جمال بدوى يكتب: زهرة الخريف
تجيئين بعد هطول المطر
وبعد النماء وجنى الثمر
فأيناك حين استبد اشتياقى
وفاض ربيعى صبا وازدهر
وكنت أصوِّرُ حلمًا سعيدًا
وأنثر فى الأفق وهم الصور
أُفتشُ فى عمق صدرى أوارى
فؤادًا تشتت بين الفكر
وكان الجنون حلالًا وسحرًا
ويحرم بعد انتصاف العمر
تجيئين بعد اكتمال العناء
وعجز القصيد ويأس الوتر
فأمسكتُ قلبى وأيقنت أنى
بحولٍ تكسَّر دون المفر
أسوقُ للنفس والشوق عمرًا
يُسافر دومًا بلا مستقر
تريدين ردة قلبٍ مُنيبٍ
يودِّعُ آخر جُرح ضَمر
بعينيه نور الصفاء المجيد
يرى كل شىء بهى الغرر
تجيئين مثل انتصاف القمر
وضوؤك فى مقلتى ينحسر
وعمرى تبعثر بين الأمانى
يكابد قهرًا وحظًا عَثر
فللعشق نارٌ ونور وحلم
ووهمٌ يقرِّبُ بُعد السفر
وأسلمت روحى رضيًّا إليه
فأضرم فى صمتها واستعر
وما زال قلبى يهاب الحنان
ولفح الهجير بجوف السحر
برئت من العشق والقلب روض
من اليبس أضحى يحاكى الحجر
تجيئين فوق غمام السنين
بصفو اللقاء وحلو السمر
فوالله لولاه ربٌ عظيمٌ
وأنّى فقيرٌ وأخشى سَقَرْ
لكنت أريتك ما لا ترين
وأنفذت مكرًا غريب الصور
فإن شئتِ قولى عصىّ الهوى
وإن شئت قولى عديم النظر
فكيف أبوء بسخط وأحيا
وهم الضعيف رضا المقتدر
تجيئين مثل انبعاث اللهيب
وضنك الشقاء ووخز الإبر
أشيحى بوجهك إنى ضعيف
وبعضى صفىٌّ وبعضى عَكِر
وسطوة حسنك قد تستبينى
وينفذُ وهجك مثل الشرر
وأفتح للقلب سجنًا جديدًا
حرامٌ لقلبى أن ينفطر
تأخر سيرُك عنى فولى
فمن كان يومًا يردُّ القدر؟
فغنى لحظك مثلى وذوبى
فكم ذاب فى الحب بعض البشر.