فرج الضوى يكتب: كان يُلاحقنى من بعيد
متفاءلٌ جدًا
حدَّ انفتاحِ شرايينى
لكحلِ أجنحةِ الفراشِ
حين انتثارِها
فى شعاعِ الشمسِ المُنكسرِ
من زجاجِ نافذتى..
تأخذنى شمسُ الظهيرِة
فى انفجارِ ضوئها
نصفَ قرنٍ للوراء..
كنتُ أريدُ أن أدخلَ
انفجارَ ذاك الضوءِ
من خارجِ الشباكِ
إلى داخل منزلِ جَدتى
أخرجتُ رأسى ذاتَ مرةٍ
محاولًا اكتشافَ ماهيتِهِ
وماذا يفعلُ فى الشارع للناسِ
ولماذا يتسلقُ الجُدرانَ
ويتسلَّلُ عبر النوافذِ متلصصًا
رغم قوتِهِ وظلالِهِ
التى يجبرُ كلَّ الأشياءِ عليها ...
أخرجتُ رأسى ذاتَ مرةٍ فنادتْ علىّ:
«أُدخُل يا واد م السمس»
لم أستمعْ لها
وخرجتُ مندفعًا وراءه
أجرى وألعبُ ألاحقُهُ
وألاحقُ ما يصنعُ لى من ظلالٍ
أجرى وراءه محاولًا إمساكَهُ
مسحورًا بلونِهِ وأضوائهِ
أعرضُهُ لورقش السوليفان
فأراه أحمرَ وأزرقَ وأخضرَ وأصفر..
أركزُهُ فى العدسةِ فيحرقُ الأشياءَ
أعكسُهُ فى المرآةِ فيضايقُ المارةَ
وفتحى الفوال وحسن النجار
وعباس بائعَ الأنابيب
وابنةَ الجيرانِ..
رأيتُهُ من شباكِ السيارةِ
التى كانت تَقِلُنى إلى المطار
لم يكُنْ يقتربُ من السيارة
وكان يطيرُ فوق الحقولِ الخضراءِ
على الطريقِ الزراعى
كان يلاحقُنى من بعيدٍ
كأنه يريدُ أن يبلغَنى رسالةً منها
كانَ ربَّما يريدُ أن يقولَ لى: لا تسافرْ
جحدتُهُ
وقلبّتُ فى الأوراقِ والجوازِ
وتذاكرِ السفر
وتصاريحِ المرور..
رأيتُهُ مرةً أخرى من شباكِ الطائرةِ
وكنتُ أعلُوه كثيرًا
كانَ ينخفضُ.. ينخفضُ.. ينخفضُ
ولم يستطعْ أنْ يمدَّ يدَيهِ المُذهبتَيْنِ
إلى كلَّ ذاك الارتفاعِ- خمسةَ عشرَ ألف مترٍ -
فألقى بنفسِهِ
متمددًا على الحقولِ الخضر والإسفلت..
وأَلِقَ وانعَكسَ من بُعدٍ سحيق
بدمعتَيْنِ مذهبتَيْن
كانتا لى
ثم انبرى فى أفولٍ
يكلمُ السواقي.. ويجرجرُ أذيالَ الأصيل.