البوح والتطهر.. متلازمة فى المجموعة القصصية «سنكسار» للأديب هانى المنسى
- المجموعة تحفل بعناصر ما بعد حداثية وتجريبية تعمل على تحفيز القارئ طوال الوقت للتفكير
- القصة تحفل بالبوح كمعادل للتطهر وبالميتاسرد كتقنيات فاعلة ونسق متفق عليه
يلاحظ القارئ- لأول وهلة - فى أولى المجموعات القصصية المنشورة للأديب هانى منسى بعنوان «سنكسار» قدرته على تجسيد ضعفنا الإنسانى بأسلوب شديد الحساسية والجدة عبر التعامل مع قضايا المهمشين والمعذبين، وفى ظل عالم مادى قاس تكرس آلياته للتنافر بين أفراده، ما يدفعهم إلى النكوص والمعاناة الدائمة، نجد ذلك فى قصة «كرسى الاعتراف» وفى «سنكسار» حيث القيود تكبل مشاعرنا وتوصمنا بالخطيئة وفى «شيزلونج» حيث البراءة ذنب يعاقب عليه وفى «لا مؤاخذة»، حيث ينتصر التعصب على حساب السلام والمنفعة الإنسانية، وفى «تذكرة غياب» أيضًا حيث يضحى البسطاء بحياتهم من أجل تحقيق أحلامهم، وفى «سيد حلمى يكتب» التى تستدعى أيضًا محاولة إثبات الذات فى مقابل فرد العضلات والاستقواء الدائم وتحطيم صورة الآخر وتهميشه، وفى «اونلى مى» حيث السخرية من التسلط والمصالح الخاصة فى مقابل الإبداع الأصيل، وكذلك تصوير نماذج مهمشة فى مجتمعنا، كما فى قصة «عمارة حسان» والبسطاء فى قصتى «صيفة» و«عيون الليل» و«كاد أن يكون قتيلًا» وكلها تيمات تصب فى تصوير الضعف الإنسانى فى مقابل واقع مخيف يفرض سطوته وإزاحته للمهمشين بصورة دائمة ووحشية.
المجموعة تحفل بعناصر ما بعد حداثية وتجريبية تعمل على تحفيز القارئ طوال الوقت للتفكير والإمعان والتأمل عبر ما سماه ميتشل «نص الصورة» وتفعيل المشهدية السينمائية المعبرة عن البنية السردية، وتداخل المعطيات اللغوية والصورية معا خروجًا عن واقعية السرد المتخيل، وأيضًا تشتيت ذهن المتلقى بغرض دفعه للتفكير والتفكيك المستمر من خلال المساءلة وفضح المسكوت عنه والتعليق على الأحداث والمفارقة الساخرة، وأيضا تحفيز طاقات القارئ الخلاقة ودفعه للتأمل فى النص، ليس كقارئ فقط وإنما كمبدع مشارك أيضًا وهو ما يميز أسلوب الأديب هانى منسى فى مجموعة سنكسار كما سنرى.
كرسى الاعتراف
هى أولى قصص المجموعة التى تتماس مع واقع ضاغط يعانى منه الكثيرون فى مجتمعاتنا، وأيضًا تصور قدرتنا على تجاوز هذه الأزمات من خلال التكاتف والبوح، ليشكلا منظومة أكثر تأثيرًا فى مجتمعات فقيرة تئن من آليات تحتشد للعولمة والنظم الاستهلاكية على حساب مشاعر البسطاء والمتألمين، وهو ما يبدو مثلا فى هذه القصة من خلال شيماء التى تستغل الراوى لمنفعتها الشخصية، فهى تمثل عالم اليوم المادى الذى يزهق كل محاولة للتواصل الإنسانى النقى وعلى رأسها وسائل التواصل الإفتراضية، التى أحالتنا لشخصيات باردة متفككة ومنفلته، فى مقابل تلك العلاقة الإنسانية الدافئة - رغم أنها وقتية - بين الراوى وبين العجوز والتى تستدعى عند الراوى والده ومعاناته وتفانيه من أجل أسرته ومعاناة الأسرة ماديًا بعد وفاته.
القصة تحفل بالبوح كمعادل للتطهر وبالميتاسرد كتقنيات فاعلة ونسق متفق عليه، عبر تشعبات ومساءلة دائمة وتعليقات متوالية نجدها بين قوسين ما يكسر الإيهام من ناحية ويحقق التفاعل مع القارئ من ناحية أخرى، بمخاطبته لذاته كى يشارك المتلقى الراوى/ المهمش، وينتقل السرد بنا من أزمة الراوى إلى أزمة الرجل العجوز الذى يمارس نفس الطقوس وهى البوح، من خلال جلوسه على الكرسى الأيسر كى يقوم بدوره فى البوح المتاح للجميع، ويقوم الجالس إلى اليمين بالاستماع وتقديم الاقتراحات والتفاعل مع هموم الطرف الآخر، مما يتماس مع عنوان القصة، وهى وسيلة للتخلص من الآثار السلبية للعالم الافتراضى، كما يشير الراوى مستندا لابتكار وهمى من قبل عالم النفس مرتضى رشدى، فى ظل عالم متقلب يعانى أفراده من العزلة فيشعر المتلقى بمصداقية الراوى كخلاص لنا جميعًا من أزماتنا، يزيح عنا همومنا وأثقالنا، ليمثل البوح همًا مشتركًا بين الشخصيتين وتطهيرًا أرسطيًا لانفعاليهما، فيتماهى الراوى / صاحب الكرسى الأيمن مع الرجل العجوز الجالس على الكرسى الأيسر وهو اتصال فى اتجاهين يجعل الراوى يتخلص بدوره من أثقاله، فكأن العجوز هنا هو أبوه الذى افتقده وهو المخلص الذى يشعره بأنه ليس المتألم الوحيد فى هذا العالم، ولهذا يشعر بالامتنان له فيتبادلا الشكر فى نفس اللحظة لأنهما أدى لبعضهما البعض نفس الوظيفة، كل ذلك استدعى إحالات زمنية طوال الوقت يفرضها طقس البوح كتقنية من خلال الاسترجاع أو الفلاش باك سواء السرد الماضوى عن شيماء أو استدعائه لذكرياته مع أبيه، ذلك الاستدعاء الذى جاء متوافقًا مع بوح العجوز فوالد الراوى مات فى مستشفى حكومى وتركه هو وأمه دون مورد رزق، لتشكل كلمات العجوز التى التقطها الراوى محطات فى حياة الراوى نفسه، فتتردد هذه الكلمات فى أذن الراوى وتشكل فى نفس الوقت قصته الخاصة، وتبلغ ذروة التماهى الإنسانى عندما يحتضنان ويشكران بعضهما البعض فى نفس الوقت؛ لأن كلا منهما كان دعمًا نفسيًا للآخر ما يحقق هدف البوح لكليهما.
سنكسار
أما قصة «سنكسار» أو جامع السير والأخبار عن الأنبياء والشهداء والقديسين فهى القصة الثانية فى المجموعة التى تحمل نفس العنوان وتصور تنويعًا آخر يحمل بين طياته معالجة غاية فى الرهافة لمفهوم الخطيئة الإنسانية، حيث تسرد القصة رحلة الراوى الذى اختار الحياة كراهب وهب حياته للرهبنة والصلوات، بعيدًا عن شهوات الدنيا، فى الوقت الذى يقوم بأعمال دنيوية تلزمه بالتعامل مع العالم الخارجى، وعندما يذهب مع راهب آخر من أجل بيع ما أنتجوه وشراء ما تحتاجه الكنيسة - مما يعرضهم للتعامل مع الواقع والمشاعر الإنسانية - يرتكب صديق الراوى الخطيئة ويعترف بها للراوى، وهو ما يدفع الراوى للبوح بدوره لأنه ارتكب نفس الخطيئة دون اعتراف ومن ثم التطهر من الإثم، رغم ذلك يخفف عن صاحبه ما يشعر به من ذنب، فلا يوجد من لم يرتكب خطيئة فى هذا العالم وهو الأمر الذى تؤكده النهاية فالخطايا لا تنتهى طالما وجد الإنسان، وليس هناك من هو معصوم من الخطأ، هنا يستوقفنى التصوير الرائع ليدى صديق الراوى وكأنهما ملاك مجنح يربت عليه ويخفف عنه ما يشعر به من ذنب، مما يتماس مع الإهداء الذى كتبه الأديب هانى منسى حيث يقول : «فى اللحظة التى تشير فيها بسبابتك لتدين أحدهم، هناك ثلاثة أصابع تشير إليك» فلا يوجد من كان بلا خطيئة وكل ابن آدم خطاء.
لامؤاخذاة
تناقش قصة «لامؤاخذة» قضية التعصب ورفض الآخر بسبب ديانته فى معالجة جريئة وساخرة، وهو عنوان يتحدى تفاهة المبررات التى تدفع إنسانا لأخذ موقف من آخر دون مبرر منطقى، مما يشعر ابنته بالإحباط الشديد والاكتئاب وكره المدرسة بسبب تصرف والدها، رغم أن هذا المعلم يمدح خلقه وعلمه الجميع، وهذا يشير إلى تراجع المجتمع فكريًا إذا ما تغلبت هذه المعتقدات الوهمية على أفراده لتتسبب فى إثارة الفتن بين الناس.
سيد حلمى يكتب.. والواقع الثقافى
سيد حلمى هو بطل قصة «سيد حلمى يكتب» تأخذنا القصة إلى مشاهد غاية فى الثراء منها مشهد الأوتوبيس المزدحم الذى يصارع فيه البطل كى يتوازن ويترك شنطته لأحد الجالسين فيه، ثم يعود بنا من الخارج إلى الداخل للحديث عن نفسه وقراءاته منذ أن كان فى الثانوية العامة وموقف عضو اتحاد الكتاب منه عندما ينهره ويستنكر مشاركته برأيه؛ لأنه ليس لديه عمل منشور قام به بحيث يصبح مؤهلًا لأن يكون مبدعًا له الحق فى التعبير عن رأيه، ونعلم هنا أنه مدرس زراعى ويعمل أيضًا كرجل أمن فى إحدى الشركات ويهتم بحديقة الشركة طواعية لحبه للنبات، رغم أنه لم يشكره أحد على ذلك مع حرصهم جميعًا على التقاط الصور وسط هذه النباتات والزهور الجميلة بل يقوم هو بالتقاط الصور لهم أيضًا، ثم نعود مرة أخرى إلى الخارج من خلال نفس الأوتوبيس ومعاناته بعد اهتزاز الأوتوبيس بعنف فتسقط نظارته ويبحث عنها تحت الأقدام ويخرج مسرعا قبل أن تفوته المحطة كما حدث من قبل، وهو فى كل هذا غير مهتم بكل ما حدث له بل ويشجع نفسه من خلال مونولوج داخلى بأن عليه أن يثبت ذاته هذه الليلة فى الندوة الأسبوعية التى يتابعها كل خميس، ويحرص عليها خاصة هذه الليلة لأنه سيعرض قصته الأولى وينتصر على غرور عضو اتحاد الكتاب، فيتذكر أمر الشنطة بعد أن نزل من الأوتوبيس والتى أودع فيها قصته لكنه يقلل من أهمية الأمر، وقبل الندوة يطلب من زوجته التى تواسيه على ما حدث قلمًا وبعض الأوراق التى تستخدمها ابنته فى الرسم ويعيد كتابة القصة مرة أخرى بشكل أفضل مما كانت عليه رغم أن النظارة بلا عدسات بعد أن داستها الأرجل، فتسعد زوجته التى جاءت لتحتفى به وتشهد فرحته، وفى الوقت الذى ينتظر تصفيق الجميع له تحدث مفارقة موجعة، حيث يصفق الحضور لعضو اتحاد الكتاب بمناسبة عيد ميلاده وهو يمسك بالسكين ليقسم التورتة كمعادل لذبح فرحة الراوى أو سيد حلمى، بل ويطلب من سيد حلمى باليد الأخرى أن يمسك المحمول ويلتقط لهم صورة لأنه يجيد التقاط الصور، وهى مفارقة ساخرة تكرس لبقائه فى الظل ليظل وراء الكاميرا مهما قدم من خدمات ومهما أبدع فى مشهد متكرر لا نهاية له، وقد عمد الأديب هانى المنسى إلى تصوير مونتاج متواز بين الخارج المتمثل فى الأوتوبيس وحديقة الشركة ومكان الندوة وكأنه العالم الذى يهمشه ويضيع أحلامه وبين الداخل الذى يصنع له عوالم أكثر إشراقًا ويشجعه على تجاوز أزمته، عبر مشاهد متقطعة ومزج بين عالمين مختلفين لكنهما يتلاقيان ليشكلا عالم سيد حلمى بين ثنائية الواقع والحلم، مما يشير إلى تهافت الواقع الثقافى وهشاشته فى بعض الأحيان على يد أنصاف المبدعين الذين يحاولون إزاحة المبدع الحقيقى وتهميشه كى يحتلوا صدارة المشهد دائمًا، وهو ما نجده أيضا فى قصة «أونلى مى» فى كشف فنى عن أزمة المثقف والمبدع التى تتفاقم شيئًا فشيئًا فى مجتمعاتنا، حيث يجسد لنا هانى منسى ذلك الفصام أو التمزق النفسى الذى يشعر به الراوى/ المبدع عندما يعانى التهميش فى جوائز الدولة، وهو ما نعلمه من خلال رسالة يرسلها إلى نفسه، وكأنها تداع حر يحاول فيه تبرير عدم فوزه بالجائزة ويسرد كيف استطاع أن يعترض بشكل مختلف على عدم اختياره للجائزة، بأن يصدر كتابًا من ٣٦٥ صفحة بيضاء دون كتابة بعنوان شاهد على قبر فارغ، ليمثل هذا العنوان كما نرى من القصة اعتراضًا وسخرية مضاعفة من هذا الواقع المزرى، بل ويطرح الراوى سلسلة من التصريحات التى تشيد بهذا الإصدار مع تبرير لعدم فوزه بجائزة الدولة فى الرواية، ليبدأ الخطاب وينتهى ممهورًا باسمه، ويقوم بالتعليق على الخطاب بعد تأريخه كنوع من كسر الإيهام وإعمال فكر القارئ، فلقد قرأ الكتاب الفائز ووجده جديرًا بالفوز كما يخبره بأن وزير الثقافة سيمنحه جائزة استثنائية عن كتاب شاهد على قبر فارغ، فى إشارة إلى أن من يعترض يتم استرضاؤه بعد أن تسبب الكتاب ذو الصفحات البيضاء فى إثارة التساؤلات والإعجاب معًا وبعد أن مرض الكاتب، فى إشارة أيضًا إلى انتقاد الجوائز التى تقدم لأدباء لمجرد التعاطف معهم أو ربما بعد فوات الأوان.
شيزلونج.. وانعكاس الأدوار
فى قصة شيزلونج معالجة أخرى تكشف عن الضعف الإنسانى لدى أحد الأطباء النفسيين والذى يحمل بداخله أزمة نفسية صنعها موقف فى طفولته، عندما يحاول كسر ملل انتظار المرضى فى عيادته بأن يجرب أن يكون أحد هؤلاء المرضى، ويتمدد على الشيزلونج ويتذكر ما حدث أثناء طفولته من مواقف مؤلمة، عندما استعاد موقفًا يجمع بين أمه وأبيه على فراشهما واعتقد بسذاجته الطفولية أنه لعبة محاولًا تجريبها، فيناله الضرب العنيف من الأب والأم، ليبكى الطبيب من ماضيه المؤلم ويتحير بعد أن اكتشف عقدته هل يتمدد على الشيزلونج أم يجلس على كرسى الطبيب؟! فى مفارقة مزدوجة بين مهنته كطبيب نفسى يعالج المرضى وبين معاناته النفسية، وهو تأكيد على عمومية الضعف الإنسانى، وهو ما نجده أيضا فى قصة «الأرق» التى تشكل بدورها بوحًا آخر للضعف الإنسانى الذى يلازم الراوى ولا يتخلص منه إلا بعد أن يكتب ما يشعر به ويعترف بخطيئته ليتحرر من أزمته ويتجاوز همومه.
تذكرة غياب
فى قصة تذكرة غياب ضعف إنسانى آخر، إذ يشير العنوان فى تماسه مع القصة إلى غياب أسامة بعد أن ترك كل شىء ليهاجر إلى إيطاليا عبر البحر كعادة من يهاجرون هجرة غير شرعية بعد أن يدفعوا لسماسرة الموت من أجل تحقيق أحلامهم، فيترك والديه متحسرين عليه فلا يعرفون أين ابنهم، وهل مات أم مازال حيًا وأين جثته، فتموت الأم من حزنها ويطالب المقاول الأب بالأموال التى اقترضها منه أسامة من أجل السفر، لتمثل شخصية أسامة فى سلوكها تهور ومجازفة الشباب بحياتهم فى طريق غير مضمون العواقب، لأنهم يسافرون دون حماية من أخطار السفر عبر البحر فيقعون فريسة للعواصف والمخاطر عن طريق سماسرة الموت، تاركين وراءهم أسرهم تعانى الشعور بالأسى على أبنائها وكأنهم يقطعون تذاكر للغيبة فتنقطع أخبارهم للأبد وتعانى أسرهم البسيطة ألم الفقد والحرمان من ذويهم، تمتاز القصة بمشهدية ثرية تصور تأثير تقلبات البحر على هؤلاء الشباب وشعورهم بالموت يتربص بهم وكذلك أثر ذلك على أسرة أسامة، وتنتهى القصة نهاية مفتوحة فلا يعرف والد أسامة مصير ابنه كما تموت الأم مكلومة على ابنها حتى إنها تتمنى أن ترى جثته، وهى رغبة تمثل يأسها من عودته ورغبتها أن تراه وأن تكرمه بدفن جثته.
أم غايب.. والحلم
تعد هذه القصة استكمالًا لقصة تذكرة غياب وكأننا إزاء توابع أخرى يسرد فيها الراوى / المؤلف ما حدث فى القصة الفائتة، ويضفر فيها بشكل متواز قصة فوزى الذى يريد بدوره السفر مثل أسامة الغائب الذى لم يعد حتى بعد مرور ثلاثين عامًا على سفره مع انقطاع أخباره عن الجميع، وما اعترى أهل القرية من رد فعل مؤلم اتخذه والد فوزى تكأة لرفضه أن يسافر ابنه حتى لا يحدث له مثلما حدث لأسامة، وعبر تدفق السرد نجد تقنية مشهدية غاية فى الاحتراف حيث جمع الأديب هانى منسى من خلال المونتاج المتوازى بين مشهدين سرديين غاية فى التأثير، عبر استدراج القارئ لسرد انسيابى ولقطات تصويرية رائعة لأجواء الريف – وهى أيضًا مما تتميز به قصة الصيفة وعيون الليل وكاد أن يكون قتيلًا - تجمع بين فوزى الذى يطمح فى السفر وحادثة البقرة بقرة والد أسامة وما حدث لها بعد موت أم أسامة، حيث اضطر والد أسامة أن يصنع عروسة من الجلد لتعتقد البقرة أنه رضيعها فتجود بلبنها، هذا العجل الصغير الذى باعه والد أسامة كى نفق على دراسة أمير ابنه الأصغر، لكن البقرة تنبطح أرضًا باحثة عن وليدها كمعادل لموت الأم حزنًا على ابنها وخراب الدار، وأيضا نجد خيال المآتة الذى يرتدى جلباب والد فوزى وتمثله بالأب، كما أحيى المؤلف على مشهد دخول العم وجيه وكأن الكلمة تحولت لكاميرا تتوسع فى زاوية الرؤية حين يقول أثناء حوار فوزى مع أخته ماجدة «سمعوا ترحيب الأسرة بالعم وجيه ليدخل عم وجيه فى المشهد...»، وكأننا أمام عين كاميرا تلتقط الزائر الجديد ليصبح له دور فى إثنائه عن السفر.
ولقد تميز أسلوب المجموعة القصصية «سنكسار» بتوظيف لغوى غير متكلف كما يعد الحوار شريكًا للسرد ومتسقًا مع طبيعة الشخصيات والفضاء السردى، فساهم فى تدفق السرد وتطوره وانسياببة الأحداث وحيوية الإيقاع.
كما اعتمد السرد لدى الأديب هانى منسى التصوير المشهدى عميق الأبعاد عبر تجسيد الضعف الإنسانى والسخرية من الذات ورغبتها المستحيلة فى الوصول إلى الكمال، بالرغم من نقصها الفطرى الذى جبل عليه الإنسان ولا سبيل للهروب منه، فطالما وجد الإنسان وجدت الخطايا، كما نجح الأديب فى توظيف عنوان المجموعة «سنكسار» ليتماس مع وظيفة السارد / الراوى الذى يحمل فى جعبته أسرار النفس الإنسانية وهمومها وأحلامها وأيضًا براءتها، ربما لنعود يومًا إلى استبطان أنفسنا التماسًا للراحة والاطمئنان والتطهر، فلا نحملها ما لا تطيق فى عالم تسوده المتناقضات وتهيمن عليه المادية المبتذلة، فى محاولة لتجاوز هزائمنا وانتصار ضعفنا الإنسانى أمام أشباح الخطايا.