عبدالرحيم مراشدة: العوامل الثقافية والسياسية تؤثر فى معايير تقييم الأعمال الأدبية
يعتبر وجود الجوائز الأدبية محليًا وعربيًا وعالميًا مسألة حيوية تعكس التقدير والإبداع فى المجال الثقافى. إلا أن الأصل فى حركية هذه الجوائز يكمن فى ضرورة وجود استراتيجية واضحة وعلمية ومنهجية، تتناسب مع مستويات الجوائز والقائمين عليها. يجب أن تكون هذه الاستراتيجية متوازنة ومتناغمة مع الثقافة التى تنتمى إليها مرجعيًا، وكذلك مع القيمة المعنوية والمادية التى وضعت لها، ومع الجهة المستهدفة. فلكل بيئة وحضارة خصوصيتها اللازمة، وعندما تكون الجوائز مهمة وعابرة للحضارات، فإن حساسيتها تتضاعف وتحتاج إلى عدالة أكثر وضوحًا وإقناعًا، بعيدًا عن الأيديولوجيات المتداخلة.
تتطلب الجوائز معايير ناظمة تستند إلى قوانين واضحة وغير ملتبسة. حين تستوفى الجوائز هذه القواعد، تصبح أكثر إحكامًا، وقد كانت كذلك فى العصور السابقة، حيث كانت الجوائز ومعاييرها تكتسب ثقة النقاد والمبدعين والجمهور. لقد كانت لهذه الجوائز تأثيرات إيجابية على تحفيز الطامحين لنيل تقدير يتناسب مع جهودهم.
ومع تحولات العصر والحضارة، شهدنا تدخلات سياسية وتغيرات تكنولوجية، وظهور العديد من المشاركين الذين يهدفون للانتفاع، مما أدى إلى تسرب بعض الفساد السياسى. وقد أدت هذه الظروف إلى اختلال التوازن فى مفاهيم الجوائز الأدبية، حيث لم تعد ترقى للمستوى المطلوب. فقد سلط هذا الشك والنقد سهامهما على الجوائز، حتى تلك التى كانت مرموقة مثل جائزة الأوسكار وجائزة نوبل للآداب.
كلما تقلصت المساحة الجغرافية وتضاءلت، زادت فجوات الفساد والتدخلات غير المبررة. وهذا ما حدث فى السنوات الأخيرة، حيث اهتزت الثقة بجوائز مهمة مثل جائزة البوكر وجائزة كتارا. كان عدم إقناع الجهات الفائزة بمثابة جرس إنذار على مستوى الدول والشعوب، وهو ما أدى إلى فوضى ناتجة عن اختلال المعايير وأسس إشراك المحكمين، الذين قد يكونون غير كفء أو مرتبطين بأيديولوجيات تؤثر على آرائهم.
لإعادة الثقة للجوائز الأدبية، يجب تأمين السرية فى اختيار المحكمين، بحيث يتجرد هؤلاء من التعاطف مع أى جهة. كما يجب أن تتوافر استراتيجية متجددة، تعكس حالة من المساءلة فى حال حدوث خلل جوهرى. ينبغى أن تكون المعايير أكثر وضوحًا، وأن تأخذ بعين الاعتبار حقول التخصصات الأدبية والفكرية المعاصرة ومدى آثارها الإيجابية على المجتمع ومنسوب الإبداع والابتكار.
لقد لوحظ فى السنوات الأخيرة وصول روايات عادية للمراحل النهائية من الجوائز، مما يدعو إلى التفكير فى كيفية تمثيل الجوائز للحركة الأدبية فى العالمين العربى والإسلامى. يجب أن تُدار هذه الجوائز من قبل مؤسسات لا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعالم الاستعمارى أو الفكر الوافد، والذى يحاول اختراق القيم العربية.
تُعتبر الجوائز فى بعض الأحيان تحت رحمة الترويج غير النظيف، عبر تكنولوجيا متقدمة وذكاء اصطناعى، مما يؤدى إلى إنتاج نصوص مصنعة ورقمية تطغى على الإبداع البشرى. لذا، يجب أن نكون حذرين من انزلاق المشاركين فى الجوائز إلى قاع الإبداع، دون أن يمتلكوا الحد الأدنى من الخبرة فى الأدب. لتنقية أجواء الجوائز وترسيخ الثقة بها، يجب أخذ جميع هذه المسائل بعين الاعتبار. إن تحقيق انطلاقة واعية تتماشى مع حضاراتنا المحلية والكونية يتطلب إعادة التفكير فى المعايير وإشراك المحكمين بشكل أكثر فعالية. إننى أقول هذا من منطلق خبرتى فى مجال التحكيم لجوائز محلية وعربية ووازنة.