حسين حمودة: ثلاثة أسئلة تحدد معايير قيمة العمل الأدبى
معايير تقييم الأعمال الأدبية تمثل قضية إشكالية يمكن إلى حد ما الاختلاف حولها وذلك لاعتبارات كثيرة تتصل بأن هذه المعايير ترتبط بنوع من «أحكام القيمة» التى يمكن تصورها وإصدارها عن الأعمال الأدبية وعليها، وأحكام القيمة هذه لها طبيعة جمالية ومن ثم تخضع لما يخضع له الجمال من نظرة نسبية ومن تعدد الأوجه. ومن وجهة أخرى، يمكن أن تكون هذه المعايير مختلفة، أو على الأقل متنوعة، من فترة تاريخية لأخرى، ومن سياق أدبى وثقافى لآخر، وبالطبع من مجتمع لآخر.
ومع ذلك كله، فهناك قواسم مشتركة، إلى حد كبير، فى معايير تقييم الأعمال الأدبية، أو على الأقل هناك «مبادئ عامة» تحكمها، منها «سؤال الإضافة» «ما الذى يضيفه هذا العمل الأدبى أو ذاك؟»، و«سؤال القيمة» «ما القيم التى ينطلق منها هذا العمل؟»، وسؤال «اختبار نظرية النوع» «إلى أى حد يمثل العمل الأدبى تطويرًا للنوع الذى ينتمى إليه؟».
الجوائز الأدبية ليست أكثر من تمثيل لذائقة القائمين عليها، ولجان تحكيمها، وأحيانًا تكون تعبيرًا عن تصوراتهم وأفكارهم ورؤاهم، ولهذا قد تتباين هذه الجوائز على مستوى نزاهتها.. والأعمال التى تفوز بجوائز تحظى بتسليط الضوء عليها، ويمكن أن تتسع دوائر قراءتها إلى هذا الحد أو ذاك، حسب أهمية هذه الجائزة أو تلك.. لكن هذا كله لا يعنى «تشكيل ذائقة» جديدة من فراغ أو فى فراغ.. الذائقة تتشكل بعوامل كثيرة جدًا، وتتنامى وتتبلور ببطء يتجاوز حدود السنة الواحدة التى هى عمر كل دورة من دورات أغلب الجوائز.
وعلى هذا يمكن أن تكون الجوائز مؤثرة على الذائقة ولكنها ليست المؤثر الوحيد أو الأكثر أهمية، والأمر نفسه يمكن أن ينطبق على «دوائر القراءة» أو «ترند الكتب»، وهى ظاهرة من ظواهر جديدة لها بعض الأثر، أو يمكن أن يكون لها بعض الأثر، على مستوى «التوزيع» لبعض الأعمال، لكنها هى أيضًا، يصعب أن تقوم بتوجيه أو باصطناع ذائقة ما.. وتأثيرها، وتأثير الجوائز، يتسم بعدم الرسوخ، إذ هو مرتهن ببعض الفترات القصيرة أو الطويلة.. ولعل بعض الجوائز الكبيرة تحظى بحضور وبتأثير أكبر من هذه الناحية.
معايير الحكم على الأعمال الأدبية إذن لا تتشكل أو يعاد تشكيلها من سنة لأخرى، ولا من ترند لآخر.. ودور لجان تحكيم الجوائز، أو دور الفاعلين فى «دوائر القراءة»، لا يتخطّى إلقاء الضوء على بعض الأعمال، ثم يكون بعد ذلك الدور الأساسى الذى تقوم به الأعمال نفسها، من حيث قدرتها على «إزاحة» ذائقة ما، أو «بلورة» ذائقة ما، أو «تحريك» ذائقة ما، وهذه كلها «عمليات» تدخل فى نطاق تشكيل الذائقة، وهناك أعمال أدبية كثيرة، فى تاريخ الأدب، قامت بأدوار كبيرة فى إعادة تشكيل الذائقة، أو فى خلق ذائقة جديدة، بعد مرور زمن طويل على نشرها، دون أن تنال أى جائزة، ودون أن يهتم بها أى «ترند»، كما هو الحال مثلًا فى كتابات مثل «قصيدة النثر الفرنسية المبكرة»، أو فى «روايات فرانز كافكا»، وغيرها.