الخميس 19 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

عبدالغنى العقالى.. يا ليتكم تكذبون مثل كذبه!

عبدالغنى العقالى 
عبدالغنى العقالى 

- الشيخ واقع تحت حصار الاجتزاء و«الطلوع على مسرح السوشيال ميديا»

- من ادعوا قوله «ليلة القدر فى ذى الحجة» لا يعرفون الفرق بين المعنى اللغوى والاصطلاحى 

- معايير الإبداع مقاييس هجرها العلم لكن النقاد مغرمون بها

- «كارهو الصوفية» يتصدرون كتائب الهجوم والسخرية من ابن البدارى

- هل سمع المعترضون عليه خطبة كاملة له؟ هل بحثوا عن مصدر ما يقوله؟

«إن شاء الله يموت».. «يا ريته مات وارتحنا منه».. «ربنا يعجل بهلاكه».. هذه وغيرها الكثير من التعليقات المشابهة، استقبل بها قراء «الدستور» تصريحات نقلتها عن أحد أفراد عائلة الداعية الإسلامى عبدالغنى العقالى، ينفى فيها ما تردد عن وفاة الشيخ. 

قبلها بساعات، كان شاب من محافظة الشرقية يكتب فى إحدى المجموعات الشهيرة على «فيسبوك»، وعلى وجهه ابتسامة ساخرة تمتلئ بالكراهية والشماتة، ومن قبلها الكذب البين: «لا حول ولا قوة إلا بالله، خالى وحبيب قلبى لسه متوفى حالًا، محتاج دعواتكم»، مُرفقًا كلماته بصورة للداعية ابن قرية «العقال بحرى» التابعة لمركز البدارى بمحافظة أسيوط.

تعليقات قراء «الدستور»، وما فعله الشاب الشرقاوى، الذى تمتلئ صفحته بمنشورات السخرية من الشيخ عبدالغنى العقالى، تعكس ما يحدث مع هذا الداعية الإسلامى، الذى يتعرض لحملة شديدة القسوة، يرفع أصحابها شعار «الدفاع عن الإسلام»، حتى لو كان ذلك بالاجتزاء والاقتطاع والكذب والشماتة والكراهية. 

والحقيقة أن الموضوع لا يتعلق بشخص «العقالى»، ولا بصحة ما يقوله من عدمه، ولا الاعتراض على طريقته فى الدعوة أو الإعجاب بها وتأييدها، بل يرتبط بظواهر اجتماعية أخرى انتشرت بقوة خلال الفترة الأخيرة، ومن المهم إلقاء الضوء عليها.

ليلة القدر فى ذى  الحجة

يمكن اعتبار الشيخ عبدالغنى العقالى ضحية لعدة ظواهر اجتماعية، حاصرت هذا الرجل، بعدما حاصرت غيره من قبل، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى، يأتى فى مقدمتها الاجتزاء أو الاقتطاع.

يتجسد ذلك فى انتشار مقاطع صغيرة من خطب كاملة لـ«العقالى»، كونت وجهة نظر معينة حوله، وحصرت الحكم على علم هذا الداعية وشخصه فيما تتضمنه هذه المقاطع المجتزأة.

هل سمع أى من المعترضين على «العقالى» خطبة كاملة له؟ هل سمعوا الحديث الكامل الذى تتضمنه المقاطع التى يتداولونها على صفحاتهم وحساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعى؟ هل أصلًا بحثوا وراء ما يعترضون عليه، وإذا ما كان موجودًا فى الدين أم لا؟ 

بل السؤال الأهم من ذلك، لو ألقى «العقالى» واحدة من تلك الخطب المكتوبة «الباردة» المُرسلة من وزارة الأوقاف، هل كان هؤلاء المعترضون سيرضون عنه؟

من صور الاجتزاء والافتراء التى تعرض لها هذا الرجل، ما حدث مع مقطعه الأشهر، عن «المستشار» الذى جبر بخاطر «بائع ترمس» فى الإسكندرية، فجزاه الله عن ذلك زيارة إلى بيته الحرام.

لو سألت أيًا من المعترضين على الشيخ والمتصدرين لحملة الهجوم عليه، عن الرجل ورأيهم فيه، لردوا فورًا من دون تفكير: «ألم تر قصة بائع الترمس والمستشار، التى يقول العقالى فيها إن ليلة القدر فى ذى الحجة؟».

ترجع إلى المقطع لتسمع ما قاله الرجل من جديد، فلا تجد فى كلامه «ليلة قدر فى ذى الحجة» ولا يحزنون، كل ما فى الأمر أنه يقول على لسان «بائع الترمس»، ردًا على «المستشار»، عندما شكر إياه على «رحلة الحج الربانية»، التى جاءته بعدما جبر بخاطره: «إحنا دعينالك وكانت ليلة القدر».

أى شخص لديه القدر الأدنى من التفكير سيُدرك أن «ليلة القدر» هنا تعبير مجازى، فالرجل، وهو «بائع ترمس» لا يعرف الفارق بين المعنى اللغوى والمعنى الاصطلاحى، يقصد «دعوت لك ففُتحت لك طاقة القدر»، أو «دعوت لك فجاءت الاستجابة كاستجابة ليلة القدر»... هذه واحدة.

الطبيب Vs الداعية

يتداولون للرجل أيضًا، ويتركون فى المقابل خُطب وأحاديث ودروسًا أخرى، قصة عن رجل ذهب إلى طبيب، فوجد هذا الطبيب كما «حسين العكرش»، فى جوابات «حراجى القط» إلى زوجته «فاطنة أحمد عبدالغفار»: «حسين العكرش ده اعتبريه دكان... بياع بيتاجر فى الإنسان»، يطلب منه مبلغًا ماليًا ضخمًا لإجراء عملية جراحية له فى ظهره.

«يُفاصل» الرجل فى المبلغ ويرفض الطبيب، فما كان من المريض إلا أن ذهب مُغاضبًا، وأثناء نزوله على السلم تنزلق قدماه ويسقط، فينصلح ما فى العمود الفقرى من خلل، ولا يحتاج إلى جراحة.

لن أقول لك صدق هذه الحكاية أو ارفضها، رغم أن قُرانا تمتلئ بمثلها، رأيناه بقلوبنا قبل العيون، لكن أتعلم أن هناك مئات الآلاف من المصريين، قبل بضع سنوات، كانوا يشاركون قصة مماثلة كتبها واحد من أشهر أطباء الكبد فى مصر؟

روى هذا الطبيب أن مريضًا أتاه فى المراحل الأخيرة من سرطان الكبد، واستنفد معه كل شىء، حتى إنه أخبره فى المرة الأخيرة ألا يأتيه مرة أخرى، وبعد فترة، فوجئ بهذا المريض يدخل عليه، ومعه مجموعة من الأشعة الطبية، وكانت المفاجأة أن الكبد عاد إلى سيرته الأولى، وكأنه لم يكن يعانى من أى شىء.

سأله الطبيب عن هذا الدواء الذى لم تصل إليه معرفته، ولم يقرأ عنه فى أى مرجع طبى من قبل، فما كان من الرجل إلا أن قال له: «هذا سر بينى وبين ربى، لن أطلع عليه أحدًا».

من كَتب هذا الكلام واحد من أكبر علماء طب الكبد فى مصر، فما الفارق بينه وبين رواية عبدالغنى العقالى؟ لماذا قبلناه من الطبيب، وهو متعهد العلم الدنيوى بمادياته البحتة، ولم نرضه من الداعية، وهو المهموم بعلم قائم فى جُله على غيبيات؟!

كتائب كارهى الصوفية

لم يكن الشيخ عبدالغنى العقالى ضحية الاجتزاء فحسب، بل كان من أسرار الهجوم الكبير عليه هو «كُره الصوفية»، حتى مع عدم إعلان الرجل عن انتمائه إليها من قريب أو بعيد، وهو شرف لا يهرب منه عاقل.

كل ما فى الأمر أن له صورة مع الشيخ جابر البغدادى، وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية مدير عام مؤسسة «حى على الوداد لعلوم القرآن الكريم»، الذى يُهاجم هو الآخر من نفس «الكتائب الإلكترونية»، لمجرد الدعوة إلى الحب وقبول الآخر والابتعاد عن الكراهية.

والغريب الذى يحتاج إلى رصد، أن هذه «الكتائب الإلكترونية» لا تنتمى إلى جماعات «الإسلام السياسى» بكل تشكيلاتها وتنوعاتها فحسب، أو حتى «اللى مش منهم بس بيحترموهم»، بل إن الكثير منهم شباب صغير، يُظهِر تعصبه الشديد فى وجه الصوفية، بنفس الطريقة التى يتعامل بها مع تشجيع فريقه الكروى، فى مقابل كُره شديد للفريق المنافس. 

والأغرب أن من يتزعمون الهجوم على الصوفية، وأخذوا عبدالغنى العقالى فى طريق كراهيتهم لها، لا يعرفون أن الكثير مما يقوله ابن البدارى مُستمَد من كُتب التراث، التى يُعلن هؤلاء أنفسهم عن استعدادهم للوقوف أمام المُطالبين بتنقيحها وتنقية ما فيها حتى بالسلاح.

فإذا أخرج «العقالى» من هذا التراث، ما يمكن أن «يُرقق» قلوب مستمعيه، ويجُملهم بأخلاق الصحابة والتابعين ومن تبعهم، أعلنوا عليه «حرب السخرية» واتهموا إياه بـ«الخروج من الملة» و«الابتداع».

أما أن يخرج كبار دُعاتهم ويتحدثوا عن قصص مثل مالك بن نويرة، أو أحكام الزنا بالحيوانات، وغيرها مما لا يتحمله عقل ولا لسان فى عصرنا الحالى، فهذا مُباح و«ما دونه الرقاب»، حتى لا نقع فى «خطر تبديد الدين».

أعرف جيدًا «العقال بحرى»، القرية التى يعيش فيها الشيخ، ويخطب بين أهلها، هناك فى مركز البدارى بمحافظة أسيوط، حيث يتندر أهالى المركز أنفسهم على عصبيتهم، بالقول إنهم يزرعون ويبيعون الرُمان لمدة ٦ شهور، ثم يقضون الـ٦ الأخرى من السنة فى مشاجرات وخصومات ثأرية بالسلاح الذى اشتروه من بيع هذا الرمان.. فهل تطلب من الشيخ عبدالغنى العقالى أن يحدث أهلنا الطيبين هؤلاء عن الأشعرية والماتريدية، والفرق بين الكلمة والكلام والكلم والقول واللفظ؟!

وأصلًا ما ضرر الدين من قصة لمستشار أو رجل أعمال جبر بخاطر رجل فقير فجزاه الله بزيارة بيته الحرام؟ ألا يتوافق ذلك مع قول الرسول الكريم: «صنائع المعروف تقى مصارع السوء، وصدقة السر تُطفئ غضب الرب»؟ ما ضرر الدين من قصة رجل أعياه المرض وتجبر الطبيب، فدعا الله مُخلصًا له الدين فاستجاب الله له وشفاه وعافاه؟ ألم يقل الرسول الكريم أن «الدعاء مخ العبادة»؟

الطلوع على  المسرح

إذن وقع الشيخ عبدالغنى العقالى ضحية الاجتزاء وكُره الصوفية و«كتائب المتعصبين الجدد»، ويرتبط بالأخيرة تلك ظاهرة أخرى أسميها «الطلوع على المسرح».

«السوشيال ميديا» -أجارك الله – ذات تأثير فظيع لا يمكن إنكاره، هى بمثابة مخدر قوى قادر على تخدير عقلك وكل حواسك، وجعلك تقتنع بما يُقال عليها، حتى لو ضد قناعاتك التى تؤمن بها، عملًا بالمثل الشعبى «الزن أمر من السحر».

«السوشيال ميديا» هذه لو أمسكت بشخص و«طلعته مسرح»، فلتنسَ أن تتغير الصورة الذهنية التى تكونت عنه جراء هذا «الطلوع»، إن صح التعبير، حتى لو كانت هذه الصورة الذهنية خاطئة تمامًا.

فى حالة «العقالى» مثلًا ستتعاطى مع مقاطع الفيديو الخاصة به، ستتعرض إلى «الزن الأمر من السحر»، فتضحك مع هذه الفيديوهات، ثم يجرفك «الترند» فى طريقه، وتبدأ السخرية من الرجل مع الساخرين.

ستقول هذا الرجل الذى جعل «ليلة القدر فى ذى الحجة»، الفيديو أمامك ويمكنك مشاهدته وسماع ما فيه، لكنك الآن مُخدر تمامًا، لن تقول إلا ما ستقوله «السوشيال ميديا»، ولن تخرج عن إجماع «الترند».

لن ترى «العقالى» إلا فى صورة «المبتدع» الذى «يكذب على الله ورسوله»، و«يروج لقصص وروايات وأحاديث موضوعة وضعيفة»، خاصة مع التأثر الكبير بـ«الميمز» و«الكوميكس» التى تملأ «الهوم» لديك، وتحمل كلمات للرجل من نوعية «كم فى الزوايا من خبايا»، رغم أنها عبارة طالما رددها أساطين السلفية على مدى سنوات طويلة، وأصبح أتباعهم يسخرون منها الآن، لأن قائلها «طلع على المسرح».

أخيرًا، ما رأيك لو سرنا معك فى طريق الهجوم على الشيخ عبدالغنى العقالى، وقلنا كما تقول «يكذب على الله ورسوله»، هل أنت مستعد لتقارن تأثيره مع تأثير ما يقوله «من لا يكذبون على الله ورسوله»، ويدعون إلى القتل والتدمير والحرق، على المجتمع والناس؟ 

لقد قارنت، وأقول لك بكل صدق واقتناع: يا ليت هؤلاء يكذبون على الله ورسوله ككذب «العقالى»!