سيد ضيف الله: المعايير الأدبية تختلف بتغير العلاقات الدولية
تظل مسألة وجود معايير أدبية للتمييز بين النصوص الجيدة والرديئة مسألة حساسة تتطلب التأمل والاحتراز. ففهم ما هو أدبى لا يعنى بالضرورة استبعاد البُعد الثقافى. إذا اتفقنا على أن كل ما هو أدبى هو فى جوهره ثقافى، فإن ما يسمى بالمعايير الأدبية يصبح منتجًا ثقافيًا يحمل فى طياته نسبية لا مفر منها. من هنا، تتباين الأذواق لدى القراء، ما يجعل من الصعب الحديث عن معايير عالمية متفق عليها بين قراء مختلفين فى أعمارهم، وجنسياتهم، وأديانهم، ولغاتهم، وما إلى ذلك.
وفى ظل عملية التسييل التى تتعرض لها التصورات النقدية القديمة ومعاييرها الأدبية الصلبة، تصبح الجوائز الأدبية والترجمات ومنصات الدعاية الأدبية وكتب تدريس الأدب بالمدارس والجامعات هى تعبيرات مختلفة عن أطراف يتصارعون وهم يبتسمون لبعضهم البعض بينما غرض كل طرف أن يجعل من معاييره الثقافية النسبية قيمًا أدبية عالمية مشتركة ومن ثم تهيمن باعتبارها معايير ذات مشروعية للتمييز بين الجيد والردىء.
ومع ذلك، ليست هناك مؤامرة. كل ما فى الأمر أن هناك فراغًا لا بد من ملئه ولم يعد فى قدرة طرف واحد على ملء هذا الفراغ الذى أنتجه ذوبان الحدود فى العالم التكنولوجى.
إن المعايير الأدبية تتغير بالفعل بتغير العلاقات الدولية فعالم ثنائى القطبين كانت له معاييره الأدبية وثيماته المفضلة التى أسهمت فى نيل محفوظ جائزة نوبل، أما العلاقات الدولية الحالية فلها معاييرها المختلفة التى قد تمكن من الإعلاء من قيمة الكتابة الذاتية والكتابة النسوية بقدر ما تهتم بقضايا الأقليات العرقية والدينية.
إن هذه الديناميات تشير إلى ضرورة إعادة تقييم المعايير الأدبية وفهمها فى إطار ثقافى يتجاوز الثوابت الجامدة، ما يتطلب من الأدباء والنقاد والجمهور أن يكونوا أكثر وعيًا بتغيراتها وديناميكياتها.