ولاء كمال: التاريخ فى «كوش كو» نابض بالحياة وليس مجرد أثر متحفى
«سعيد وممتن للغاية».. بهذه العبارة بدأ ولاء كمال حديثه عن وصول روايته «كوش كو» للقائمة الطويلة، معتبرًا ذلك تكليلًا لجهود كل من عملوا على الرواية حتى خرجت إلى النور، وتقديرًا للقراء والنقاد الذين احتفوا بها منذ صدورها، وهو تقدير يثمّنه ويعتز به كثيرًا.
وأكد أن الجوائز الأدبية مسألة شديدة الأهمية، لمساهمتها فى تشجيع الكُتّاب على مزيد من الإنتاج، وخلق حالة من الحراك والنقاش المهمين للغاية، مضيفًا: «كل الجوائز المعتبرة تلعب دورًا فى تعريف القراء بكتب وكُتّاب يستحقون إلقاء الضوء على جهودهم».
وأضاف: «الجائزة فرصة للحصول على الاعتراف والتقدير من المتخصصين والمشتغلين بالمجال، وأصحاب الرؤية الذين يتمكنون من سبر أغوار العمل بمختلف مستوياته، وإلقاء الضوء على مكتسباته، التى ربما تغفلها السوق بآلياتها المعقدة».
وبسؤاله عن حدود تدخل الكاتب بالخيال فى التاريخ، على ضوء إعادته بناء التاريخ فى رواية «كوش كو»، قال الكاتب والمترجم: «الرواية فى الأصل عمل خيالى، وحدود تعاملها مع التاريخ لا سقف لها، مثله مثل أى جنس أدبى آخر يقبل المغامرة والتجريب».
وأكد أن ما يهمه فى الرواية عمومًا، أيًا كان نوعها، هو أن يضع الكاتب لنفسه قواعد محددة، أو دستورًا يبلور رؤيته ويلتزم به خلال العمل. وعبر هذا الالتزام تتشكل السردية، ومن حقنا كقراء أن نتفق أو نختلف معها، مضيفًا: «لذا أظن أن (كوش كو) حاولت إعادة بناء التاريخ، وسرده من منظورها هى، وكما رأيت واستشعرت أنا. تعاملت مع التاريخ باحترام لهيبته، لكن دون خوف من أن يناوره خيالى الإبداعى».
وقال «كمال» مستكملًا حديثه عن الرواية: «رغم أن (كوش كو)، الولد النوبى الطيب، هو الشخصية المحورية. لكنك تشعر بأن البطولة هنا للمكان والتاريخ، وهذا نابع من رغبتى فى كتابة رواية تحتفى بالتاريخ، بدلًا من استخدامه كمجرد حلية زخرفية أو حيلة سردية، ولا تتعاطى معه بوصفه أثرًا متحفيًا محملًا بالحنين. لكن كما أتخيله كان مُعاشًا، ينبض بالحياة والزخم والحراك».
وأضاف: «الأهم، أن يرتبط القارئ المعاصر بالشخصيات، التى تعاملت معها بوصفها روائية بالأساس، والحبكة، ويدرك اتصالهما بواقعه، وأن يُصاب بذات الانبهار الذى أصابنى حين شرعت فى دراسة الفترة التى تدور فيها أحداث الراوية. لم يكن هذا ليتحقق لو لم أجعل التاريخ البطل الحقيقى للرواية، و(كوش) تجسيد درامى له». وحول إضافته الكثير لشخصية «كوش كو»، حتى أن البعض رآه «بطلًا أسطوريًا»، قال «كمال»: «أنا سعيد كل السعادة بأن هذا الانطباع وصل لكثير من القراء. ليس لدىّ شك، كمبتكر هذه الشخصية والحكاية، فى أن (كوش) حقيقى للغاية. ميلاد الشخصية المصرية الحديثة فى فجر القرن العشرين يماثل بالضبط شخصية (كوش) وتكوّنها». وأضاف: «لا يمكنك بأى حال أن تفصل (كوش) عن مصر والعالم العربى المُستعَمر فى ذلك الوقت، وإلا فقدت كثيرًا مما تحمله الرواية. كان هذا هو السؤال الذى انطلق منه كل شىء بالنسبة لى: كيف يصبح هذا النوبى المصرى الجميل، والعادى غاية العادية لكل من عايشه، أسطوريًا كما كان الزمن الذى عاشه والبيئة التى أفرزته؟ كيف يمكنه أن يجيبنا عن أسئلة وجودية تشغلنا اليوم، بسكينته وشغفه للتعلم وانبهاره بالثقافة، وسعيه الدائم للمعرفة والتنوير، وانفتاحه وقدرته على استيعاب الآخر، ومقاومته لظروف الفترة الاستعمارية المؤلمة؟».
وواصل: «هكذا ولد (كوش)، الذى لا أظن أسطوريته تنبع من زخم الشخصيات التى قابلها، كما قد يظن البعض. لكن من كونه لا ينفصل عن الأرض التى أتى منها هى وأهلها، لذا فـ(كوش)، ومصر، والشرق أجمع، كيان واحد لا ينفصل. ومن هنا تتحقق الأسطورية».