الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مكابى الإسرائيلى.. رأس حربة التطرف فى الملاعب

حرف

- أندية الـ«مكابى» عملت كستار استخبارى لصالح الوكالة اليهودية فى عدد من الدول ومن بينها مصر

- استدعاء اسم «يهوذا المكابى» لإطلاقه على الأندية الصهيونية لشحن الشباب ضد أعداء الدولة العبرية

بعد هزيمتهم القاسية بخماسية مذلة دون رد من فريق أياكس الهولندى على ستاد يوهان كرويف بالعاصمة الهولندية أمستردام يوم الخميس الماضى فى إطار منافسات الدورى الأوروبى لكرة القدم؛ خرج مناصرو ومشجعو فريق مكابى تل أبيب إلى شوارع العاصمة الهولندية ليمارسوا أعمال عربدة وتجاوز عدائية مزقوا فيها الأعلام الفلسطينية وأطلقوا صيحات عنصرية فجرت ثورة الغضب لدى المواطنين الهولنديين من أصول مغاربية وتركية والذين قاموا بتلقين مشجعى الفريق الصهيونى درسًا قاسيًا وطاردوهم فى شوارع أمستردام وأجبروهم على ترديد عبارات دعم فلسطين وحريتها.. ليهتفوا ودماء الجبن تنزف منهم وعرق الخوف يقطر من أجسادهم النجسة: «عاشت فلسطين حرة مستقلة».

وتصدر اسم مكابى تل أبيب بعد هذه الأحداث صدارة النشرات الإخبارية العالمية، فمن هذا النادى وما تاريخه وهل يقتصر تاريخه على المنافسات الرياضية والبطولات الكروية أم يمتد لممارسات عنصرية وجرائم استيطانية مثله مثل كل أندية الدورى الإسرائيلى لكرة القدم.

«يهوذا المكابى» 

تقول كتب الأساطير الدينية اليهودية ان يهوذا المكابى Jehuda HA Makabi))، وهو ذلك البطل القومى اليهودى الذى قاد ثورة تسمى فى كتب التاريخ والأساطير اليهودية باسمه «الثورة المكابية»، حيث خلف يهوذا هذا والده الذى كان كاهنًا ويدعى متاتيا بن سمعان، وهو كبير قبيلة الحموشيين، والذى وقف فى وجه الظلم والاستبداد الإغريقى من الحكام السلوقيين وملكهم أنطيوخوس الذى هاجم المعتقدات اليهودية ودنس الهيكل المقدس، فما كان من الكاهن متاتيا بن سمعان إلا أن قاد ثورة شعبية على ظلم أنطيوخوس، وشكل جيشًا قاده من بعده ابنه يهوذا الملقب بالـ«مكابى» أو المطرقة، وذلك لقوته الجسدية المفرطة. وقام هذا الجيش بتطهير الهيكل وتحطيم الأوثان الإغريقية وختان كل الأطفال اليهود؛ وقد نجح يهوذا المكابى فى قيادة الجيش اليهودى لتحقيق عدد من الانتصارات التاريخية التى ترقى لحد الأساطير العسكرية.

وبالطبع لم يجد منظرو الحركة الصهيونية أفضل من هذا البطل الأسطورى «المكابى» لكى يكون قدوة للشباب الصهيونى، وليطلقوا اسمه «المطرقة» على أنديتهم التى أنشئت لكى يفتل فيها الشباب الصهيونى عضلاتهم، ويبنوا أجسادهم، وهم يستدعون قصة ذلك البطل الأسطورى المفتول العضلات الذى ضرب بقبضته القوية الأشبه بالمطرقة الحديدية كل أعداء اليهود.!.

ستار مخابراتى

تقول كتب التاريخ الرياضى الإسرائيلى إن أول إشهار منظم وعلنى لأندية المكابى كان تحت عين وبصر السلطان العثمانى عبدالحميد الثانى، وفى «حاضرة الإسلام» أو إسطنبول فى عام ١٨٨٣، وقبل المؤتمر الصهيونى الأول بأربع سنوات، وفى نفس عام وفاة السلطان عبدالحميد (١٩١٨).. وبنهاية الحرب العالمية الأولى التى هُزمت فيها تركيا العثمانية وصل عدد أندية المكابى- بحسب المصادر الصهيونية- إلى أكثر من مائة ناد، لم يقتصر دورها على النشاط الرياضى فحسب، بل تم تحويلها إلى أندية كشافة ذات برامج صهيونية محددة، بل وقامت بعمل تشكيلات عسكرية ضد الخلافة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى التى كانت مقدمة طبيعية لسقوط الخلافة العثمانية فى عام ١٩٢٤، حيث تشير الموسوعة الصهيونية إلى أن دور أندية المكابى فى فلسطين لم يتوقف عند حد الاعتراف باللغة العبرية ونشرها، والمساعدة بمجال النشاط العمالى والدفاع عن النفس بين الأوساط اليهودية، بل امتد كذلك لتجنيد نحو ستمائة عضو من أعضاء هذه الأندية فى الفيلق اليهودى الذى قاتل فى الحرب العالمية الأولى تحت لواء الحلفاء، وتحديدًا ضمن صفوف الجيش الإنجليزى. ولم تكتف أندية المكابى بذلك، بل إن عددًا من الباحثين فى تاريخ الحركة الصهيونية يؤكد أن هذه الأندية كانت تعمل كستار مخابراتى لصالح الوكالة اليهودية فى الكثير من دول العالم التى تواجدت بها، خاصة العربية منها والتى كان من بينها مصر؛ حيث يؤكد الدكتور عرفة عبده فى كتابه «يهود مصر.. بارونات وبؤساء» على علاقة الاتحاد الصهيونى فى مصر بالمنظمة الصهيونية العالمية والتنسيق التام فيما بينهما خاصة بعد تولى حاييم فايتسمان رئاسة المنظمة الصهيونية العالمية فى عام ١٩٠٢، قائلًا: «سعى الاتحاد الصهيونى فى مصر إلى ترشيح الرياضيين اليهود خصوصًا المنضمين منهم لأندية المكابى إلى صفوف الفرق والمنتخبات المصرية لتمثيل مصر فى المحافل الدولية الرياضية والتركيز على انتصاراتهم، ونسب ذلك بالقطع إلى أصلهم اليهودى، مثلما حدث من تركيز إعلامى على كل من سلفادور شيكوريل وشاؤول مويال اللذين حصلا على المركزين السابع والتاسع فى رياضة سيف المبارزة فى الدورة الأوليمبية التى أقيمت فى أمستردام عام ١٩٢٨».

وتذكر جرائد وصحف اليهود المصريين فى هذه الفترة أن حاييم ناحوم أفندى الحاخام اليهودى الأكبر فى مصر قد تمكن بالتعاون مع قطاوى باشا فى سنة ١٩٣٦ من جمع ١٣ ألف جنيه – وهو رقم لو تعلمون عظيم فى هذا الوقت- من شباب أندية المكابى اليهودية فقط لشراء أراضٍ لتوطين فقراء اليهود من كل أنحاء العالم فى فلسطين.

تاريخ من الدموية والاستيطان

وكما هو معروف عن تاريخ أندية الكرة الإسرائيلية أنها تنتمى تاريخيًا لجماعات إرهابية أو أحزاب سياسية صهيونية أسهمت فى تأسيسها مثل أندية «هابوعيل» التى ولدت من رحم الاتحاد العام للعمال العبريين فى فلسطين والمعروف اختصارًا باسم الـ«هستدروت» فى عام ١٩٢٠، ومنذ اليوم الأول لإنشاء هذا الاتحاد وهو يهدف إلى تعميق الاستيطان فى الأراضى الفلسطينية من خلال الطبقة العاملة الجديدة التى استوطنت أرض فلسطين المتتبع لتاريخ هذا النادى الاستيطانى العنصرى؛ كما أن أندية الـ«بيتار» لم تكن أقل دموية فى تاريخها من أندية «هابوعيل»؛ حيث إن مؤسس منمة «بيتار» التى تحمل هذه الأندية اسمها هو الصحفى الروسى الدموى زئيف جابوتنسكى والذى أصبح رائدًا للفكر اليمينى المتطرف فى إسرائيل، وكان من بين تلاميذه أشهر جزارى الكيان الصهيونى بدءًا من مناحم بيجين وحتى بنيامين نتنياهو، مرورًا بإسحق شامير وآرييل شارون؛ وأسس أعضاء هذه الأندية التابعون لأكثر المنظمات الإسرائيلية فاشية، مثل منظمتى أراجون والهاجاناه اللتين نسب إليهما أبشع مذابح الإبادة الجماعية فى تاريخ الصهاينة فى فلسطين، مثل مذبحة دير ياسين عام ١٩٤٨ والتى ذبح فيها نحو ٢٥٠ عربيًا فلسطينيًا، ومذبحة اللد فى العام نفسه التى راح ضحيتها نحو ٤٢٦ شهيدًا؛ وأخيرا أسهم عدد كبير من أعضائها ولاعبيها فى التخطيط والتنفيذ للمذابح اليومية التى ما زالت ترتكب عقب طوفان الأقصى فى السابع من شهر أكتوبر ٢٠٢٣.

الأقدم فى الاستيطان والأكثر انتشارًا فى التعصب

أما نادى «مكابى تل أبيب» - الذى تلقى مناصروه علقة ساخنة ودرسًا قاسيًا من المواطنين الهولنديين من أصول عربية مغاربية فى العاصمة الهولندية أمستردام- فيعد من أقدم أندية كرة القدم فى دولة الكيان الصهيونى؛ حيث أنشئ فى البداية تحت اسم نادى جمعية مدينة «ريشون ليتسيون-يافا» وهذه المدينة تأسست فى ٣١ يوليو من عام ١٨٨٢ كبلدة زراعيّة صهيونيّة، وبادرت بتأسيسها «اللجنة الرّياديّة لاستعمار فلسطين» وقد أقيمت على أراضى قرية «عيون» الفلسطينية وملكية أراضيها تعود للأخوين الغائبين مصطفى وموسى أبناء عبدالله على الدجانى من مدينة يافا وحجزت السلطات العثمانية على أراضيهما بحجة عدم تسديد الضرائب وعرضتها للبيع وتدخل وسطاء إنجليز لأكثر من مرة لشراء الأرض لصالح يهود من أوكرانيا والذين نجحوا فى تأسيس أولى المستوطنات اليهودية على الأراضى الفلسطينية المحتلة؛ وبحسب المكتبة الوطنية الإسرائيلية فقد كان السّكان الأوائل للبلدة عبارة عن ١٧ عائلة من جمعيّة «محبّى صهيون» الّذين قدموا من شرق أوروبا فى سياق الهجرة اليهوديّة الأولى، وكانت ريشون لتسيون أوّل بلدة يقيمها المهاجرون الأوائل». ونظرًا لقدم هذا النادى من حيث التأسيس فقد اتسعت رقعة مشجعيه ومناصريه، كما نجح فى حصد العديد من الألقاب؛ كما اتسم مشجعوه بالعنصرية والتعصب الشديدين، خاصة بعد أن استحوذ رجل الأعمال الكندى ميتش جولدهار، والذى مال إلى استبعاد اللاعبين من أصول عربية من فريقه؛ كما يتعمد مشجعو النادى إطلاق عبارات استهجان عنصرية ضد اللاعبين من عرب الداخل أو «عرب ٤٨» وخير مثال على ذلك ما حدث فى مباراة لفريقهم مع فريق اتحاد أبناء سخنين فى عام ٢٠١٦؛ حيث تشاجر لاعبو الفريقين ونتج عن ذلك سقوط أحد لاعبى الفريق العربى مصابًا ليستكمل اللاعبون الاسرائيليون المباراة متجاهلين إصابة اللاعب الفلسطينى الأصل ليحرزوا هدفًا يفوزون به بالمباراة فى الوقت المحتسب بدلًا من الضائع، محطمين بذلك كل قواعد ومبادئ الروح الرياضية.