مصطفى لغتيرى: الاختلالات فى الحكم على الأعمال الأدبية هامشية
رغم المحاولات العديدة لتحديد معايير أساسية للحكم على النص الأدبى وجودته، وترجيح نص على آخر بناءً على عناصر مثل قوة الحبكة وسلامة اللغة والرؤية التى تحكم الكاتب، تبقى المسألة مشوبة بالكثير من الذاتية والنسبية. فالذوق الشخصى يظل حاضرًا ومهيمنًا، إذ إننا فى مجال الفن، والفن عمومًا يتأثر كثيرًا بذائقة المتلقى سلبًا وإيجابًا. وللحد من هذا التأثير، تحاول بعض المسابقات الأدبية وضع معايير دقيقة لتجاوز الفروق فى الحكم على النصوص من قبل المحكمين، بل تسعى بعض الجوائز إلى وضع تنقيط لكل مكون من مكونات النص الأدبى، يخضع له المحكمون. ومع ذلك، لا تسلم النتائج من الملاحظات، وأحيانًا من احتجاجات وطعون.
أما إذا تحدثنا عن التأثيرات الثقافية، وربما السياسية، فإن الوضع يصبح أكثر تعقيدًا. فالخلفية السياسية والثقافية للمحكمين لا يمكن استبعادها، وأحيانًا يتم توجيههم من قبل ممولى الجائزة والقائمين عليها. وقد قرأنا الكثير من الانتقادات فى هذا الصدد، بعضها صائب والآخر قد يكون غير ذى معنى، مثل الادعاء بأن نجيب محفوظ لم ينل جائزة نوبل إلا بسبب موقفه من اتفاقية كامب ديفيد. أرى فى هذا نوعًا من المبالغة، فمحفوظ يستحق الجائزة بسبب تراكماته الإبداعية الروائية التى لا تخفى أهميتها، خاصة فى تكريس فن الرواية فى الثقافة العربية.
ليس الأمر بالبساطة التى تتيح إطلاق حكم معين، فالأمر معقد وتتداخل فيه عدة عوامل، لذا يبقى كل رأى محكومًا بكثير من النسبية. الجوائز متعددة وأهدافها مختلفة، ولكن فى رأيى المتواضع، ورغم ما يُقال عنها، خاصة فيما يتعلق بعدم حيادها، أو الطابع الذى يحكمها سواء كان تجاريًا أو سياسيًا، تظل هذه الجوائز مهمة بالنسبة للأدب. فهى تخلق حالة من التنافس الإيجابى وتحفز المبدعين على الكتابة، كما أنها تغرى البعض ممن لهم شغف بالأدب لمحاولة الكتابة فيه، بالإضافة إلى توسيع دائرة القراء. ولا يختلف الأمر سواء كانت الجوائز عربية أو أجنبية، فهى حين تقدم نصوصًا معينة، تسهم فى تشكيل ذائقة أدبية معينة، ولكن الأهم من كل ذلك هو التشجيع على الإبداع وعلى القراءة.
بسبب طغيان وسائل التواصل الاجتماعى فى الفترة الأخيرة، أصبح لها دور كبير فى الترويج لكاتب أو كتاب معين. ومن نتائج ذلك، أن كتابًا لا يعرفهم أحد من خلال إنتاجاتهم أصبحوا نجومًا فى معارض الكتب. كما حدث مؤخرًا فى المغرب عندما فوجئ الجميع بأفواج من الشباب يقصدون معرض الرباط للكتاب للقاء كاتب شاب لم نكن نسمع باسمه أو نعرف شيئًا عن إبداعاته، وكان السر فى الإقبال عليه هو أن بعض المؤثرين روجوا له بشكل قوى، فكانت النتيجة مبهرة. لكن حين تسأل الشباب عن إبداع الكاتب النجم، تجدهم لا يعرفون عنه شيئًا، بل يطمحون فقط لالتقاط صورة معه.
أظن أن أغلب المحكمين فى الجوائز الأدبية هم من أهل الأدب، إما نقاد أو مبدعون أو أساتذة جامعيون أو من الصحافة الثقافية، لذا فإن لديهم الكفاءة والخبرة للحكم على النص الأدبى. وبالتالى، فإن حكمهم على جودة الكتاب أو ضعفه يتمتع بمصداقية، لكنها بالطبع تبقى مصداقية نسبية، ما دامنا فى مجال الأدب الذى يتأثر إيجابًا وسلبًا بذوق المتلقى. ومع ذلك، نحصل غالبًا من خلال الجوائز على نصوص جيدة تضاف إلى سلسلة النصوص الأدبية التى تسهم فى تشكيل الذائقة الأدبية الجيدة.
عمومًا، أعتقد أن هناك توجهًا للحكم على الأدب من خلال تماسكه الداخلى بعيدًا عن المؤثرات الخارجية كالموقف الأيديولوجى للنص أو الكاتب، وذلك بفضل الدراسات النقدية التى قطعت أشواطًا كبيرة فى هذا المجال. لذا، أصبحنا نطلع على بعض التقارير التى تصدرها لجان التحكيم والتى تتحدث عن تماسك النص وقوة اللغة وشاعريتها، وبناء الشخصيات، وتوظيف جيد لآليات الكتابة، وغيرها مما يدخل فى صميم الإبداع الأدبى. وهذا لا ينفى وجود بعض الاختلالات، لكنها تبقى هامشية وغير مؤثرة عمومًا.