محمد أبوالسعود.. مخرج ثائر من جيل التسعينيات
محمد أبوالسعود "نوفمبر ١٩٧١- ٢ فبراير ٢٠١٩" أحد أهم مخرجى جيل التسعينيات فى المسرح المصرى قدم فى حياته القصيرة مجموعة من العروض المسرحية جسدت ملامح التحولات التى مر بها المسرح فى حقبة التسعينيات، أعرفه جيدًا منذ مطلع التسعينيات فى القرن الماضى مخرجًا متميزًا يبحث عن أشكال جديدة متمردًا على السائد والمألوف ودائمًا ما كانت عروضه تثير الجدل، وهو يمثل الجيل الذى تفتح وعيه على حدثين كبيرين فى المسرح المصرى، ظاهرة المسرح الحر ومهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى، كلاهما ترك أثرًا كبيرًا فى جيل التسعينيات، حيث كان الحدث الأول عنوانًا للتمرد والبحث عن آفاق جديدة للمسرح، والثانى جاء بمثابة نافذة على المدارس والتيارات المسرحية الحديثة فى العالم، حين قدم للمشاهد المصرى عشرات العروض التى تمثل هذه الاتجاهات، ومحمد أبوالسعود ناتج هذه الحقبة التى شهدت العديد من التحولات، ليس فقط فى المشهد المسرحى، بل فى الحياة الثقافية بشكل عام، أسس فرقة "الشظية والاقتراب" عام ١٩٩١ وكانت من الفرق المسرحية المستقلة الأولى التى أسسها الشباب فى تسعينيات القرن الماضى، وقدم من خلالها عرض "العميان" فى المهرجان الثانى للمسرح الحر، ثم عرض جبل الطير ثم توالت عروضه الاحترافية، فقدم ١٩٩٥ "بريسكا والخروج من الموت نهارًا" من إنتاج مركز الهناجر الذى أنتج له بعد ذلك تقريبًا كل أعماله "ساحرات سالم- لير" لإدوارد بوند- جاك وسيده- فيدرا سيدة الأسرار- أحلام شقية لسعدالله ونوس- البلكونة لجان جينية- أنتيجون فى رام الله، أنتيجون فى بيروت - قداس جنائزى لموتسارت- وكان آخر عروضه ومن تأليفه أيضًا "إفريقيا أمى"، وكتب محمد أبوالسعود العديد من النصوص المسرحية وشارك فى تصميم السينوغرافيا لمجموعة من العرض.
هذا المخرج الذى تمر ذكرى رحيله الخامسة هذه الأيام، ينتمى مشروعه المسرحى فى مجمله إلى ما يعرف بمسرح الصور الذى يؤكد على أهمية البعد الكيفى فيما يتعرض له من فنون تشكيلية، مثل الرسم والنحت، وبذلك يُدخل التجربة المسرحية فى سياق ترتيبى زمنى إلى تجربة تنشطها انطباعات الحواس ويسودها عامل المكان، وكما هو الحال فى الفن التشكيلى الحديث فإن مسرح الصور أيضًا لا زمانى فهو دائمًا ما يوزع الرؤية الزمانية بين الزمن المجرد والزمن المباشر.. حتى فى الأعمال التى لا تخلو من طابع سياسى يصل إلى حد الهجاء وأيضًا النصوص الأخرى التى قدمها لكتّاب من اتجاهات ومدارس مسرحية مختلفة كلها دخلت إلى معمل أبوالسعود المسرحى، ليس بغرض الإعداد أو الكتابة أو صيغة الدراماتورج، ولكنه كان يعمل وفقًا لرؤية المخرج المسرحى ليس فقط للنص، ولكن للعالم ومن خلال أدواته، من خلال قناعته ممثلة فى الصورة وقوتها وتأثيرها دون التخلى عن الكلمة والدفاع عن الحرية فى كل صورها وتجلياتها، وكانت النتيجة مسرحًا مُبهرًا جمع فيه بين الصورة والكلمة ومزج بينهما بحرفية وأفاد من التكنولجيا وسوف يستمر هذا الاتجاه سمة أساسية فى أعماله على مستوى الكتابة والعرض أيضا.
جاء أول عروض أبوالسعود الاحترافية "بريسكا" عام ١٩٩٥ مارس عن نص توفيق الحكيم مع مجموعة من النصوص الشعرية الجديدة فى ذلك الوقت "من شعراء التسعينيات" من خلال مجموعة من التابلوهات التى عُرضت على المسرح والتى كانت تنقل المشاهد إلى زمن آخر، زمن العرض، وقد اعتمد عرض بريسكا بشكل أساسى على التابلوه وخيال الظل والاستعرض الراقص والموسيقى والغناء، الذين شكلوا رؤية سينوغرافية أفادت العرض إلى جانب الشعر، وهذه المفردات جسّدت فيما بعد الملامح الرئيسية فى مشروعه المسرحى، جاء العرض مجموعة من اللوحات جمعت بين الرقص والموسيقى والصور وخيال الظل والشعر والحوار المكثف، لوحات استعراضية راقصة اعتمدت على الحركة والرؤية البصرية، ودون شك هذا العرض هو الأساس فى مشروعه، والذى قدم من خلاله رؤية متمردة لمخرج شاب ثار على كل القوالب الجامدة وحاول تقديم مسرح مغاير هو مسرح الصور الذى يغلب على لوحاته الطابع الشعرى ولا يخلو من الهجاء السياسى، بالإضافة إلى الحس المأساوى، الذى سيكون ضمن البناء العميق لكل أعماله.