السلطان.. ما خفى من سيرة آخرعمالقة التلاوة

- يعترف السيد سعيد بأن سورة يوسف منحته ما لم يتخيل فى حياته ماديًا ومعنويًا
- أقرأ القرآن بقلبى.. هناك من يقرأ بصوته فقط لكن أنا أقرأ بكل حواسى ولو فلتت منى آية أحاسب نفسى حسابًا عسيرًا
عندما جلست إليه، لم أصدق أننى فى حضرة سلطان المقارئ.
كانت اللقاءات تتوالى مع المقرئين الشباب ضمن حلقات خصصتها فى برنامجى «90 دقيقة» للحديث مع قراء القرآن، أطلقت عليها اسم «نجوم دولة التلاوة»، التى خططت من خلالها أن ألتقى بكل من يقرأ القرآن فى مصر، وإذا بى أتلقى اتصالًا من القارئ المدهش والمعجز ممدوح عامر، قال لى: متى تستضيف الشيخ السيد سعيد؟
قلت بينى وبين نفسى: يا الله.. الشيخ السيد سعيد الذى يحلو لمستعميه أن يقولوا عنه إنه أفضل من قرأ سورة يوسف منذ أذن الله للقرآن أن يُقرأ على الأرض، أنّى لى أن أجلس إليه وأتحدث معه؟ فهذه لحظة أنتظرها منذ بدأت هذه الحلقات.
تواصلنا مع الشيخ السيد سعيد، وحددنا معه موعد اللقاء.
من عادتى ألا أقابل ضيوفى قبل الهواء، لم أفعلها إلا قليلًا، وكان هو أول من فعلت ذلك معه، وعندما دخلت لأرحب به كانت المفاجأة، فكما أشتاق لرؤيته والحديث معه، كان لديه أيضًا نفس الشوق.
قال لى: فى كل مرة تستضيف أحد القراء.. كنت أسأل نفسى: متى يستضيفنى هذا الرجل؟
كان ما قاله مربكًا.
قلت له: اللقاء بك شرف أعتز به كثيرًا يا مولانا.
لقائى به كان فى 16 ديسمبر 2018.
وقتها كان قد أتم من عمره المديد 75 عامًا، فهو من مواليد العام 1943 بقرية «مرجا سلسيل» مركز الجمالية بمحافظة الدقهلية.
كان الشيخ قد توقف عن قراءة القرآن فى المناسبات والاحتفالات، وكانت طبيعة اللقاءات تقتضى أن يقرأ المقرئ بعض الآيات خلال الحلقة، ولأننى أعرف أنه توقف، فقد اخترت أن نذيع له بعض المقاطع من قراءاته السابقة.
لا بد هنا أن أعترف لكم بأننى كنت مثل كثيرين يعتقدون أن الشيخ السيد سعيد قد رحل عن عالمنا، لذلك عندما رحبت به وجدته يقول لى: أشكرك لأنك أتحت لى فرصة الظهور معك لكى يعرف الناس أننى ما زلت موجودًا على قيد الحياة، لأن هناك بعض الناس من يروجون أشياء غريبة عنى، وهؤلاء لهم أغراضهم الخاصة، رغم أننى توقفت عن القراءة منذ سنة ونصف السنة، ولست منافسًا لأحد الآن، ثم إن هناك من يضيقون بحديثى أحيانًا، وأنا لا أتحدث إلا بما يحافظ على كتاب الله، فمن يحافظ على القرآن أرفعه فوق رأسى صغيرًا كان أو كبيرًا.

قررت أن أدخل عالم الشيخ السيد سعيد الرحب مباشرة دون مقدمات.
حفظ القرآن الكريم بالتجويد فى عُمر ٦ سنوات.. وبدأ القراءة فى المحافل العامة وعُمره ٩ سنوات وذلك فى عام ١٩٥٢
سألته: بدأت قراءة القرآن مبكرًا وأنت عندك ٧ سنوات فقط، كيف تسنى لك ذلك؟
قال: أنا حفظت القرآن الكريم وجوّدته وأنا عندى ٧ سنوات بالفعل، لكن القراءة فى المحافل العامة جرت وأنا عندى ٩ سنوات، تقريبًا فى العام ١٩٥٢.
قلت له: وهل كان هذا طبيعيًا؟.. طفل عمره ٩ سنوات ويتصدى لهذه المهمة الكبيرة!
قال: الفضل فى هذا يعود إلى الله وحده، ثم لمحافظ دمياط فى هذا الوقت، ولأهالى «كفر سليمان البحرى»، كان شيخ معهد القراءات فى دمياط قد استمع إلىّ وأثنى علىّ ثناء جميلًا، وهو ما دفع بى إلى أن أشارك فى المحافل العامة، وأذكر أن المهندس حسب الله الكفراوى كان داعمًا لى، وكان بيته فى دمياط بيتى، كنت ألف اللفة وأذهب إلى هذا البيت لأستريح، وكان يشملنى برعايته، ولذلك طوال حياتى أقول إن المهندس حسب الله كل له فضل كبير علىّ.
سألته: فى هذا الوقت المبكر.. ماذا كنت ترتدى؟
قال: كنت ألبس بالطو فوق الجلابية، وأرتدى طاقية بيضاء على رأسى، وعندما «مشيت العملية معى» بدأت أرتدى كاكولا وطربوش.
مازحته قائلًا: العملية مشيت يعنى أن الفلوس بدأت تجرى فى يدك؟
ابتسم وقال: فعلًا الفلوس بدأت تجرى فى يدى.. أنا أول أجر حصلت عليه من القراءة كان ربع جنيه، كنت أدفع منه أجر المواصلات، فقد كنت أسافر لبعض المناطق وبينى وبينها على الأقل ٢٠ كيلو.
قلت: ربع جنيه كان يعتبر مبلغًا محترمًا.
قال: محترم جدًا، وبعد ذلك بدأ الأجر يتحرك حتى حصلت على ٥٠ قرشًا، وكانت نقلة فى حياتى.
ولأن عمر الشيخ كان صغيرًا، فقد استبعدت أن تكون قراءته فى محافل كبيرة.
سألته: كيف كان شكل المحافل التى قرأت فيها فى هذه السن، هل كانت مياتم كبيرة كما نرى الآن؟
قال: أكبر ميتم زمان كان بين ١٠ و١٢ سقفًا، ومن كانت لديه مقدرة كان يعمل الميتم ١٢ سقفًا.
سألته عن معنى السقف، فقال: سقف الفراشة من فوق يعنى ارتفاعه، ولم يكن كثيرون يملكون ما يقيمون به مياتم كبيرة، الناس زمان كانت فقيرة، أنت لم تعاصر هذه الفترة، لكننى رأيت ناسًا لا يجدون ما يلبسونه فى أرجلهم، ويمكن أن يعيش الواحد منهم ويموت ولا يعرف طعم اللحمة، الآن الموضوع اختلف، ويمكن أن ترى ميتمًا يمتد على مساحة فدان أرض.
استوقفت الشيخ قليلًا عند هذه النقطة.
قلت له: أعتقد أن المبالغة فى المياتم الآن أخذت كثيرًا من قراءة القرآن؟
وكأنه كان ينتظر السؤال، قال بأسى: لم تعد هناك قيم ولا مبادئ، واعذرنى فيما أقوله، فأى ميتم هذا الذى يتكلف ١٠٠ أو ٢٠٠ ألف جنيه، وربما أكثر من ذلك.. هذا حرام ولا يخدم القرآن أبدًا.
أخذت الشيخ من هذه المساحة التى يبدو أنها ذات شجون لديه، وعدت به مرة أخرى إلى سيرة حياته ومشواره مع القرآن.
كنا ناسًا فقراء على باب الله وأبى كان رجلًا مريضًا وظل بلا عمل لمدة طويلة
قلت له: حفظت القرآن فى سن ٧ سنوات، وبدأت القراءة فى المحافل فى سن ٩ سنوات، أين كانت أسرتك.. ما الدور الذى لعبته فى هذا الإنجاز؟
وكأنه يسترجع ما جرى.

قال: أسرتى كانت فقيرة، كنا ناسًا فقراء على باب الله، وأبى كان رجلًا مريضًا، وظل بلا عمل لمدة طويلة، وكنا تسعة من الإخوة، أربع بنات وخمسة ذكور، وكنت أنا أصغر الأبناء، واجتهدنا جميعًا من أجل لقمة العيش، وعندما أكرمنى الله وبدأت أعمل وأحصل على أجر تحول أبى إلى صاحب أرض، حيث اشترينا خمسة أفدنة.
قلت له: كل هذا كل بفضل القرآن؟
رد دون تفكير: طبعًا بفضل القرآن الكريم، فأى بيت يُتلى فيه القرآن يبقى عامرًا إلى أن تقوم الساعة، بشرط أن يكون القرآن فيه للقرآن وليس لأى غرض آخر.
سألته عمن علّمه.. من هو العريف الذى يدين له بالفضل؟
قال: الحقيقة أنا تعلمت القرآن وحفظته فى كتّاب القرية عندنا فى «مرجا سلسيل»، وكانت وقتها تابعة لمركز المنزلة، الآن هى تابعة لمركز الجمالية، وكان لهذا الكتّاب فضل فى تخريج عمالقة، وكنت أنا من بين من اختارهم الله ليتخرجوا فى هذا الكتّاب. والدى وهبنى للقرآن، والتحقت بالمعهد الأزهرى فى دمياط، وأنا فى سنة أولى استمع إلىّ البعض واستحسنوا صوتى، وأصبحت مشهورا، وأصبحت أحصل على أجر كبير، «جنيه واتنين وتلاتة»، فقررت أن أترك الدراسة وأتفرغ لقراءة القرآن فى المحافل العامة.
الشيخ السيد سعيد: تعلمت القرآن وحفظته فى كتّاب القرية عندنا فى «مرجا سلسيل»
ترك السيد سعيد المعهد الأزهرى لأن الدراسة كانت مكلفة وهو ابن أسرة فقيرة، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية كان الرزق قد بدأ يطرق بابه.
قال لى: «كنا ناس فقرا، والستر جاى من عند ربنا»، وعندما يأتيك الستر لا يجب أن تغلق فى وجهه الباب، ووقتها قام محافظ دمياط بتعيينى قارئ سورة فى مسجد الرحمة فى رأس البر بأجر شهرى ٧ جنيهات.
كان هذا فى بداية الستينيات من القرن العشرين، ورغم أن الـ٧ جنيهات كانت مبلغًا محترمًا فى هذا الوقت، إلا أن الوظيفة عطلت الشيخ السيد سعيد عن عمله فى المحافل العامة.
يقول: بعد شهر واحد تقدمت باستقالتى من الوظيفة الرسمية، سألونى عن السبب، فقلت لهم: يفتح الله أنا مبطلعش بحاجة من المرتب.
قلت له: عرفنا أنك حفظت القرآن فى الكتّاب، ولم تستكمل دراستك فى المعهد الأزهرى، فكيف قمت بخدمة القرآن؟، كيف عملت على تجويده وإتقان فنون القراءة ومعرفة الموسيقى؟.. هل تعلمت ذلك على يد أحد؟
قال: كان معلمى من الكوردى، شيخ اسمه محمد غنيم، متخصص فى القراءات، ظللت مرافقًا له ثلاث سنوات، تعلمت على يديه القراءات العشر، وكان يراجع معى التجويد قبل تعلم القراءات.

سألته: ومتى خرجت من المحافل الصغيرة والمياتم فى القرى إلى المحافل الكبيرة؟، متى أصبح اسم الشيخ السيد سعيد معروفًا على نطاق واسع؟
قال: سأحكى لك حكاية طريفة جدًا، طلبنى فراش فى عزاء فى مكان بعيد عن قريتى، وقال لى لا تخبر أحدًا أنك السيد سعيد، وإذا سألك أحد عن اسمك، قل له أنا الشيخ عبدالباسط عبدالصمد. كان الشيخ عبدالباسط وقتها ظاهرة، يعرف الناس صوته ولا يعرفون صورته، لأنه كان يقرأ فى الراديو، وكنت أنا أقلد صوته بشكل يكاد يكون متطابقًا.
دخلنا العزاء، وكان معى مساعد يمشى معى فى كل مكان، وفجأة ونحن على باب الصوان وجدته خائفًا جدًا ويرتعش، قلت له: «إنت بتترعش ليه.. هو إنت اللى هتقرا ولا أنا؟» شتمته وعنفته، فقد خشيت أن ينتقل لى خوفه، وأنا كنت الحمد لله طوال عمرى جريئًا لا أخاف من شىء أو أحد.
دخل الفراش أمامى إلى الصوان: اتفضل يا مولانا.. اتفضل يا عم الشيخ عبدالباسط. دخلت وجلست إلى جوار رجل معمم، سألته: يا عم الحاج هم جايبين مين؟ فرد علىّ: سمعت يا ابنى إنهم جايبين الشيخ عبدالباسط، وسمعت إنهم جايبين الشيخ طه الفشنى.. والله ما أنا عارف، قلت فى نفسى: الفشنى يمكن أن أسلك معاه، إنما هاعمل إيه مع الشيخ عبدالباسط؟
قلت له: الفراش خدع أصحاب الميتم، أخبرهم بأنه تعاقد مع الشيخ عبدالباسط.
ابتسم وهو يقول: اتفق معاهم على مقاولة الشيخ عبدالباسط حتى يحصل منهم على أجره الكبير.
يستكمل السيد سعيد حكايته: عاد الناس من المقابر بعد الدفنة، وكنا وقتها فى شهر رمضان، والجو حر نار، ووجدت الفراش يتوجه إلىّ ويقول لى مرة ثانية: اتفضل يا مولانا.. اتفضل يا عم الشيخ عبدالباسط، طلعت ع الدكة وبمجرد أن بدأت، وبعد أن قلت «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. باسم الله الرحمن الرحيم»، وجدت أحد الموجودين فى الصوان يقول بصوت عالٍ: الله.. الله عليك، ووجدت آخر يقول: الله يفتح عليك يا عم الشيخ عبدالباسط، وعرفت طبعًا أن هؤلاء استأجرهم الفراش للتشجيع ودفع الموجودين إلى استحسان القراءة والتشجيع أيضًا.
انتهيت من وصلة العصر، ودخلنا نفطر، وكانت أول مرة فى حياتى آكل الفراخ الرومى فى ميتم، وكانت حاجة فخمة، المهم ربنا وفقنا وخلصنا الليلة على خير، وحلف الفراش على ألا أعود إلى البلد، وأن أنام اللية عنده فى البيت، وقال لى: إنت هتبات على السرير اللى بات عليه الشيخ عبدالباسط والشيخ مصطفى إسماعيل لأنك رفعت راسى.
سأل الشيخ سيد الفراش، قال له: إنت مأجر ناس يشجعونى؟
ضحك وهو يقول: أنا أجرت ١٠ أشخاص، كل واحد منهم أخذ ١٠ قروش لزوم التشجيع وعمل جو فى الصوان.

يعود السيد سعيد إلى حكايته: اتسحرنا ليلتها، وقفل الفراش علينا الأوضة، قلقت وقلت لمساعدى: هو الراجل ده مش هيدينا فلوسنا ولا إيه؟ وقبل أن أنتهى من السؤال وجدته يفتح علينا الأوضة ويقول لى: اتفضل أجرك أهو، بعد الفلوس لقيتها ٣٠ جنيه، وكان أكبر رقم حصلت عليها وقتها، كان مبلغًا كبيرًا جدًا.
لم تنته الحكاية عند هذا الحد.
يقول السيد سعيد: صرفت أنا والمساعد جنيهًا، وعدت إلى البيت وأعطيت والدى ٢٩ جنيهًا، فوجدته يسألنى: جبت الفلوس دى منين.. إنت سرقت الفلوس دى من حد؟ وقبل أن أجيبه، وجدته يسحبنى، وكانت فى البيوت القديمة شبابيك حديد، علقنى فى الشباك وضربنى علقة سبحان العاطى الوهاب فى الضرب، والدى كان عصبيًا جدًا، وكل ما فعلته أننى وضعت وجهى فى الأرض وبكيت، كنت أنتظر أن يأتى أحد ليمنع أبى من ضربى، لكن تركونى له وحيدًا.
فى هذه اللحظة كان جدى جالسًا أمام البيت، وإذا بناس من دمياط يسألون عنى، لأن عندهم ميتم، قابلهم جدى، وجاء إلى أبى وقال له: خلى عندك ذوق الناس جايين طالبين ابنك، حرام عليك اللى بتعمله ده، سابنى، ودخلت البيت وأنا لا أستطيع التوقف عن البكاء، وجدت أمى تقول لى: الناس دول جايين لك عشان شغل، اغسل وشك وروح قابلهم، لبست ورحت معاهم، وعندما وصلنا إلى المحطة وجدت أحدهم يسألنى: إنت اللى كان أبوك بيضربك؟ قلت له: أيوه، سألنى: ليه، حكيت له ما جرى، فقال: ونعم التربية، فقلت له: عليا الطلاق ما أنا جاى معاك، وعدت إلى البيت غاضبًا من رده.
صمت الشيخ قليلًا بعد أن انتهى من حكايته، قلت له: لماذا غضبت؟
قال: أصلهم هيدونى كام، ٣ جنيه مثلًا، الرجل رآنى وأبى يضربنى ويقول لى: ونعم التربية، يا أخى بلا تربية بلا بتاع، دى كانت علقة موت.

خرجت من الحكاية لأقول للشيخ: أفهم من ذلك أنك كنت فى بداية رحلتك مع القراءة كنت تقلد الشيخ عبدالباسط عبدالصمد؟
قال: كنت فى بداية حياتى أقلد الشيخ عبدالباسط والشيخ محمد صديق المنشاوى والشيخ محمود على البنا، كنت أقرأ على مزاج الجمهور، من يريد واحدًا منهم أقرأ على طريقته.
قلت له: كنت تقلد هؤلاء، ولم تأتِ على الشيخ مصطفى إسماعيل بذكر رغم أنه يحتل مكانة مهمة فى حياتك؟
قال: الشيخ مصطفى إسماعيل، رحمه الله، شجعنى تشجيعًا خاصًا، وأذكر أننا كنا فى ميتم عمدة بلدنا، وكان المفروض أن يأتى الشيخ مصطفى، وكنت أنا من اتفقت معه، وكان سيحصل على ١٦٠ جنيهًا، لكن حدث أنه تأخر، والناس جاية من آخر الدنيا لتسمعه، فطلعت أنا وبدأت القراءة، نصف ساعة ولم يأتِ، أكملت حتى اقتربت من الساعة ولم يأتِ، وعندما دخل الصوان وأنا أقرأ وجدته يقول لى: طول شوية يا شيخ سيد عايز أسمعك، وبعد أن أنهيت قراءتى وجدته يقول لى: والله يا ابنى خسارة يجيبوا مصطفى إسماعيل وإنت موجود عندهم.
لم يقرأ الشيخ مع مصطفى إسماعيل فقط، جمعته قراءات كثيرة مع كبار آخرين.
يقول: قرأت مع جميع قراء مصر تقريبًا، الشيخ منصور الشامى الدمنهورى، والشيخ جودة أبوالسعود من منيا القمح، والشيح محمد سلامة، ومن الشباب قرأت مع شعبان الصياد وراغب مصطفى غلوش والشحات أنور والشيخ شبيب.
سألته عما يميز كل واحد من الثلاثة الكبار فى حياته، وهو ما كنت أعرفه عنه.

قلت له: حدثنى عن أثر الشيوخ مصطفى إسماعيل ومحمود البنا والمنشاوى فى حياتك؟
قال: الشيخ مصطفى إسماعيل كان حاجة عظيمة، وكان مقرئ الملك، وكنت أحب الشيخ محمد صديق المنشاوى لأنى قرأت مع والده المنشاوى الكبير فى الأقصر سنة ١٩٦٣، وكان قد قال لابنه محمد: هيقابلك ولد من المنصورة كويس أوى، وأنا جبت محمد صديق المنشاوى فى ميتم جدى بـ٩٥ جنيه، ذهبت إليه وأنا أرتدى جلابية وطاقية، لم ألبس اللبس الرسمى، ولما جاء ووجدنى أقف فى الصف أمسك بيدى وسألنى: لماذا لم تأتِ إلى باللبس الرسمى؟ فقلت له: لو جئت إليك باللبس الرسمى كنت ستعتقد أننى طامع فيك، ولكنى أريد أن تحصل على حقك، فقال لى: لقد سمعك والدى فى الأقصر وأريد أن أسمعك الآن، قلت له: لكن هذا ميتم جدى والناس يريدون أن يستمعوا إليك أنت، أصر على أن أقرأ، ولما قرأت قلدت والده فى «لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق»، وبعد أن أنهيت قراءتى وجدته يقول: والله خسارة أن تأتوا بى وهذا الولد موجود عندكم. أما الشيخ محمود البنا فقد كان لحضوره فى حياتى تأثير كبير، كنت أنظر إليه على أنه قيمة كبيرة فى دولة التلاوة المصرية.
أخذت الشيخ السيد سعيد إلى قصته الكبرى.
قلت له: أعرف أنك تحدثت كثيرًا عن موقع سورة يوسف فى مسيرتك مع القرآن، فقراءتك لها وقع خاص فى وجدان كل من استمع إليها منك، شهرتك مرتبطة بها، ما الذى يمكن أن تقوله لنا عنها؟
قال: سورة يوسف لها فضل كبير علىّ، فقد سمعها الشيح زايد آل نهيان بالصدفة. السائق الخاص به كان فلسطينيًا تزوج من الزقازيق، هذا السائق كان ينزل إجازة فى مصر ويجمع تسجيلاتى على شرائط كاسيت ويأخذها معه وهو مسافر.
كان الشيخ زايد عنده عادة أن يتابع كل المشروعات بنفسه، فى مرة نزل من السيارة ليباشر أحد المشروعات، ولما عاد إلى السيارة وجد السائق وقد استغرق فى النوم بعد أن شغل سورة يوسف فى السيارة، جلس إلى جواره ليستمع دون أن يوقظه، ولما استيقظ سأله: مين اللى بيقرا ده؟
قال له: ده شيخ اسمه السيد سعيد من طنطا، قال ذلك لأن الشريط كان من تسجيلات شركة صوت الغربية، أرسل الشيخ زايد مرسالًا مخصوصًا من الإمارات ليبحث عنى، كان المرسال هو مدير البرامج فى إذاعة أبوظبى، وبالصدفة كان من عندنا من الدقهلية.
وصل المرسال مصر فى شهر رجب ليتعاقد معى حتى أسافر لقراءة القرآن فى الإمارات فى رمضان، سأل علىّ أصدقائى من المقرئين، فلم يدله أحد رغم أنهم كانوا يعرفوننى، كلما يسأل أحدًا عنى، يقول له: لا أعرفه، رغم أن بعضهم كانوا من المقربين منى جدًا ويزورنى فى بيتى.
يواصل الشيخ الحكاية الغريبة: وفى ليلة كنت أقرأ فى بورسعيد، وعندما عدت إلى البيت وجدت والدتى تقول لى إن أحدهم اتصل بى بالتليفون، ويقول إنه يريدنى أن أسهر معهم فى رمضان فى الإمارات، وقتها كانت أبوظبى تدعو الشيخ مصطفى إسماعيل، أو الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، فقلت فى نفسى أكيد هناك خطأ فى الموضوع.

الساعة ٦ الصبح تانى يوم، وجدت من يحدثنى ولهجته كانت خليجية، قال لى: عايز أقابلك، قلت له: فين؟ قال: فى المنصورة، وحدد لى المكان، حبيت أرسم الموضوع، فقلت له: سوف أرسل لك السكرتير بتاعى، وحتى أكون صريحًا، كنت أريد أن أعرف هيدفعوا كام، أحضرت اثنين وألبستهم «لبس كويس»، وذهبنا إلى المنصورة، وجلست فى مكان بجوارهم، وبعد دقائق كلمونى فذهبت إليهم، أول ما رآنى المرسال، قال لى: هو إنت؟ فقلت له: إيه مش عاجبك ولا إيه؟ لحق نفسه، وقال لى: إحنا بندور عليك من مدة، وهاقول لك حاجة أنا سألت عليك الشيخ فلان والشيخ فلان وقالوا: لا نعرفه.
سأله الشيخ: وكيف وصلت إلىّ؟
حكى له المرسال ما جرى، قال له: أنا كنت موجودًا فى الإسكندرية، وكانت الشقة التى أمامى مشغلة سورة يوسف بصوتك، وكان يسكنها مستشار من دمياط، سألته عنك، وكان يعرفك ومعه تليفونك، أخذت منه الرقم واتصلت بك. وذهبت إلى أبوظبى، وظللت أسافر ١١ عامًا لإحياء ليالى رمضان هناك.
جرت أحداث هذه القصة على وجه التقريب فى أوائل الثمانينيات، ويعترف السيد سعيد بأن سورة يوسف منحته ما لم يتخيل فى حياته ماديًا ومعنويًا.
سألته عن ظروف تسجيلها أول مرة، فقال: كان فيه واحد صديقى من ميت نما بالدقهلية اسمه محمود برانق، سجلت معه أربع نسخ من سورة يوسف، وبعد أن انتهيت قلت له: أنا نفسى أسجل نسخة بمزاجى أنا، فقال لى: الأربع نسخ لا توجد فيها غلطة واحدة، لكن توكل على الله، أخدت راحتى على الآخر، وقرأت سورة يوسف وشعرت بالفتوح الربانية تحاصرنى من كل مكان، وبسبب هذه النسخة سافرت العالم كله.

قلت له ضاحكًا: هذه القراءة جعلتك أيضًا مطاردًا، فأى مكان تقرأ فيه تجد من يطلب منك سورة يوسف.
قال: فى أى عزاء أو أى ميتم كنت أروحه، كانوا يقولون لى عاوزين سورة يوسف، وكان بعضهم يقول لى نريد أن نعرف إذا كنت أنت من يقرأها أم أن أحدًا آخر هو من يفعل ذلك.
سألته: هل صحيح أنك قررت أن تمتنع عن القراءة فى بورسعيد لسنوات بسبب سورة يوسف؟
قال: الحكاية بدأت عندما كنت أقرأ فى بورسعيد، ووجدت أحدهم يدخل علىّ، ويقول لى المدام تريد أن تسمع منك سورة يوسف، فغضبت، وقلت له: أنا مالى ومال المدام، اطلب ما تريده أنت وأنا أقرأ، لكن ليه تقولى المدام، وغضبت وقاطعت بورسعيد فترة.
أخذت الشيخ السيد سعيد إلى مساحة خاصة به، فعندما يقرأ تشعر بأنه يمسك بالمعانى أكثر من الآخرين، سألته عن سر ذلك؟
قال: أنا من اللحظة الأولى وأنا أقرأ القرآن بقلبى، هناك من يقرأ بصوته فقط، لكن أنا أقرأ بكل حواسى، ولو فلتت منى آية أحاسب نفسى حسابًا عسيرًا، ثم إن لى منهجًا فى القراءة، طوال عمرى أقرأ «ارتجالى»، لا أعرف شيئًا عن الموسيقى أو المقامات، لم أتعلمها، ولكننى أترك نفسى للقرآن ليأخذنى إلى حيث يشاء.
قلت له: يمكن أن نعتبرك صاحب مدرسة فطرية فى القراءة، فأنت لم تسمع موسيقى ولم تدرس القفلات، ولم تقترب من المقامات.
قال: طوال عمرى وأنا أسمع للقرآن فقط، وأنا عندى سبع سنين كنت أستمع للشيخ مصطفى إسماعيل، وأذكر أنى مرة كنت سايق العربية فى ميدان التحرير وسمعت واحدًا يقرأ «علّم الإنسان ما لم يعلم»، تركت العربية دايرة فى وسط الطريق، وذهبت إليه، وجدت أنه الشيخ محمود البجيرمى، أخذت منه الكارت بتاعه، لأنه دخل دماغى بقراءته.
قلت له: يعنى القفلات المشهورة التى يحبها الناس منك يفتح عليك الله بها فى لحظتها، لا تتدرب عليها بينك وبين نفسك؟
قال: كله من عند الله، وفيه قفلات يسعد بها الناس، وقفلات لا تسرهم، لكنى لا أهتم بذلك، المهم عندى هو أن أبسط نفسى بقراءتى، والأهم أن تكون القفلة راكبة مع المعنى، بصرف النظر هل أسعدت الناس أم لا.. لقد تعودت منذ صغرى أن أقرأ لنفسى أولًا.
كان الشيخ السيد سعيد يجلس معى بعد عام ونصف العام فقط من توقفه عن القراءة فى المحافل العامة، قرر أن يتوقف، لكنه أكد لى أنه لو قرأ شيئًا جديدًا فسيكون بنفس الأداء، لم يتغير شىء.
قلت له: أنت عاصرت عدة عقود من القراءة والقراء، لو طلبت منك أن تعقد لى مقارنة بين ما كان وما نجد الآن فى قراءة القرآن وفى أحوال المقرئين، فماذا تقول؟
قال: زمان كان ٩٩ بالمائة ممن كانوا يحضرون العزاء حافظين لكتاب الله، حتى الفلاح الذى كان يأتيك من الغيط كان حافظا للقرآن، أما الآن ففيه ناس تجلس فى المياتم وبعضهم لا يحفظ الفاتحة، الكل يسعى الآن وراء الصوت، صوت فلان حلو يروحوا وراه، المهم عند الناس الآن الصوت، بصرف النظر عن صحة القراءة من عدمها.

سألت الشيخ عن أولاده.
عندى ولدين وتلات بنات ولم يحترف أحد منهم قراءة القرآن.. علمتهم فقط لأنى اتهنت فى حياتى واتبهدلت بدرجة كبيرة
فقال: أنا عندى ولدين وتلات بنات، ولم يحترف أحد منهم قراءة القرآن، علمتهم فقط، لأنى اتهنت فى حياتى، اتبهدلت بدرجة كبيرة، كنت أركب حمار عشان أروح عزا يبعد عنى عشرة كيلو، مريت بتعب كبير، لكن الحمد لله على كل حال.

قلت له: ما هو المكان الذى كنت تتمنى أن تقرأ فيه.. وما زلت تتمنى ذلك حتى الآن؟
قال: أنا عمرى ما تمنيت حاجة أبدًا إلا وربنا بعتهالى، وعندك مثلًا ما حدث فى أبوظبى، كنت أقعد أقول يعنى يا رب الشيخ مصطفى إسماعيل بيروح، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد بيروح، وأنا ليه مرحش؟ ألاقى ربنا بعت لى سفر أبوظبى ويستمر لـ١١ سنة، كل ما تمنيته ربنا بعته فى الحقيقة وفى الوقت المناسب.
سألته: وكيف يتم التعامل مع القارئ المصرى خارج مصر؟
قال: القارئ المصرى فى أى دولة فى العالم بيتشال على الرأس، على عكس ما يحدث هنا، فالتقدير لدينا فى الغالب ليس موجودًا، وأنت تفهم كلامى جيدًا.
فى نهاية لقائى به، طلبت من الشيخ السيد سعيد أن يوجه نصيحة أو وصية للقراء الجدد.
قال وهو يبتسم: بلاش.. أنا أصل لسانى طويل شوية.
قلت له: مش مشكلة.. يستحملوا شوية، أنت فى النهاية أستاذهم.
قال: وصيتى لكل من يقرأ القرآن أن يتقى الله فيما يقرأ، فالله يقول «واتقوا الله ويعلمكم الله»، لا تبقى مع العبد وتغضب الرب، كن مع الله حتى يرفعك، الله يقول «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»، فاحفظ القرآن حتى يحفظك الله.
ممدوح عامر للسيد سعيد: الكنبة متشلش عمامتين يا مولانا

كان اللقاء بالشيخ السيد سعيد على قائمتى، لكن حركه ودفع به القارئ العبقرى ممدوح عامر، الذى أرى أنه يمثل جانبًا مهمًا من جوانب مستقبل قراءة القرآن فى مصر.
رسالة «السلطان» لـ«ممدوح عامر»: يا شيخ ممدوح القرآن هو الذى يضعنا فى عليين.. وهو الذى يمكن أن يقعدك فى مكانك الذى تستحقه إذا حافظت عليه
اقترحت على ممدوح أن ينضم إلينا فى الحوار، وأن يقوم بتكريم الشيخ السيد سعيد بنفسه، وهو ما جرى.
دخل ممدوح على الاستديو وكان يرتدى بدلة، تخلى عن زى القارئ وهو الجبة والقفطان والكاكولا والعمامة، قلت له وكان قد جلس إلى جوار الشيخ: أين العمة يا شيخ ممدوح؟
فرد على بذكاء وعبقرية، وهو يتجه بوجهه ناحية الشيخ السيد سعيد: أصل الكنبة متشلش عمامتين.
كنا قد أذعنا تسجيلًا لممدوح عامر، وعلق أحدهم عليه بأنه يشبه الشيخ السيد سعيد، فقال ممدوح: لماذا كل هذا الإحراج؟.. أنا مهما عملت ومهما قدمت، فلن أطاول قامة مولانا الشيخ أبدًًا.
رد الشيخ سعيد وقال: بالعكس يا شيخ ممدوح أنا لى الشرف أن تكون مثلى أو أكون مثلك.
قال ممدوح: العفو يا مولانا.. هذا حقك.. ولا يمكن أن ينكر أحد حقًا حصلت عليه بجهدك واجتهادك.. ولا يمكن أن ننكر أستاذيتك.
قلت: الحقيقة يا مولانا منذ بدأت حلقات نجوم دولة التلاوة وأنا أفكر فى استضافتك، كنت فى شوق حقيقى لأن نلتقى، وعندما اقترح الشيخ ممدوح أن نقوم بتكريمك هنا، وافقت على الفور وشكرته على اقتراحه ومبادرته الكريمة، قلت له: إذا لم نكرم مولانا الشيخ السيد سعيد فمن نكرم إذن؟
قال الشيخ: لا تتصور السعادة التى أنا فيها الآن، فأنا سعيد جدًا بمقابلة الشيخ ممدوح، لأنه الحقيقة هو من شجعنى على قبول الدعوة، لأنه يعرف أننى لا أخرج من بيتى الآن، لكن حبًا لله ورغبة فى لقائك، قررت أن نكون معًا اليوم.
سألت الشيخ: هل تذكر أول مرة قابلت فيها الشيخ ممدوح؟
قال: أول مرة كان عندى فى البيت، وجدته هو والشيخ حجاج الهنداوى يدخلان على، وكانت زيارة من أخ كريم.
علق ممدوح: لا يا مولانا.. كانت زيارة ابن يا سيدنا.
قال الشيخ: والله أنت أخ وابن وصديق وكل شىء، أنت يا شيخ ممدوح فيك إخلاص، وفيك نور كبير، وإن شاء الله سيظهر عليك هذا النور أكثر وأكثر.
سألت: ومتى سمعت الشيخ ممدوح أول مرة يا مولانا؟
رد: أنا سمعته كثيرًا، وأنا عمومًا أسمع طول الوقت، وأى قارئ يظهر على الساحة أجيبه وأسمع له، ولما جه البيت سمعته، وسألنى عن رأيى، وهو يعرف أنى جرىء وأقول رأيى بصراحة، وقلت له يومها: الله ينور بصيرتك، بصراحة قراءة وأداء وإتقان وإخلاص، صحيح هو يجهد نفسه ربما أكثر من اللازم، ويجب أن ينتبه لذلك، لأن السميعة الآن مش عاوزين الصييت يجهد نفسه.
التفت إلى الشيخ ممدوح وقلت له: هذه شهادة عظيمة فى حقك؟
فقال: جزى الله مولانا الشيخ السيد سعيد عنى كل خير، وأنا اليوم ما جئت بمسماى الذى يعرفه الناس وهو الشيخ ممدوح عامر، ولكن جئت بصفتى ممدوح عامر أحد محبى الشيخ وأحد تلامذته، فأنا كنت أستمع له وأنا عندى خمس أو ست سنين، كان والدى عنده عربية يعمل عليها، وكان كل يوم الصبح يشغل الشيخ السيد لحد ما تسخن العربية ويشرب الشاى وياكل حاجة، فصوته حفر فى قلبى منذ صغرى، وعندما سألت عنه مشايخنا الكبار، قالوا لى فيه ما يضعه فى مكانة كبيرة عندى، وعندما استمعت إليه اليوم بكيت، فقد رأيت فى رحلته ما يطمئنى على نفسى، وعذرًا إذا قلت إن بينى وبينه تشابهات فى البدايات والنشأة، وأسأل الله أن ينعم على بما أنعم عليه.
وبأسى لحظته فى صوت ممدوح قال: أول مرة سافرت باكستان، عندما زارنى الناس ليتفقوا معى، قالوا لى نفس الشىء الذى حدث مع الشيخ السيد سعيد، قالوا: بحثنا عنك كثيرًا ولم نستدل عليك بسهولة، وسألنا وقالوا لنا لا نعرفه، هو بدأ بربع جنيه وأنا بدأت بأربعين جنيهًا، لكن شتان الفرق بينى وبينه، وعندما أستمع إليه أدرك كم هو كبير وعظيم، وأنه يستحق ما وصل إليه، ويستحق منا أن نضعه فوق رءوسنا، فنحن تلامذته.
تدخل الشيخ فى الحوار، وقال يا شيخ ممدوح القرآن هو الذى يضعنا فى عليين، القرآن هو الذى يمكن أن يقعدك فى مكانك الذى تستحقه إذا حافظت عليه.
شكرت الشيخ ممدوح عامر على ما قاله وعلى اقتراحه بتكريم الشيخ السيد سعيد الذى قلت له: كثيرون يا مولانا يأخذون على أننى أميل إلى الشيخ ممدوح أكثر من غيره، لكننى أفعل ذلك ليس لما وهبه الله من نعمة القراءة فقط، ولكن لأنه ابن أصول ويعرف للناس قدرها، كما أنه صاحب أخلاق عالية.
ختم السيد سعيد الكلام بقوله: اللى ميبقاش ميال للشيخ ممدوح مبيفهمش قرآن.
شهادات
أحمد نعينع
الشيخ السيد سعيد من القراء الكبار، وأنا أقول عنه دائمًا إنه من عمالقة القراءة، وأعرف كما يعرف غيرى أنه لم يأخذ حظه من الشهرة، المفروض أن تكون شهرته أضعاف ما هى عليه، وهو قارئ ملتزم، صوته جميل، الأحكام عنده مضبوطة تمامًا مثل الرعيل الأول من القراء، وهو رجل عفيف يحترم زملاءه، وعنده إباء وكبرياء، يعرف أنه قارئ عظيم فينزل نفسه المنزلة التى يستحقها.

أنا أصفه دائمًا بأنه من القراء العظام، ورغم تأكيدى على أنه لم ينل نصيبه المستحق من الشهرة، إلا أن هناك أنبياء مشهورين وأنبياء غير مشهورين، إلا أننا لا نفرق بين أحد من رسله، فإذا كانت شهرته أقل من مستواه وموهبته، فهذا لا يعيبه، لكن هو قارئ كبير جدًا، وزميل محترم، فعندما يقرأ مع أحد فى محفل عام يحترم من يجلس إلى جواره ولا يتعدى على أحد، وهذه من شيم الكبار.
عبدالفتاح الطاروطى

الشيخ السيد سعيد هذا العملاق العظيم الكبير الذى أعتبره أبًا، وهو سيدنا وشيخنا وعمدتنا فى القراءة، وإذا كنا نحن حصلنا على شهرتنا من خلال الإعلام المرئى والمسموع، فسيدنا الشيخ السيد سعيد صنع نفسه بنفسه، ووصل إلى العالمية دون أن تسهم فى ذلك وسائل الإعلام، كل دول العالم كانت حريصة على استضافته، وله جمهور كبير كان ينتظره كل عام فى إيران.
لقد استطاع الشيخ أن يتجاوز الحدود ويتعدى الآفاق بأدائه القوى المتقن الجميل، وهذه نادرة من النوادر لم تتح لقراء كثيرين جدًا، وأنا أعتبرها من الأشياء التى تشهد له على أنه قارئ عصامى.

ومن سمات الشيخ السيد سعيد أيضًا أنه الرمز الأكبر لقراء الدقهلية جميعًا، فلم تكن تمر ليلة إلا والشيخ يقرأ فى مكان داخل المحافظة، كان متواجدًا فى كل المناسبات، استحوذت عليه الدقهلية، وكانت أى محافظة أخرى عندما تدعوه إليها تجده مشغولًا فى محافظته، ولذلك فله مكان ومكانة فى قلب كل مواطن داخل محافظة الدقهلية.
وأنا تشرفت بزمالته فى بعض الليالى، ووجدته يتعامل معنا بأبوة وحنو، فهو كبير فى قدره، كبير فى منزلته، كبير فى اسمه، وكنا نعتبر وجودنا إلى جواره شرفًا كبيرًا لنا.
أنور الشحات أنور

فى كل مرة أرى الشيخ السعيد سعيد أتذكر أبى الشيخ الشحات أنور، فقد كان صديقه وحبيبه، وكانت بينهم حاجات جميلة طول الوقت، وهو صاحب فضل كبير علىّ، وتعلمت منه الكثير، وكان ينصحنى، ولما مرض والدى كان معنا طول الوقت، وكان يهمه أن يظل ذكر الشحات موجودًا، ولذلك دعمنى فى مواصلة القراءة وكان أستاذًا لىّ، وهو إنسان محترم، «وباعتبره فى القراءة عم الرجالة وواحد من العمد الكبار».