الجمعة 27 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أحمد الخميسى: القصة القصيرة حيّة ومؤثرة.. ولن تُهزم أمام جوائز الرواية

أحمد الخميسى
أحمد الخميسى

القصة القصيرة حية ومؤثرة كما كانت، منذ أن نشأت لدينا فى عشرينيات القرن الماضى على يد يحيى حقى وطاهر لاشين وتوفيق الحكيم وغيرهم. ربما هى ليست منتشرة مقارنة بالرواية، ولا تلقى المساحة الكافية والرواج الذى تجده الرواية الآن. نعم. لكن علينا، الآن ودائمًا، أن نفك الرابطة بين الرواج والفن.

على سبيل المثال، أجمل وأروع القصص أو حتى الروايات ليست هى الرائجة، ذلك أن هناك قانونًا للانتشار ليس مرتبطًا حتمًا بفنية العمل الفنى. وفى ذلك السياق أذكر أنه كان ثمة كاتب فى الستينيات يُدعى عزيز أرمانى، له رواية باسم «خذنى بعارى»، تحولت إلى فيلم، وكانت رواياته توزع أضعاف ما توزعه روايات نجيب محفوظ! فهل كان ذلك الرواج دليلًا على الفن؟!

انتهى من هذا إلى أن رواج أو عدم رواج القصة القصيرة لا يمس دورها ولا أهميتها ولا قوة أدائها. وعلينا هنا أن نتذكر أن القصة القصيرة ظهرت بعد رسوخ فن الرواية بنحو قرن كامل. ظهرت لأنه ما من شكل سردى آخر يسد الاحتياج الذى تسده القصة القصيرة.

القصة القصيرة ستصمد أمام جوائز الرواية، بالطبع ستصمد، لأنه لا الجوائز تخلق الأدب، ولا الأدب يُكتَب من أجل عيون الجوائز.

تقدم نجيب محفوظ بروايته «السراب» عام ١٩٤٤ إلى مجمع اللغة العربية للحصول على جائزته الأدبية، لكن المجمع رفض منحه الجائزة. لم يدفع هذا نجيب محفوظ إلى التوقف. وفى عام ١٩٠١ تجاهلت جائزة «نوبل» علمًا كبيرًا من أعلام الأدب هو تولستوى، ولم يتوقف هو الآخر، لأن من يكتبون لا يكتبون من أجل جوائز.

القصد أن جحافل الجوائز المخصصة للرواية لم تعطل مسيرة القصة القصيرة ولن تعطلها، مع أن للمكافآت مذاقًا حلوًا. ستستمر القصة وتزدهر مستقبلًا، لأنها أقرب إلى طبيعة العصر الذى نعيشه، زمن الإيجاز والاختصار. أذكر أن هناك قصصًا قصيرة عاشت وما زالت، بينما اختفت آلاف الروايات، مثل قصة «البدين والنحيف» لتشيخوف، و«القلادة» لموباسان، و«نظرة» ليوسف إدريس.

الذكاء الاصطناعى موضوع محير وربما مُرعب بالنسبة لى، ولا أستطيع أن أجزم بشىء فى قدراته. لكن بوسعى أن أعبّر عن خوفى من هذا الاكتشاف. فيما مضى كنا نخاف من أن يتحول الإنسان إلى آلة، الآن نخاف أن تتحول الآلة إلى إنسان. الذكاء الاصطناعى مُرعب. لكن أظن أنه سيبقى من الممكن تمييز ما هو إنسانى مما هو اصطناعى.

أما تأثير «السوشيال ميديا» فليس خطرًا على القصة القصيرة، وعلى العكس، فإن «السوشيال ميديا» تؤكد ضرورة الاختزال والإيجاز، وهما سمتان من سمات القصة القصيرة. لذا فى اعتقادى أن «السوشيال ميديا» إذا لم تدفع القصة القصيرة إلى الأمام، لن تشكل عليها خطرًا.

الحفاظ على القصة القصيرة سيكون فقط بالاهتمام بها. انظر لدينا كم صحيفة، وانظر كم صحيفة تخصص صفحة للأدب. لهذا فإننى كثيرًا ما أحمد الله على المجهود الذى تبذله الدكتورة صفاء النجار فى صفحتها «مرايا الإبداع»، بين دفتى جريدة «الدستور». هناك صفحات أخرى فى بعض الجرائد لكنها قليلة عمومًا.

إذا أردنا أن نحافظ على هذا الفن السردى، وأن نضعه فى دائرة الضوء، لا بد من الاهتمام به. نرصد له الجوائز الكبيرة. ويذكر فى مجال الاهتمام بالقصة، أن أليس مونرو فازت بـ«نوبل» عن أعمالها فى القصة القصيرة فقط.

فى اعتقادى، هناك اعتبار مهم جدًا فى موضوع الاهتمام بالرواية، هو أن الرواية- أيًا كانت- تحكى حكاية. فى جوهر الرواية ترقد حكاية. هذا يضمن لها الحد الأدنى من الرواج. أما القصة القصيرة فهى لحظة. 

يخفت الاهتمام بالقصة القصيرة فى النقد لأسباب كثيرة، منها أنه تم منذ زمن طويل تفكيك الصلة بين الحركة الأدبية والواقع. الكتابة تحولت من الكتابة عن الآخرين إلى الكتابة عن الذات والحالة المزاجية. فى هذا أتذكر ما قاله بريخت: «إذا لم تهتم كلماتى بالناس، فلماذا يهتم الناس بكلماتى؟». الرواية تظل تكسب مساحة بفضل الحكاية، لكن القصة القصيرة تطرق الموضوع بإيجاز وبقوة، وعندما تنفصل القصة عن الواقع يبهت الكثير من ملامحها.