الخميس 12 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

شريف الجهنى يكتب: لماذا كلبى ينبح؟

لماذا كلبى ينبح
لماذا كلبى ينبح

كلبى صار دائمَ النباح بلا سبب، سأتخلص منه؛ هذا الكلب المزعج، فجارنا ذو الكرش الضخم طلبنى غاضبًا ثلاث مرات فى يوم واحد؛ يشكو من عدم تمكنه من النوم بسبب نباح كلبى المتواصل.. صراخ زوجته «المسرسعة» الناحلة، وكأنها خرجت من داء سل يقتحمنى منذ سنين، ولم أشكُ إليه فى يوم من الأيام، وهو لم يحتمل نباح كلبى لعدة أيام.. تبًّا له ولزوجه. 

ولكن لماذا ينبح كلبى بلا سبب؟!

صحوتُ متأخرًا والصداع يكاد يفجر رأسى، فارتديت ملابسى على عجل، ولم أنتبه أننى احتذيت حذاءً فردة سوداء وأخرى بنية.. قابلنى فى العمل زميلى البخيل، ونظر إلى قدمى وظل يقهقه ويسعل وهو يقول: عرفنا أن لديك حذاءين.. التقطت علبة سجائره من جيب قميصه وسحبت منها سيجارة وأشعلتها فانكتمت ضحكاته وهو يقول لى: أنت لا تدخن. سحبتُ نفسًا عميقـًا وزفرته فى الهواء، وانصرفت من أمامه وأنا أضحك وهو يحملق فىَّ بضيق. 

الصداع يحاصرنى، فلم أهنأ بالنوم بسبب نباح كلبى. 

ولكن لماذا كلبى ينبح بلا سبب؟!

مديرى فى العمل أخبرنى أن وفدًا من المستثمرين الألمان سيكونون فى مقر الشركة بعد ساعة من الآن، ويجب أن أقنعهم أن وضع شركتنا جيد فى الأسواق؛ حقيقة الشركة تنهار، وتذوب كجبل جليد أشرقت عليه الشمس، فقلتُ له: ولكننى نسيت واحتذيت حذاءً فردة وفردة؛ هل من الممكن أن تكلف زميلى حازم بمقابلتهم فهو يجيد الألمانية مثلى بل أبرع.. فنظر إلى حذائى بازدراء وقال لى: بل قابـِلهم أنت، ولن يلحظوا حذاءك؛ فهم لا ينظرون إلى أسفل.. فانصرفتُ من أمامه وأنا منشغل الذهن؛ أفكر فى كيفية إقناعهم أن شركتنا الغارقة فى الفساد لها مستقبل باهر، ومن أسباب تدهور شركتنا هذا المدير الفاشل دائم الصراخ بلا سبب مقنع، ذكرنى بكلبى الذى صار ينبح أيضًا بلا سبب. 

ولكن لماذا ينبح كلبى بلا سبب؟!

رن هاتفى وتراءى لى رقمٌ، ولا أحب أن أرد على الغرباء فهم لا يأتون بخير، فتركت الهاتف يرن.. شعرت أن وقت الرنين استمر أكثر من المعتاد، رن تارة أخرى، هل من الممكن أن يكون جارى ثقيل الظل يكرر شكواه من نباح كلبى؟ لست فى حالة مزاجية تسمح لى بسماع صوته الممجوج، لن أرد.. إمممم... بل سأرد، ولو كان هو سأنفجر فى وجهه وأقول له: أسكِت زوجتك أسكِتُ لك كلبى، فتحت وقلتُ: «ألووو».. فردَّ على الطرف الآخر بصوت متحذلق قائلًا: بل قل السلام عليكم، «الووو» كلمة أجنبية.. 

يييييه هو أنا ناقص نصايح؟ 

- مين حضرتك؟

- يعنى مش عارف صوتى؟

أغلقت الهاتف فى وجهه، فلا أريد أن أعرفه أو أعرف صوته. رن الهاتف ثانية فأغلقته نهائيًا، ونظرت إلى ساعة الحائط فقد بقى ربع ساعة على وصول الوفد الألمانى، ولم أضع أى خطة أو أختلق كذبات لإغرائهم من أجل الاستثمار فى شركتنا الفاشلة، فلقد كان يلح على سؤال واحد: لماذا كلبى ينبح بلا سبب؟!

هَلَّ الوفد الألمانى؛ وكان مكونـًا من ثلاثة رجال وسيدة شقراء غاية فى البهاء والأناقة، احتفيت بهم وظللت أتلو عليهم الكذبات عن مستقبل شركتنا المبهر، وهم يختلسون النظر إلى حذائى كل برهة ويتهامسون. مديرى الغبى قال لى: إنهم لا ينظرون إلى أسفل.. 

انتهت جولتهم واصطحبتهم حتى سيارتهم الفارهة التى كان يطل منها كلبٌ يشبه كلبى تمامًا، ومن نفس سلالته؛ حتى أننى خلته هو، وبمجرد فتح باب السيارة قفز منها متجهًا إلى الشقراء الفاتنة، فمسحت عليه بيدين حانيتين حتى أننى تمنيت أن أكون هو.. 

اتجهت إليها وقلت لها: لدىَّ كلب من نفس نوع كلبك، ولكنه منذ أيام ينبح طويلًا وبلا سبب.. مديرى كان واقفًا يحملق فىّ بدهشة فتجاهلته، فرنت لى بابتسامة وقالت لى: هذه كلبة وليست كلبًا، ونباح الكلاب له أسباب عديدة، ما رأيك أن تصطحبنى فى جولة أشاهد معالم مدينتكم وترينى كلبك؛ فكم أعشق الكلاب خاصة تلك الفصيلة. 

صِحـْتُ مندهشًا: متى؟

- الآن لو لم يكن لديك مانع؟ 

- وليكن، ولكن بسيارتى الصغيرة. 

- وليكن بسيارتك.

اتجهنا إلى سيارتى وما زال مديرى محملقًا فىّ، فقد نسيت أن أستأذنه وأخذتها فى جولة شاهدت كل معالم المدينة؛ وأنا لم أر إلا معالمها، والناس لم يشاهدوا إلا ساقيها وحذائى.. عُدنا إلى منزلى بكلبتها.. فهدأ كلبى وامتنع عن النباح حتى الصباح، ولكن صراخ زوجة جارنا كان يقتحم أذنى كل حين.