مصطفى الضبع: نحتاج لإعادة النظر فى أسس التحكيم الأدبى
من المنطقى أن الجوائز تضع لائحة تكون بمثابة النظام الفنى للجائزة، وتكون معيارًا لعمل المحكّمين، وعليهم الالتزام بها. هذه المعايير ثابتة، ولا ينقصها سوى ذائقة المحكّم، التى تمثل القيمة العظمى، وهنا تكمن المشكلة؛ إذ تعانى الذائقة النقدية لدى كثير من المحكّمين الآن خللًا واضحًا له أسبابه وعوامل تفشيه، وهو ما يمثل خطرًا على الجوائز، حيث نتج عن ذلك إجازة أعمال ضعيفة المستوى بشكل لافت. هناك أمثلة محددة ومعروفة تكشف عن هذا الخلل، وليس أدل على ذلك من أن بعض المحكّمين يفتقرون إلى الذائقة النوعية، مما يؤثر بوضوح على الجوائز. فهل يُعقل أن يصبح من لم يقرأ رواية واحدة فى حياته محكّمًا فى جائزة ما؟ وأعنى هنا قراءة الرواية فى دوائرها الثلاثية: الرواية المحلية، الرواية العربية، والرواية العالمية.
إن اكتشاف النص الضعيف ليس مسألة صعبة، ويمكن لأى خبير أن يكتشف ضعف المستوى منذ الصفحات الأولى. فهل بعض المحكّمين لا يقرأون؟ إنها معضلة لا تخص القارئ بقدر ما تخص أولًا الجهات القائمة على الجائزة، وثانيًا لجان التحكيم. ولا أعتقد أن من المطلوب قبول هذا الوضع الكارثى.
للأسف، نتج عن خلل التحكيم تأثير سلبى على القراء تجلى فى ظاهرة «البيست سيلر»، وهى ظاهرة مزيفة وشكل من أشكال التزييف الذى يصل إلى حد الاحتيال على القارئ. ولأن القارئ- غالبًا- يفتقر إلى الذائقة، فإنه ينساق للتضليل. فكثير من روايات الترند تفتقر إلى العديد من المواصفات الفنية وتتدنى مستوياتها الجمالية، وخاصة فى اللغة. هناك أعمال صنفتها لجان التحكيم فى مرتبة عليا لكنها ضعيفة جدًا، ولدى قائمة بهذه الجوائز وهذه الأعمال. منذ عامين تقريبًا، كنت أناقش رواية فائزة بجائزة، وكانت من الضعف لدرجة أنها لم تكن تستحق النشر أصلًا.
أرى أهمية إعادة النظر فى لجان التحكيم لتتشكل وفق معايير قائمة على الذائقة والخبرات. على سبيل المثال، يمكن أن يكون هناك تمثيل للقارئ العادى، وليس فقط للنقاد والأكاديميين والإعلاميين. إن آفة التحكيم فى كثير من الجوائز العربية هى «التابوهات» الدائمة، وهناك أعضاء لجان بلغوا من الفساد درجة كبرى بسبب ضمان البقاء، حتى أنهم يتاجرون بوجودهم فى لجان التحكيم. يجب أن تكون اللجان سرية، وتظل كذلك حتى ينتهى التحكيم.
أما معايير الحكم على العمل الأدبى، فيجب أن تكون فنية بالأساس. هذه المعايير ليست صعبة أو مستحيلة، بل تنبع من مركزية جمالية. المشكلة الآن أن السائد هو العمل وفق قاعدة: «ويبقى الوضع على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى التاريخ». القضية ليست فى المعايير، بل فى غياب المعايير أولًا، وغياب الذائقة ثانيًا. المعايير لا تتغير، فالفن يعمل وفق قاعدة: «الجديد لا يلغى القديم»، خلافًا لقواعد العلم حيث يلغى الجديد القديم. وهذا يؤكد أن المعايير الجمالية لا تتغير، فالجمال والذائقة والفن هى قيم لا تتغير مطلقًا. ما زلنا نقرأ «ألف ليلة وليلة»، وسنظل نقرأ نجيب محفوظ والرواية العالمية مهما طال الزمن، لأنها جميعًا تحمل درجات عليا فى سلّم القيم الجمالية.