يسرى نصرالله: اتهمونى بالانحلال ثم صدقت نبوءاتى
يتناول كتاب «يسرى نصرالله.. حكايات ترغب فى احتضان العالم»، للناقد أحمد عزت عامر، ملامح السينما الخاصة بالمخرج يسرى نصرالله وأثر المخرج الراحل شادى عبدالسلام فى حياته، وتمرده على معهد السينما، مع استعراض نقدى لأعمال المخرج يسرى نصرالله ومشروعه القائم على تعظيم قيمة الفرد.
■ كيف تختار ممثليك؟
- أنت تريد ممثلًا جيدًا، لكن عليه أن يكون أيضًا ملائمًا للدور وذلك من خلال الكاستينج تحقق الكثير مما تسعى إليه بهذا الشأن: هل الممثل يناسب الدور أم لا؟ هل جسده وهيئته يناسبان الدور أم لا؟ كنت مساعد مخرج فى «حدوتة مصرية» وهناك مشهد تنحى عبدالناصر. يقوم نور الشريف الذى يؤدى دور شاهين ويبتدى يزعق. كنت صغيرًا وقتها لكن لم أكن سعيدًا من المشهد. أحس نور وسألنى «ليه مش مبسوط من المشهد؟» قلت له بصراحة «عمرى ما باحس جو مسكين، إنه غول، أسد يصرخ ومن هنا يثير التعاطف معه شخص قوى ًجدا فى لحظة ارتباك، حيرة، ممكن ضعف، لكن مش مكسور».
كان نور أقرب إلى شخصيته فى «سواق الأتوبيس» يجنح دائمًا نحو أن يكون المواطن البسيط والغلبان، لكنه ليس شاهين أبدًا. يمكن لشاهين أن يكون كل شىء سوى أن يكون مواطنًا عاديًا. كان «إسكندرية كمان وكمان» فيلمًا شخصيًا جدًا، وكنت مؤيدًا لفكرة عمله كفيلم ناطق بالإنجليزية من بطولة ناستازيا كينسكى ومارشيلو ماسترويانى، لكن حين تعطلت الفكرة وبدأ شاهين اقتراح ممثلين آخرين مثل نورالشريف رفضت. صار شرطى فى العمل معه على الفيلم أن يؤدى هو الدور، ووافق على ذلك. نور ممثل خرافى، لكنه هنا اختيار فى غير محله، لن يستطيع أن يتحرك مثل «جو». كيف كان سيرقص رقصة برلين؟ هناك شىء من الناحية الجسدية غير صحيح الكاستنج بالنسبة إلى «مصدقك جسديًا ولا لأ؟»
كان باسم سمرة يرغب بشدة فى دور سعيد الخفيف الذى أداه محمد رمضان فى فيلم «إحكى يا شهرزاد» وضحت له أنه لا يصلح للدور. بالنسبة إلى سعيد هو الجانب الأضعف فى هذه الحكاية، هو الشخصية التى يتم استغلالها، هو من يقتل وبالتالى أحتاج إلى ولد «سفروت» يمكنك أن تشعر أن بإمكان البنات الثلاث التهامه. إذا اخترت باسم للدور سيصبح هو شرير الحكاية.
فى الحقيقة، كان سيناريو وحيد حامد يدين الولد. كانت هناك جملة بعد لقاء هبة بالأخت التى تجسدها رحاب الجمل، بعد نهاية الحوار معها تقول لها: «كان» يستاهل يتقتل ثلاث مرات رفضت تمامًا هذه الجملة الولد خائف، إنه الخادم هنا وبلا أهل أو مكان والبنات الثلاث يردن استغلاله، إغراءه بالزواج من أجل الاستيلاء على المحل. إنه أيضًا محروم جنسيًا، إنه ضحية كاملة.
■ هناك أيضًا يسرا فى «مرسيدس» تؤدى شخصية الأم وشخصية عفيفة التى يقع نوبى فى حبها. كانت يسرا تسألنى كيف ستجعلنى أبدو «عجوزة» فى دور الأم كى يكون هناك فارق بين الشخصيتين؟ أجبتها لا.. إذا حدث ذلك سيضر بمنطقية المشهد الذى سينادى فيه نوبى عفيفة «ماما» لأنه يعرف وجه أمه جيدًا بتجاعيده؟
- «طب إزاى هنفرق؟ سألتنى. أجبتها عبر الأداء، هذه شخصية وتلك شخصية أخرى.
بدأ عملى مع هند صبرى فى فيلم «جنينة الأسماك» بجلسة مكياج وتصفيف الشعر. إنها تؤدى دور شخصية مقهورة، من أجل ذلك لا ينبغى لصدرها أن يبدو نافرًا «صدرك دا يتبطط خالص» لأنها شخصية ضاغطة نفسها طول الوقت ولا تترك لنفسها العنان إلا فى السر فى مشهد الديسكو فقط نشاهدها وهى تكوى شعرها كى يأخذ فورمة ما شىء مازوخى جدًّا. يبدو المكياج الغريب جدًا كما لو كان قناعًا ترتديه، بينما يظهر طلاء الشفتين شبيهًا بجرح فى وجهها.
صدقنى هذا ما أفعله مع الممثل، لا أجلس معه وأتحدث عن الدوافع، لكن أعمل معه على ما الذى ترتديه الشخصية وحركتها داخل المشهد ما الذى يفعله الممثل بجسده فى الميزانسين، وهذا تتم ترجمته فى القاموس الخاص بى كمخرج إلى لقطات طويلة فى أفلامى دائمًا يتحرك الممثلون داخل الكادر وتتحرك الكاميرا معهم، فتتبدل أحجامهم وأوضاعهم داخل المشهد. توجيهاتى قليلة جدًا، فمثلا رحاب الجمل فى المشهد الذى تحاول فيه إغراء للممثلين سعيد الخفيف فى «إحكى يا شهرزاد»، كان التوجيه الوحيد لها «عايز صوتك يبقى مسرسع تتكلمى عادى ومرة واحدة صوتك يسرسع». كان الموضوع أشبه بلحظة الإثارة الجنسية التى تحاول أن تكتم خلالها انفعالك لكنه يفلت منك. كان عليها أن تدرب صوتها على ذلك.
فى مسلسل «منورة بأهلها» كانت هناك ضحكة شخصية عادل/ باسم سمرة التى تصبح لازمة لها. ظل باسم يتدرب عليها لأيام قبل الشروع فى العمل، لدرجة أن زوجته بدأت تقلق واتصلت بى لتسألنى عما يفعله. إنه نوع من اللعب ينبغى أن يستسلم له الممثل ويكون مستعدًا له أن ينسى صورته الخاصة كممثل ويندمج تمامًا مع الشخصية وجوها وعالمها. هذا هو الممتع فى الأمر.
■ الحسية ملمح بارز من ملامح سينماك؟
- حين تتوقف عن التعامل مع الإنسان كأنه مجرد دماغ وفم يتحدث، أن تلتفت إلى الجسد وأن تحكى عبر هذا الجسد، تحصل على الحسية. حين اخترت عروة لدور يونس فى «باب الشمس» كنت أفكر فى زعماء الخمسينيات وفى جانات السينما آنذاك، لم أكن أريد ممثلًا منحوت القوام. كنت قد كتبت مقالًا عن البطل والجنس فى السينما المصرية بعنوان «الفرد والعائلة فى الفيلم المصرى»، وهو مقال جوهرى وتأسيسى بالنسبة إلى. على أى أساس يتم اختيار البطل فى السينما المصرية؟ فى فترة ما كان هناك يحيى شاهين وعماد حمدى ومحسن سرحان، ثم جاء محمود يس ونور الشريف. كان يتم اختيار البطل على أساس هل هو من نوع الرجال القادر على تكوين عائلة أم لا؟ فى حين ستجد ممثلين آخرین مثل أحمد رمزى ويوسف فخر الدين الوسيم والجذاب جنسيًا، هم دائمًا صديق البطل لأنهم غير موثوقين. هناك دائمًا قيم معينة تتم رؤيتها طيلة الوقت فى أفلامنا بشكل سلبى، مثل الرغبة فى السفر أو ترك العمل أو عدم الرغبة فى الزواج، وكلها قيم سلبية لأنها ضد فكرة القدرة على تكوين عائلة. على البطل أن يكون رجلًا موثوقًا تطمئن إليه، لا أن يقلقك بغوايته الجنسية.
اخترت يونس- عروة النيرية بدينًا ولديه «كرش» صغير، ولذلك كان عّلى داخل الميزانسين أن أصالح الجمهور مع هيئته. لذلك فى المشهد داخل مغارة باب الشمس وحين يبدى إعجابه بجسد نهيلة وهى حامل ويشبه امتلاء جسدها باستدارة التفاحة، تخبره هى أيضًا أن جسده يشبه التفاحة، بينما تمرر يدها على بطنه. هذا مشهد كتب عقب اختيار الممثل رغبة منى فى أن أصالح المشاهد على ملامح البطل الجسدية غير التقليدية.
■ أجد أيضًا لديك بشكل واضح ما يسمى بالحميمية الذكورية male intimacy علاقات صداقة فيها حميمية بريئة وغير جنسية أحيانًا، ألم تخف من تقديمها فى مجتمع يمتلك رهابًا من المثلية؟
- أبدًا. ما العمل؟ لديك مجتمع لديه فوبيا من كل شىء تقريبًا. أنا رجل مصرى ولدىّ دراية تامة بهذا الجانب، وسواء كنت مثليًا أم لا فتلك الرفقة الذكورية هى ما يحركك. أنا أقر هنا بشىء موجود علاقة الرجل بجسده مثيرة جدًا، حين تذهب إلى الجيم مثلًا تدرك مدى هوس الرجل بجسده. أنا أقدم شيئًا حقيقيًا وليس ذوقى الخاص أو تفضيلاتى الشخصية. حين تكون هناك علاقات مثلية فى أفلامى أقدم ذلك بصراحة دون مواربة. «مرسيدس» بشكل واضح فيه مثلية جنسية «المدينة» أيضًا عبر شخصية عمرو سعد حين يقدم له شعر رأسه كتذكار، إنه يقول له: أحبك، وهو ما يرفضه على يصدم ويهرب، لكنه يتذكر ذلك حين يقص شعره ويمنحه للغريب المشرد الذى آواه ليلة فى شوارع باريس.
بعد «مرسيدس» تم اتهامى بالترويج للانحلال، لكن بعدها بثلاثين عامًا يخبروننى أننى تنبأت لم أتنبأ بشىء، كل شىء كان موجودًا لكنك لم ترغب فى رؤيته بالنسبة إليك الماضى جميل والمستقبل مجهول، أما الحاضر فغير مرئى، وهذا عملى كفنان أن أكلمك عن الحاضر كما أراه.
نشأت فى فترة الخمسينيات والستينيات حيث كانت طفولتى ومراهقتى. ماذا كان يرتدى الرجل؟ لم تكن هناك ألوان كان هناك فقط الرمادى والبنى. كانت شيئًا أشبه بلون الحوائط كأنك لا ترغب فى الظهور. «حاجة مونوكرومية جدًا. لم تبدأ الألوان فى الظهور غير بعد هزيمة ١٩٦٧، وصار من حقك كرجل أن تلبس ثيابًا ملونة من حقك أن تطيل شعرك كأنه نوع من الإعلان عن الرغبة فى الظهور».
■ فى عدد من أعداد مجلة الكتابة الأخرى الصادرة عام ١٩٩٤، كتبت شهادة بعنوان «البحث عن البطل»، وأن سؤال من هو البطل جوهرى لديك، حيث تسأل نفسك دائمًا من هو بطل هذا الزمن؟ هل من الممكن أن نتحدث أكثر عن هذا السؤال؟
- كان ذلك السؤال رد فعل أكثر على سينما هذا الزمن سينما الثمانينيات، وكنت قد انتهيت منه فى «مرسيدس». إذا أردت أن تضع «مرسيدس» فى سياقه الزمنى، عليك أن تجيب عن هذا السؤال من هو النوبى؟ كان النوبى معتنقًا لحلم الاشتراكية وفى لحظة ينهار هذا الحلم. هناك فكرة أخرى فى شخصية النوبى، هى التخلص من فكرة الأب، وهى فكرة يلعب بها «مرسيدس» جيدًا. النوبى شخص يجهل من هو والده يسأل أمه فتخبره «أنا عملتك لوحدى». ما معنى هذا ضمن هذا السياق معنى ذلك أن عبدالناصر الذى كان يمثل الأب مات هل تتذكر مشهد على/ أحمد محرز بعد خروجه من السجن فى فيلم «عودة الابن الضال وصوته فى خطابه لعبدالناصر: «إن قلبى يحدثنى أننى بعد خروجى، سألقاك أيها المعلم والقائد والأخ الأكبر» ثم نشاهد مباشرة جنازة عبدالناصر. أتى السادات وقال بوضوح «بابا مات». كانت هذه هى الرسالة التى كان يصدرها لنا نظام السادات، ثم عودتى من لبنان وفشل المقاومة، موت آخر هو موت آباء المقاومة.
أفلامى هى سرديات عن موت الأب. فى «باب الشمس» يخبر الجرسون السيدة الفرنسية التى ترافق خليل أن مشكلته تكمن فى أن «عنده آباء كتير، أكثر من اللزوم».
لا نجد فى فيلم «مرسيدس» غياب الأب البيولوجى فقط بل سقوط الاشتراكية، أب آخر رمزى يسقط، كان هو العمود الفقرى لحلمه الذى عانقه لسنوات. صار وحده الآن. هذه هى الفكرة بطل بمفرده وقادر على إيجاد طريقة للتعامل مع العالم دون المنظومة التى تمنحه تماسكه لديك بطل قادر على خلق کود أخلاقى للتعامل مع العالم من غير حزب أو عائلة أو قناعة دينية. هناك قصة لبرتولد بريخت قصص السيد كاف»، حيث هناك شخص يسأل السيد كاف هل الله موجود؟ فيجيبه بسؤال هل إذا أجبتك سلبًا أو إيجابًا ستغير من تصرفاتك؟ يخبره السائل: نعم بالطبع، فيخبره السيد كاف: إذا أنت بحاجة إلى إله. أنت وحدك ومطالب بالقيام بفرز علاقاتك التى تمنحك القدرة على التعامل مع العالم دون وجود عائلة.
العائلة مخيفة، كما ترى، فى فيلمى «سرقات صيفية» و«مرسيدس»، والبطل عندى يحاول بمفرده أن يخلق صلة بالعالم هذا ما يستمر فى سينماى من خلال أبطالى على فى «المدينة» والطبيب فى «جنينة «الأسماك» وخليل فى «باب الشمس».
على ذكر «جنينة الأسماك»، هناك تلك التفصيلة التى تعكس العلاقة المتوترة والقاسية بين يوسف عمرو واكد والأب/ جميل راتب، حيث نستمع للأب يهذى تحت تأثير المورفين ويعبر عن استيائه من طريقة الابن فى ربط حذائه، كما يجب، ويبدأ فى شرح الطريقة المثالية لربط الحذاء، ثم فى مشهد لاحق نجد الابن يحاول ربط الحذاء على طريقة الأب ثم يغضب من نفسه ويقوم بفكه وربطه على طريقته الخاصة، كأنها محاولة فرض الأب سلطته حتى على الطريقة التى يربط بها الابن الحذاء.
ما هو مفزع فى العلاقة بينهما هو مشهد آخر يرفض الأب أن يتعاطى المورفين الموصوف لمرضه لتسكين الألم، وحين يحاول الابن إقناعه، يخبره أنه سيتعاطاه فقط إذا حقن هو الآخر نفسه به فيقوم يوسف بالفعل بحقن نفسه بالمورفين ثم حقن والده، كأن الأب هنا يريد أن يجذب الابن معه فى موته. مشهد قاس جدًا.
«جنينة الأسماك» هو فيلم عن صعوبة البوح لديك شخصيات تبوح لكن من وراء حواجز الفيلم هو إقرار بحالة مجتمع خائف ما هو مخيف فى الفيلم هو هذه الفكرة: ماذا تفعل فى مجتمع يريد أن يجذبك معه فى موته؟ مجتمع فيه السلطة/ الأب يريد أن يجرك للموت معه لأنه لا يرغب فى أن يموت وحده. هذا ما هو مرعب هنا، وجود شىء ما يريد أن يسحبك إلى دائرة مفرغة من الموت.
■ لماذا كان بطلك خائفًا من دخول جنينة الأسماك؟
- كان يرى نفسه فى السمكة مفزعًا هو المشهد الذى ينكسر فيه زجاج الحوض ويضع العامل السمكة سريعًا فى «كيس نايلون» كى لا تموت. البطل خائف أن يحدث له ذلك، ومن هنا فهو غير قادر على الخروج من حوضه.
■ أجد أن الفكرة الأساسية للفيلم فى سياق سينماك متفائلة، فذاكرة السمك القصيرة جدًا تسمح بحياة جديدة بلا ارتباطات الماضى، لكن الفيلم قاتم وعكس تفاؤل الفكرة، هل توافق على ذلك؟
- هذا ربما كان فى «المدينة»، حيث الجانب المتفائل من النسيان يعود على من باريس دون ذاكرة أو جذور ونرى كيف يعيش دون ذاكرة. فى «جنينة الأسماك» جانب مخيف للنسيان. ماذا أقصد بالجانب المخيف من النسيان؟ عشت تجربة كبيرة جدًا مثل ثورة ٢٠١١ ثم تجد أنه تم محوها، هذا هو الجانب المخيف من فقدان الذاكرة. ربما يرد هذا الفيلم على تفاؤل «المدينة»، إنه الجانب القاتم من النسيان فيلم باب الشمس» هو أيضًا شغل على موضوع الذاكرة. أحب جدًّا الجزء الثانى من هذا الفيلم. تحكى القصص أكثر من مرة بين الجزءين، الأول بصفته ذاكرة جماعية والثانى بصفته ذاكرة فردية. الجزء الثانى من الفيلم هو مونولوج داخلى يفجره التحقيق مع خليل/ باسل خياط. يخبرنا المحقق/ باسم سمرة بأشياء كلها حقيقية عنه وهو يخبرنا نسخته مما حدث لبقية الفيلم، ثم تجد علاقة يونس ونهلة هنا عكس رومانسية الجزء الأول.
■ أظن محاولة محو الذاكرة موجودة أيضًا فى فيلم «الماء والخضرة والوجه الحسن» فيما تحاول أن تفعله شخصية محمد فراج للطباخين.
- نعم، فهو يحاول أن يمحو فكرة الطباخين، فكرة وجود ناس لديهم شىء جميل يقدمونه لكنه يبدو خارج الزمن وغير مناسب لفكرة الاستهلاك السريع السائدة. يقدم الطباخون «حاجة فيها روح» ويحاول فراج أن يمحو هذه الروح، لكنهم يقاومونه.
■ أجد المقاومة سمة أساسية فى أبطالك، حتى فى عمل ملىء بالغيلان مثل «منورة بأهلها»، تجد مهاب «محمد حاتم» يحاول أن يفرض شروطه «أنا اللى ها قطع صورى بإيدى» وآدم «أحمد السعدنى» أيضًا يقاوم؟
- آدم شخص غامض جدًّا. يعيش بالفعل مع واحدة من المجرمين الذين يبحث عنهم. يتذكر فى لحظة حوارها معه عن الأجنة ومشروعها المجنون، لكنه يدعى «إنه مش واخد باله». هناك أيضًا علاقته الغامضة بالممثلة سلمى بغدادى/ رانيا يوسف. المبهج فى المسلسل أن الشخصيات كلها تحولت إلى غيلان من أجل مقاومة حدث مفزع تعرضوا له. هناك غول سيبتلعك والمقاومة ذلك عليك أن تتحول إلى غول أيضًا. أنت أيضًا كمتفرج قادر على مشاهدة ما يحدث والتعامل معه.
فى فيلم أندريه روبليف لتاركوفسكى عن حياة رسام أيقونات يسأل أحد التلاميذ روبيلوف لماذا يبدو الشيطان جميلًا فى لوحاتك؟ فيجيبه كيف سيكون مغويًا لو لم يكن جميلا؟ لا يوجد تصالح مع الشر أو تبرير له، لكنك هنا قادر على الاقتراب منه أن تنظر فى عينيه وتخبره أنك أقوى منه. هذا ملمح من ملامح بطلى دائمًا، هناك إنسان نقى وساذج يجد نفسه فى لحظة ما مواجهة الشر، لكنه يجد فى نفسه القوة للتعامل معه ومقاومته. ماذا تفعل فى عالم وحشى من دون أن تصير الضحية، ومن دون أن تحن للماضى أو تتحول إلى إرهابى، وهو ما كان موضة فى سينما الثمانينيات، حيث تبرير العنف بدعوى ظلم المجتمع.