الجمعة 14 مارس 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مشروع الشيطان.. جيفرى ساكس: حرب سوريا جزء من خطة لإسقاط 8 دول بينها مصر وإيران

جيفرى ساكس
جيفرى ساكس

- المخطط وضعه نتنياهو فى كتاب أصدره عام 1996

- «البنتاجون» أعطت «الناتو» قائمة بالدول المستهدفة بعد 11 سبتمبر

- القائمة المستهدفة تضم سوريا وليبيا والسودان والعراق ولبنان وإيران 

تستمر المنطقة العربية فى مواجهة صراعات غير تقليدية، مع تزايد التحديات التى تواجه دولها على مختلف الأصعدة، فى ظل التطورات السياسية الجارية، خاصة فى الأراضى المحتلة وسوريا.

ولم تصل المنطقة إلى ما تعيشه الآن بين ليلة وضحاها، وبدا واضحًا للجميع أنه يأتى فى إطار مخططات إسرائيلية لتغيير موازين القوى بها. ومن بين هذه المخططات «قائمة» وضعها رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، قبل 28 سنة، ويستهدف من خلالها إسقاط وتغيير أنظمة 8 دول فى المنطقة بينها مصر.

وحدد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى هذه القائمة وفقًا لاعتبارات أمنية واستراتيجية واضحة، تبدو وكأنها جزء من رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، من خلال مخطط متكامل لا يمس فقط الجوانب العسكرية، بل يمتد ليشمل أيضًا التشكيلات السياسية والإقليمية المرتبطة بالهيمنة على مقدرات العرب فى المرحلة المقبلة.

تفاصيل هذا المخطط كاملة كشف عنها البروفيسور جيفرى ساكس، الاقتصادى والباحث والمستشار السياسى الأمريكى المعروف، خلال استضافته من قبل الإعلامى البريطانى الشهير بيرس موجان، فى لقاء تترجمه «حرف» فى السطور التالية.

■ كيف تقرأ الأحداث فى سوريا.. وما أهميتها فى سياق الصراعات الحالية؟

- على الرغم من تصنيفها «هيئة تحرير الشام» على أنها منظمة إرهابية، فإن الولايات المتحدة، كما هو واضح، جزء مما يحدث حاليًا فى سوريا. فقد قال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومى الأمريكى: «نعم، إنها جماعة إرهابية لكنها تتفوق على الأسد».

هذه عملية أمريكية إسرائيلية تركية، وجزء من خطة «نتنياهو» طويلة الأمد، التى تستمر لمدة ٣٠ عامًا للإطاحة بالحكومات فى الشرق الأوسط ممن تدعم الفلسطينيين. ويبدو أنهم فاجأوا الروس والإيرانيين والسوريين بهذه المناورة، فى الأيام الأخيرة على الأقل. لكن أنا متأكد من أن هذه عملية إسرائيلية أمريكية تركية، فعمليات تركيا مع أكراد سوريا تواجه مشكلات خاصة. أما إسرائيل فهى تخطط للإطاحة بالحكومات فى دول الجوار، وتوسيع رقعة الحرب، وجذب الولايات المتحدة- المتاحة دائمًا بناء على طلبها- لتوسيع هذه الحروب. وهذا ما نراه مُجسدًا فى سوريا. هذا هو جوهر عملية «نتنياهو».

■ ما الخطأ فى النظرية التى تقول إن المتمردين السوريين يمثلون قطاعًا واسعًا من الشعب الذى يسعى لإسقاط ديكتاتور لا يريدونه واختاروا اللحظة المناسبة للتحرك فى ظل الضغوط الهائلة التى يتعرض لها بوتين- أكبر داعم للأسد- فى حرب أوكرانيا؟

- بغض النظر عن صحة وخطأ النظرية، المهم هو أن الحروب تُكلف الكثير من الأموال والأسلحة، وكذلك الخدمات اللوجستية، وتجميع المعلومات. الحروب لا تُخاض بدافع المشاعر بل بالمال والسلاح. بالتالى دائمًا ما نجد قوى عظمى وراء هذه الحروب.

وفى حالة سوريا كان «أوباما» هو من كلّف المخابرات المركزية الأمريكية، فى ٢٠١١، بالعمل مع السعوديين والأتراك فى ذلك الوقت، للإطاحة بـ«الأسد» بناءً على طلب إسرائيلى، وفق فهمى وتفسيرى. لكن الأمر احتاج إلى مليارات الدولارات من أمريكا والمملكة المتحدة والسعودية وتركيا. وهذه ليست مشاعر ضد «الأسد»، بل حروب مُنظّمة ومكلفة، ما يعنى دائمًا الالتفات إلى القوى العظمى، سواء الإقليمية، أو الولايات المتحدة، التى تقف وراء هذه الحروب. 

رغم الإطاحة بكثير من الأنظمة فى «الربيع العربى»، صمد بشار الأسد، ووجدت اقتباسًا من باراك أوباما، فى ٢٠ أغسطس ٢٠١٢، يتحدث عن «خطه الأحمر» للرئيس السورى، ويقول: «كنا واضحين للغاية مع الأسد واللاعبين الآخرين على الأرض، إن الخط الأحمر بالنسبة لنا هو استخدام الأسلحة الكيميائية، عندها ستتغير حساباتى ومعادلتى». وبعد فترة قصيرة استخدم «الأسد» الأسلحة الكيميائية، ما ألزم «أوباما» بتنفيذ كلمته واتخاذ إجراء، وحينها كتب «بوتين» مقالًا استثنائيًا فى «نيويورك تايمز» لدعم «الأسد»، ويعتقد كثيرون أن هذا المحفز الأساسى للعديد من الأحداث التالية. 

■ هل لديك تقييم دقيق لذلك؟

- رغم أنى شهدت بعض هذه الأحداث عن قرب، حتى فى «مجموعة الـ٢٠» فى سان بطرسبرج، فالمدهش حقًا أن هذه الأحداث تعود إلى عام ١٩٩٦، مع «نتنياهو»، الذى كتب كتابًا بعنوان «مكافحة الإرهاب»، ونظريات هذا الكتاب واضحة وخطيرة جدًا، يقول: «بما أن هناك حماس وحزب الله، وهما كيانان خطيران جدًا على إسرائيل، ليس من صالحنا محاربتهما بشكل مباشر، هذا لن ينجح، لكن ما نحتاجه حقًا هو الإطاحة بالحكومات التى تدعمهما، لذا فما نحتاجه حقًا هو تغيير الأنظمة فى كل منطقة الشرق الأوسط». وبعدها حدد قائمة طويلة من ٧ دول، هى: سوريا وليبيا والسودان والعراق ولبنان وإيران والصومال. وبشكل منهجى شنت الولايات المتحدة طوال سنوات حروبًا على كل هذه الدول، ماعدا مصر. 

لكن أكثر ما تمناه «نتنياهو» هو حرب مباشرة بين أمريكا وإيران. لكن الولايات المتحدة دخلت الحرب ضد سوريا فى ٢٠١١، سرًا بالتأكيد، فيما يسمى بعملية «تيمبر سيكامور»، وحينها كان «أوباما» هو من كلف المخابرات المركزية الأمريكية بالإطاحة بـ«الأسد».

أطاحت الولايات المتحدة علانية بـ«القذافى» فى ٢٠١١، و«نتنياهو» كان المشجع الرئيسى للولايات المتحدة على الإطاحة بصدام حسين. والآن لدينا كنز من الوثائق التى تخرج من وزارة الخزانة الأمريكية، وتدل على أنها فى الحقيقة كانت حربًا «حرب العراق» لصالح إسرائيل، فكل ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل مزيف كليًا، وهو أمر معروف داخل الحكومة الأمريكية. كانت مجرد حجة لشن هذه الحرب فى العراق. وكان «نتنياهو» فى واشنطن يقنع الرئيس الأمريكى بأن الإطاحة بصدام حسين ستكون بداية الإطاحة بكل الحكومات الأخرى.

بالمناسبة، كانت الفكرة هى بعدما ينهى الجيش الأمريكى حكم «صدام» فى العراق، يتوجهون إلى سوريا مباشرة لاستكمال ما بدأوه، لكن التمردات حاصرت أمريكا داخل العراق حتى لا تتمكن من الزحف إلى سوريا. لذا، فى الحقيقة الحرب على سوريا كانت مشروعًا قائمًا، فقط تأخر ٨ سنوات.

لكن ما نشاهده هو فكرة «نتنياهو» المجنونة للحرب الإقليمية، فقط لتتمكن إسرائيل من تحقيق ما يسمونه «إسرائيل الكبرى»، أو بعبارة أخرى كل شىء يهدف إلى وقف القضية الفلسطينية، واستمرار تورط أمريكا فى هذه الحروب. 

■ ألا تعتقد أن كل الحروب التى خاضتها أمريكا كانت فى صالحها أيضًا كما هى فى صالح إسرائيل؟

- هذا سخيف، لأن كل ما حصلنا عليه هو ٧ تريليونات دولار من الإنفاق على الحرب والديون الضخمة، والفوضى فى كل دول الشرق الأوسط، من ليبيا وسوريا والعراق ولبنان، خلقنا حمام دم بالكامل، لأكثر من ٢٥ سنة الآن. بالتالى هذا لم يحقق أى شىء، أعتقد أن كل شىء ساذج وخاطئ، وأنا ألوم «نتنياهو» الذى أوضح أنها استراتيجيته ونحن جربناها، فعلنا ما قاله، واليوم نفعله مرة أخرى فى سوريا، إنها كارثة.

جيفرى ساكس فى حواره مع بيرس مورجان

■ بعد ضرب «الأسد» شعبه بالأسلحة الكيميائية كتبت: «على الرغم من أنه حقير، يجب أن يستمر فى الحكم» وهذا الواقع الذى يجب أن تواجهه أمريكا، خاصة بعد دعم «بوتين».

- نعم، لكن هناك شيئًا بالمناسبة لا أنت ولا أنا نعرفه على وجه اليقين، وهو الجدل الهائل حول مسألة من الذى أطلق الأسلحة الكيميائية. هناك أشخاص نافذون جدًا ومطلعون يقولون إن هجوم الأسلحة الكيميائية يندرج تحت ما يعرف بـ«الأخبار الزائفة أو الكاذبة». وهذا جوهر عمل السياسة الخارجية الأمريكية. 

أعرف أنه أمر لم تُثبَت صحته بعد، لكنى أعرف خبراء حقيقيين يقولون إن العملية كلها زائفة، وبعضهم يقول إن «أوباما» لم يستمر فى العملية أبعد من ذلك لأنه عرف هذا الزيف! عرف أن «الأسد» لم يكن هو الفاعل، لم يضرب تلك الأسلحة الكيميائية على شعبه، بل كان الفاعل، وهذا اقتباس، «المتمردون تحت سلطة المخابرات المركزية الأمريكية». إذا درست المخابرات المركزية طوال حياتك، كما فعلت أنا، ستتأكد أن «الأخبار الزائفة» هى فى الواقع أسلوبهم الذى يتبعونه دائمًا.

■ هل تقول إن باراك أوباما وحكومته والمخابرات المركزية الأمريكية هم من فعلوا ذلك الهجوم بالأسلحة الكيميائية على الشعب السورى وقتل كل هؤلاء المدنيين؟ هل تعتقد فعلًا أن هذا ما حدث؟

- فى معظم الأحيان عندما تقوم وكالة المخابرات المركزية ببعض الأمور، لا يكون الرئيس على علم بها.

■ هل تقصد أن المخابرات المركزية الأمريكية تشن هجومًا بالأسلحة الكيميائية على المدنيين فقط لتشويه سمعة أمريكا؟

- نعم بالتأكيد! وحدث هذا بأشكال أسوأ بكثير، فقد دبرت انقلابات واغتيالات وحروبًا، لقد سقط تاريخ الولايات المتحدة بالكامل بعد عام ١٩٤٧.

■ لماذا تتبنى دائمًا وجهة نظر حتى لو لم يتم إثباتها معادية جدًا لأمريكا ولا تتبنى وجهة نظر معادية للديكتاتوريين مثل «الأسد» و«بوتين»؟.. هل تقبل أن تكون آراؤك ملتوية أو متناقضة بسبب دافع غريزى لديك، ربما، يقول إن أمريكا دائمًا هى المسئولة ما لم يثبت العكس؟

- الأمر لا يتعلق بكونهم ديكتاتوريين أو لا، الأمر برمته متعلق بدور الولايات المتحدة. لا أعتقد أن أى دولة قادرة على تنفيذ هذه المهمة المتمثلة فى إسقاط حكومة دولة أخرى. شاركت المخابرات المركزية الأمريكية فى إسقاط حكومات دول أخرى. نفذت ٩٠ إلى ١٠٠ عملية سرية لتغيير الأنظمة منذ عام ٢٠٠١ فقط، وهى الوكالة التى تأسست ١٩٤٧.

لقد قضيت كل حياتى فى أمريكا أثناء الحرب، الحرب شىء مقزز ومرهق، الحروب كوارث، لذا ليس من شأننا القول إن هذا حقير وذاك يتوجب عليه الرحيل. لكن حرفيًا هذا ما فعله «أوباما»، وهذا عار عليه. قال: «يجب أن يرحل الأسد»، كان هذا فى ٢٠١١ و ٢٠١٢، وهيلارى كلينتون قالت ذلك.

■ أمريكا اتخذت إجراءات عسكرية فى سوريا بعد الهجوم بالأسلحة الكيميائية، وليست إجراءات سياسية، ما أتاح الفرصة لـ«بوتين» بالتدخل وبسط نفوذ ما كان سيحظى به لولا ذلك، هل هذا صحيح؟

- هناك حقيقة مهمة جدًا، يُقال طوال الوقت فى صحفنا: «التدخل الروسى فى سوريا». تدخلت روسيا فى سوريا ٢٠١٥. لكن هناك خطة أمريكية للإطاحة بـ«الأسد» تعود إلى ٢٠١١، أى أن روسيا تدخلت بعدها بـ٤ سنوات. ما كان ينبغى لنا فعل هذا، فكل هذا كان استفزازًا من «نتنياهو»، هو من كان يريد الحروب فى كل الدول التى ذكرتها.

لماذا نقوم بعمل «نتنياهو» عندما يكون عملًا فاشلًا؟ لذلك لم تدخل روسيا فى وقت كنا موجودين، بل جاءت بعدما بدأنا نحن كل هذا بـ٤ سنوات، لأن سوريا كانت على قائمة «نتنياهو»، وبالمناسبة كانت قائمة حرفيًا، ونعرف هذا من قصة القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلنطى، ويسلى كلارك، الذى ذهب إلى «البنتاجون» بعد ١١ سبتمبر، وأعطوه قائمة من ٧ دول كنا سنطيح بها خلال ٥ سنوات، كانت تلك هى قائمة «نتنياهو».

■ أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال لـ«نتنياهو».. هل تؤيد هذا؟

- بالتأكيد أؤيده، وأتمنى لو أن بعض الرؤساء الأمريكيين على قائمة هذه الاعتقالات.

■ لكن قضت أعلى محكمة استئناف فى فرنسا هذا العام بوجوب استصدار مذكرة اعتقال أيضًا لـ«الأسد» بتهمة «التواطؤ والتورط فى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، هل تؤيد هذا؟

- أنا أؤيد قرارات المحكمة الدولية ومحكمة العدل الدولية. وأظن أن علينا محاولة تنفيذ القانون الدولى، لأننا قريبون جدًا من مسألة «التدمير الذاتى العالمى». أريد أن ينضم لمذكرات الاعتقال هذه أيضًا «بوتين»، وأود أن تدافع روسيا عن اقتراحها بأنه برىء، هذا ما أريده، أن يُنفَذ القانون الدولى. 

لا يعجبنى عندما تقول دولة: «لا ندعم هذا ولا ندعم ذاك»، لا بد أن نحاول مساعدة المؤسسات الدولية على تأدية عملها، ويكون لها الاعتبار الكامل. عندما هددت المحكمة الجنائية بأنها ستوجه الاتهام إلى «نتنياهو»، أعلن نصف مجلس الشيوخ لدينا عن معاقبة قضاة هذه المحكمة وإنهاء المحاكمة، لا يجب أن يحدث هذا. لا بد أن يكون لدينا قانون دولى يؤدى مهامه بشكل صحيح، هذا ما ينشر السلام أكثر فى العالم.

أيضًا أؤمن بأنه لا يتوجب على دولة واحدة تأدية هذا بالنيابة عنا، أظن أن هذا عملًا دوليًا. ما زلت أؤمن بالأمم المتحدة، وأعتقد أنها لا تزال تتمتع بالتأييد على نطاق واسع، لكنها لا تستطيع العمل عندما تتجاهل القوى العظمى بشكل صارخ القوانين. أعتقد أن الجميع متفق على أن هذه القوى لا بد أن تخضع لميثاق الأمم المتحدة دون استخدام «حق الفيتو».

وبالنسبة لقرار المحكمة الفرنسية فهى محكمة محلية ليست بذات أهمية فى هذا الصدد. فرنسا إحدى القوى الإمبريالية فى الشرق الأوسط، وأعتقد أن ما يجب علينا التركيز عليه هو المحاكم الدولية، فلدينا محكمتان، وما علينا فعله هو التأكد من تأديتهما عملهما.

■ كيف تعتقد أن حرب إسرائيل و«حماس» ستنتهى؟

- أتمنى أن تتخلى الولايات المتحدة عن حق النقض فى مجلس الأمن، لأنه الخيار الأخير، وأن نصوت على قرار دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967. لقد التقيت القادة فى كل أنحاء الشرق الأوسط والعالم الإسلامى، والجميع مستعد لإقامة علاقات سلمية طبيعية مع إسرائيل لوقف عدوانها على الفلسطينيين.