لأغنية محمد منير الشهيرة «يا لالالى»، التى قدمها عام ١٩٩٩، ويبدو أن هناك من سبقه إليها بـ١٠٠ عام.

الأغنية الواردة فى الكتاب تحت تصنيف «موال» تقول كلماتها:

إن زاد بى الشوق ابعت لك سلام مع مين؟

يا اللى غرامك طحن جسمى شمال ويمين

لما دخلت الجنينة عيط الياسمين

والسيسبان اختشى والورد قال دا مين

قال العنب افتحوا للعاشق المسكين

لا حد قبلك ولا بعدك فى الجمال مفرد

إلا أنت يا حلو متمكن قوى تمكين

ويمكن بسهولة مقارنة التشابه بين هذه الكلمات، و«الكوبليه» الأشهر من أغنية «منير»:

أول دخولنا الجنينة... عيط الياسمين يا لالالى

والسيسبان اشتكى... الورد قال ده مين يا لالالى؟!

قال العنب: افتحوا... دا العاشق المسكين يا لا لا لى

ظلموني الناس

أغنية أخرى أكثر شهرة هى «ظلمونى الناس»، التى قدمتها أم كلثوم فى أوائل الخمسينيات، من تأليف بيرم التونسى، ويبدو أن هناك «نسخة أولى» لها بعنوان آخر، أو يمكن أن نقول هذه المرة إنها مستوحاة من تلك «النسخة الأولى».

الأغنية الواردة فى الكتاب تحت عنوان «تهمونى الناس» تقول كلماتها:

تهمونى فى حبك تهمونى... الله يجازيهم ظلمونى

مش فاكر ليلة ما رأيتك وناديتك.. فى ساعة عرفت طريق بيتك

بحواسى الخمسة وفنونى

ده غرامك ما كان على بالى.. وخِلافه ما بقاش يحلالى

ما يصحش تهجر يا غزالى.. وتخلى العُزال يلومونى

الله يجازيهم ظلمونى

أما كلمات أغنية أم كلثوم وبيرم التونسى فتقول:

ظلمونى الناس ظلمونى

والجانى سابوه واتهمونى

ظلمونى الناس ظلمونى

ظلمونى والحق معايا وسقونى من مُر أساهم

ولا حنوا على ضعف ضنايا والدنيا عليا مساعداهم

وأنا قلبى كسير ولا ليا نصير ولا أملك غير دمع عيوني

ظلمونى ظلمونى الناس ظلمونى

أحمد برين

ما يمكن رصده كذلك من الكتاب النادر، هو تشابه المواويل الواردة فيه مع «السباعيات» التى اشتهر بها المُنشد أحمد برين.

و«السباعيات» عبارة عن شكل شعرى، يتكون فيه الموال من ٧ أبيات، ٣ منها بقافية، و٣ بقافية أخرى، مع انتهاء البيت السابع بنفس قافية الأبيات الثلاثة الأولى.

وهناك لون أكثر صعوبة من هذه «السباعيات» أتقنه «برين»، يتمثل فى نفس الشكل السابق مع الالتزام بأن يكون الشطر الأول للبيت السابع الأخير من نفس قافية الأبيات من الرابع إلى السادس.

مثال ذلك من الوارد فى الكتاب، ويتشابه مع سباعيات «برين»:

يا ٣٠٠ مرحبًا يا زينة الدنيا

إن بِتم حِدايا أغرم الروح والدنيا

إن زرتنى بس ليلة يا غاية قصدى من الدنيا

أعمل وليمة وأدعى الأحبة دول

وأريح القلب اللى له زمان مشغول

ويطيب جسمى كمان من العيا والقول

وأفرح وأكايد الأعادى دول.. وارتاح من الدنيا

واتصالًا بـ«برين» و«سباعياته»، يورد الكتاب تحت عنوان: «موال الطير الشهير»، قصيدة غنائية طويلة عن شخص فقد طائره، فيجوب بلاد الله المختلفة بحثًا عن هذا الطير، وهى نفس «تيمة» الموال الشهير الذى غناه «برين» نفسه بعنوان: «حبيبى لما رحل»، وأبدع فيه عبده الإسكندرانى، فى موال ثانٍ بعنوان: «عصفور ضعيف الجناح»، الذى قدمه الفنان الكوميدى محمد سعد بعد ذلك بطريقة مختلفة، فى الفيلم السينمائى «كتكوت».

على حسب وداد قلبى

بعيدًا عن الكتاب، وتشابه ما ورد فيه من أغانٍ مع أعمال قدمها مطربون آخرون، نجد أن محمد أفندى العربى نفسه له عدة أغانٍ قدمها بصوته، ثم قدمها مطربون آخرون مشاهير بعده، حتى بنفس العنوان والكلمات.

من هذه الأغانى أغنيته «على حسب وداد قلبى يا بوى»، التى تبدأ أيضًا بمطلع أغنية العندليب الأسمر الشهيرة: «على حسب وداد قلبى يا بوى.. وأنا أقول للزين سلامات»، بل والتيمة اللحنية لها تتشابه مع تلك التى وضعها بليغ حمدى، فى بعض الجمل الموسيقية.

لسماع الأغنية اضغط هنا

كذلك الأمر فى أغنية «كل ما أقول التوبة يا بوى»، التى غناها أيضًا عبدالحليم حافظ. بينما أخذت منها وردة المقطع الذى يقول: «دا هواك يانور عنيا وعد ومكتوب عليا ومسطر ع الجبين».

لسماع الأغنية اضغط هنا 

لـ«العربى» أيضًا موال بعنوان: «يا ١٠٠ ندامة على اللى حب ولا طالشى»، تقول كلماته:

يا ١٠٠ ندامة على اللى حب ولا طالشى

ما ضيع المال.. وباع البيت ولا طالشى

مما جرى له صبح غلبان ولا طالشى

صبحت فى بلاد.. والرقى العزاز فى بلاد

والنوم أحرم جفونى.. ولا عاد يجيلى عاد

قتلت حبل الوداد قصر ولا طالشى

لسماع الاغنية اضغط هنا 

الموال نفسه تعرفه الأغلبية بصوت المطرب الشعبى جابر الإسناوى، مع الاعتقاد بأن كلماته من التراث، وليست خاصة بـ«محمد أفندى العربى»، ويقول «الإسناوى» فيه:

يا ١٠٠ خسارة على اللى حب ولا طالشى

فتلت حبل الوداد قصر ولا طالشى

وليه الحزن بيطول وليه الفرح ما يطولشى

طبيب ياغالى تعالى لى أكشف على الجراح

الجسم منى بلى والعضم راخر راح

أنا نمت وصحيت لقيت جمع الحبايب راح

أوصيك يا غلبان ما تندمشى على اللى راح

لو عملت طيرة بجناح غير رزقك ولا تطولشى

كذلك قدم الأغنية ذاتها المطرب عمر الجيزاوى بطريقة كوميدية، فى فيلم «المقدر والمكتوب» عام ١٩٥٣، وتقول كلماتها:

يا ١٠٠ ندامة وكيف ما أزعلشى

على اللى حب يا بوى ولا طالشى

يا عينى على اللى اتشحطط حاله

كانت فى خشمه وطفحوهاله

وقضى ليله.. مسكين يا ويله

وسدوا نفسه وبقى ميكلوشى

أكمنه حب يا بوى ولا طالشى

فى السطور التالية نسافر معكم إلى زمن «الأفندية»، ونستعرض بعضًا من الأغانى والمواويل و«الطقاطيق» الواردة فى كتاب محمد أفندى العربى:

العنب

انسى الهموم أُنسك يدوم... اللى يلوم يفضل يعانى

لون العنب زى الدهب... خلانى أحب الواد فلانى

منه النبيت معصور يا ريت... كنت اشتريت ورقة كمانى

المال ده إيه فى الدنيا ليه... تسأل عليه ده كله فانى

ضم الكروم له عندى يوم... من الفجر أقوم أشبع أغانى

حلوانى هات لى ملبس

حلوانى هات لى ملبس... علشانك أفرح وألبس

سلينى وهات لى مربى... وحايلنى حبة بحبة

وأنا قلبى كله محبة... ولا أحبش حد يلبس

دلعنى وهات لى جوزية... وقدمها بإيدك ليا

وأنا أضحك فى الناموسية... والليلة أنا ما اتنفس

ده حبيبى أنا أريده... والروح والجسم فى إيده

وده ليه بيخلف مواعيده... وإن جانى ده مين يتنفس؟!

بلاش هزار يا بيه

بلاش هزار يا بيه... أحسن بابا محرج

اوعى إيدك يا أبو الإيه... من بعيد كده واتفرج

بلاش هزار يا عنيا... بابا كلمته ماشية عليا

ما تبعد عنى شوية.... ويكفى أدى أنت بتتفرج

إن كنت عايز تعرفنى... ما تروح لبابا وتخطبنى

مفيش غير ماما تنصفنى... وهى عليا لم بتحرج

بلاش هزار فى الشارع... فى البيت مفيش مانع

فى جنينتنا الورد أهو طالع... وعليه نبقى نتفرج

روض الفرج يا روض العشاق

روض الفرج يا روض العشاق... يطفى لهيب قلب المشتاق

فى غصن الروض أنا ستة ونص... الفسحة فى البحر تكيف

لأركب فلوكة وأفضل أقدف... بين الكازينو والوراق

روض الفرج يا روض العشاق... يطفى لهيب قلب المشتاق

زارنى الجميل وأدانى معاد... شاف الفلوكة عذولى أنكاد

غزالى جنبى والعواد... بين القانونجى والرقاق

روض الفرج يا روض العشاق... يطفى لهيب قلب المشتاق

حلوة المانجا

أكل العمدة حلوة المانجا لطيفة المانجا

المانجا عند الفكهانى... تقول زمانى سوانى

لأهديك يا محبوبى منها... سَبت أجيبه من بنها

يا اللى سبتى جدعانها... بالدردحة وكونك فالحة

المانجا دى جوه البستان... تهدى الملك فى كل آوان

انظر لها تبقى فرحان... المانجا سلطانة الفاكهة

ادينى وردة يا بتاع الورد

ادينى وردة يا بتاع الورد... وكمان عضة ومقولش لحد

من الشفة يا حلوة يا خفة... يا بتاعة الورد

ادينى وردة من فضلك... أنا من زمان قلبى يحبك

يكفى دلال... يحرق قلبك!

الورد ده شيلة غية... مش للبيع يا نور عينيا

إن عزت وردة أعطيك ١٠٠... ولا تقولش لحد

ظهر معاى جرح

ظهر معاى جرح جوه القلب ما بيديش

وطبيب لجراح عالطب ما بيديش

والبين داخل لحد الدار ما بيديش

قُلت يا بين هو أنت مالك عرض

فصلت لى ثوب من الهجران زايد عرض

أشكيك يا بين ليوم الحساب والعرض

صابر على الصد والهجران ما بيديش

هلبت يا قلبى

هلبت يا قلب على طول الزمان ترتاح

وتغنم بوصل من تهوى وفيه ترتاح

وحق واحد مهيمن مقتدر فتاح

مسير جروحك على طول الزمان تبرا

ويجبلك الطب لا تعلم ولا تدرى

إحنا سمعنا مثل منقول عن أهل الخير

الصبر يا مبتلى جعلوه للفرج مفتاح

يا أم العليل

يا أم العليل روحى هاتيلك ناس وتع بكى

على ابنك اللى انطرح ع الفرش وتعَبكى

راحوا يجيبوا الدوا من الشام بطلبكى

من كتر ما قسيتى من الهوان والمُر

على ابنك اللى ارتمى على الفراش وزاده

من سوء بخته مسكين وقع الدوا فى البحر

يا كتر تلطيمك يا أم العليل على الأبواب وعتبكى

والله الفراق صعيب

والله الفراق على الحبايب صعيب وتلوف

إذا طال عليهم المطال يخلى جسمهم متلوف

واللى بيعوزو حبيبه يصرف عليه من الدهب مئات وألوف

واللى يلوم المبالى يصبح مبتلى نايح

ويعدم الحبايب ويبقى فى الهموم رايح

ويصيح غراب البين زاعق فى منزله نايح

ويبقى جسمه شرايح من العيا متلوف

نسانى صلاتى الخمس

يا مسلمين قد تملك مُهجتى بالأمس

الخد أحمر مورد ما يطيق اللمس

نجمة عطارد ونجمة فى القمر والشمس

روحوا اسألوا النجمة والقمر والشمس

إن كان جسمى من الفُرقة يطيق اللمس

وسر سورة تبارك والضحى والشمس

بُعدك عن العين نسانى صلاتى الخمس!

يا مين يجيب حبيبى

يا مين يجيب حبيبى وياخد من عيونى عين

ونص التانية ويفضلى بقية عين

قالوا نجيبلك مداوى قلت ولا ألفين

قسمًا بالله وصوم العام يلزمنى

ما أفوت حبيبى ولو تروح بقية العين!