رفاعى سعدالله يكتب: أصداف حزينة
أَبِى وعَم حسن صديقان مُنذ الصِغَر، لمَا ضاق بهما العيش سافرا معًا إلى إحدى الدول الأجنبية، قرر عم حسن أن يكون أولاده فِى رفقةِ جَدَتِهم من أمِهم؛ لِترْعَاهُم فِى غِيابِه، أمَا وَالِدى فَقدْ ترَكَنا فى بيتِنَا- فَهَو يَعْتَمدُ علىّ فأَنا أكْبَرُ إِخْوتى- بَعدَ أنْ طَمْأننى بأنَ البَحرَ وحدُه مَا يَفْصِلُ بيننا.. سافرا ولمْ يَصحبا مَعهما إلا تِلكَ المِهنَة الَتى تَميزا بِهَا عَن الْجَمِيع؛ فَهُما مَاهران فِى عَملِ الأرابيسك، يشتركان معًا فى عُمل كل قطعة، أكَاد أعرفُ مشغولاتهما مِنْ بَيْن آلاف المشغولات، رَغم أنَنى لا أعرفُ بصمة كُل مِنهما على حِدة، كل شهر أتلقى رسالة ورقية؛ تطمئننا عليهما، كل شهر يصلُ راتبُنا عن طريق البريد.
قَررتُ يومًا أنْ أتَجِه نَحوَ البَحر. فمُنذ أيام أُعانى مِنْ كابوسٍ مُزعِجِ؛ جَرَفَت الأَمْوَاجُ قِطعةً مِنْ الأرابيسك، دَقَقتُ النَظر فيها: الخَشب نَفس النَوع هو خشب الأرَاجوز؛ فَكان أبى وعم حسن يُفضِلانه على الزان، الأصداف مرصوصة بنفس الطريقة، حتى النحَاس مُطعم بنفس الطَرِيقة، ولَكَنى وجَدتُ نَفْسِى أَشعُرُ بغُربة نحوها، دققَتُ النَظَر أكثر فوجدت الأصداف حزينة وكأنها تشعر بنفس الغربة.
عُدتُ مُكْتئِبًا.. أخِى الصَغِير أعْطَانى رِسَالة مُحتواها: «مَات صَديقى العزيز، الإمضاء والدِكم، ملحوظة سأرسل لكم نِصفَ الَمبْلغَ فأنا الآن أعُول أسرَتين»، حَزِنت كَثِيرًا، فَوَجَدتُ مِنْ الوَاجِب أنْ أعَزِى أولَاد عم حَسن رغم أن والدى لمْ يَطلُب مِنى ذَلَك، فسَافَرتُ إلِى بلد جَدتِهم البَعيدة، قابلونى بحرارة.. بكيْنا جَميعًا، وعلى منضدة صغيرة لَمَحتُ رسالة مطوية تنَاولتها، قَرأتُها؛ كَلِمَاتُها نَفْس كِلمات رسالتنا، حتى إننى ظَننْتُهَا هى، أخْرجت رسالتنا من جيبى لأتأكد أنهما رسالتان، اندهشت.. اندهشنا جميعًا؛ كل شهر تصل لكل منا رسالة تطمئننا عليه، كل شهر يستلم كل منا نصفَ المَبلغ؛ عم حسن وأبى كانا صديقين مُنذ الصِغر.