الأربعاء 15 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

من رومانسية هوليوود إلى تأثيرات «سبوتيفاى» السلبية.. ماذا يقرأ العالم الآن؟

حرف

فى إطار عملها الصحفى والثقافى، تحرص «حرف» على استكشاف ومطالعة كل ما هو جديد فى ساحة النشر الدولية والإقليمية، فى توجه تنحاز إليه لتعريف القارئ المصرى والعربى بكل ما ينتجه العالم من معارف وثقافات وكتابات.

ومن خلال زاوية «ماذا يقرأ العالم الآن؟»، تأخذ «حرف» قراءها فى جولة خاصة داخل أبرز المكتبات ودور النشر العالمية، لتعريفهم على المنتج الإبداعى الغربى، وأبرز الأعمال الجديدة الصادرة مؤخرًا، فى مجالات الرواية والسياسة والثقافة والسينما والمغامرة.

فى هذا العدد، نلقى الضوء على 3 كتب حازت اهتمام عدة منصات إعلامية كبرى، منها رواية «أتمنى لو كنت هنا»، التى اُقتبس منها فيلم سينمائى يحمل نفس الاسم، ويُعرض قبل أقل من أسبوعين، من بطولة النجم المصرى الكندى مينا مسعود، و«آلة المزاج» الذى يحذر من التأثير السلبى لمنصة «سبوتيفاى» على الموسيقى، و«لا يُسمح لبروك شيلدز بالتقدم فى العمر» الذى يشجع النساء على تقبل أنفسهن فى أى سن. 

Wish You Were Here.. مينا مسعود يُعيد «زمن الرومانسية الجميل» إلى هوليوود

يُعرض فيلم «Wish You Were Here» أو «أتمنى لو كنت هنا» فى دور السينما العالمية والمصرية، يوم ١٧ يناير الجارى، من بطولة النجم المصرى الكندى مينا مسعود.

ويجسد «مسعود» فى الفيلم الجديد شخصية «آدم»، الرسام الوسيم والغامض، الذى يجمعه القدر بـ«شارلوت/ إيزابيل فورمان» لليلة واحدة، قبل أن يلتقيا مرة أخرى فتكتشف أنه يعانى من مرض لا علاج له، لذا تقرر أن تذهب معه فى رحلة ستغير حياتها، خلال أيامه الأخيرة فى هذه الحياة.

الفيلم من إخراج النجمة الأمريكية جوليا ستايلز، فى أول أعمالها الإخراجية على الإطلاق، وهو مقتبس عن رواية تحمل الاسم نفسه، صدرت فى عام ٢٠١٧، عن دار نشر «أتريا بوكس» التابعة لـ«سيمون آند شوستر»، للكاتبة رينيه كارلينو، التى أعربت عن فخرها وامتنانها بتحويل روايتها إلى فيلم، واقترحت قراءة الرواية الرومانسية الحزينة قبل مشاهدته.

فى الرواية المكونة من ٣٢٠ صفحة، نجد أن البطلة «شارلوت» قضت العشرينات من عمرها تائهة، تبحث عن شرارة لبدء حياتها، وربطها بهدف تسعى إلى تحقيقه، وهى تعيش فى شقة صغيرة مع صديقتها المقربة، وعملت فى وظائف كثيرة مثلما كانت لديها علاقات سيئة، لتتنقل من وظيفة إلى أخرى ومن شاب إلى شاب.

تشعر «شارلوت» بالضياع، خاصة مع وظيفتها غير المبهرة فى مطعم فطائر وبطاطس مقلية بمدينة لوس أنجلوس، حيث الزى الرسمى سيئ، والإكراميات أسوأ وأسوأ، قبل أن تصطدم -حرفيًا- بـ«آدم»، الرسام المثير للاهتمام والوسيم والغامض، بينما كانت وصديقتها المقربة تقضيان ليلة خارج المنزل.

يتحول لقاؤهما العرضى فى الشارع إلى علاقة عابرة لليلة واحدة، تجعل «شارلوت» تشعر بالسحر من عفوية «آدم» وبهجته وشعوره بالحياة، وكيف أنها تجد وعدًا فى كل كلماته وأفعاله، رغم أنه يبدو ضائعًا تمامًا، كما تشعر.

يجمعهما القدر فى منتصف الليل، وسط ليلة عاصفة من تناول «الشامبانيا» والطعام الصينى، لكن مع ضوء الصباح التالى، يتغير صوت «آدم» ويتجاهلها، ما يجعل «شارلوت» مرتبكة ومجروحة، وتتساءل عما إذا كان سوء حظها السيئ مع الرجال بسبب عدم قدرتها على الحكم الصحيح على الأشخاص الذين تقابلهم، أم أن هناك شيئًا آخر لا تعرفه.

بعد أشهر، تبدأ «شارلوت» علاقة جديدة مع «سيث»، لاعب البيسبول، لكنها لا تزال تواجه صعوبة فى تجاوز ليلتها الآسرة مع «آدم»، ولا تستطيع التوقف عن التفكير فيه وفى هذه الليلة.

تظل تتساءل عن سبب موقفه المفاجئ السريع، وتبحث عن إجابات لذلك، وأثناء البحث تتحول الرغبة فى إيجاد الحب الحقيقى إلى إعادة اكتشاف ماهية الحب، قبل أن تكتشف «شارلوت» فى النهاية أن سبب تصرف «آدم» بغرابة شديدة هو أنه مريض يقترب من الموت.

ورغم ما تحمله الرواية من ألم وحزن وقصة حب مأساوية، تحتوى على كل شىء تقريبًا، تحتوى على قصة حب، قصة حياة، كيفية عيش الحياة على أكمل وجه، وعدم الخوف من اتباع قلبك عندما تجد الحب الحقيقى، فضلًا عن أهمية تقدير كل لحظة لدينا، وعدم اعتبار أى وقت أمرًا مُسلمًا به.

جذبت الرواية النجمة الأمريكية جوليا ستايلز، التى قالت: «لم أتوقف عن ذرف الدموع بعد قراءتها. القصة حطمت قلبى»، مضيفة فى تصريح لمجلة «بيبول» الأمريكية: «تمنيت لو أخرجت هذه الرواية فى عمل سينمائى».

وكان لـ«ستايلز» ما أرادت، وخاضت أولى تجاربها الإخراجية بفيلم من هذه الرواية، اختارت لدور البطولة فيه النجم المصرى الكندى مينا مسعود، الذى عرفه الجمهور فى جميع أنحاء العالم بدوره فى فيلم «علاء الدين»، مع النجم الأمريكى ويل سميث.

وبعد خوض الفنانة البالغة من العمر ٤٣ عامًا أدوارًا رئيسية فى هوليوود لأكثر من ٢٠ عامًا، أمام عدد كبير من النجوم مثل برادلى كوبر، والراحل هيث ليدجر التى عُرفت بفيلمها معه «أشياء أكرهها بشأنك»، قررت «ستايلز» أنها مستعدة للوقوف خلف الكاميرا واختبار براعتها كمخرجة. 

ويرى النقاد أن هوليوود واجهت نصيبها من المتاعب فى صنع أفلام رومانسية مؤثرة خلال السنوات الأخيرة، لكنهم وضعوا آمالًا كبيرة على المخرجة جوليا ستايلز، معتبرين أنه إذا كانت هوليوود ترغب فى تقديم أفلام رومانسية ناجحة، فلن تجد أفضل من «ستايلز»، التى شاركت فى أفلام رومانسية لا تُنسى. 

وقال الناقد روجر مور، فى مقال بمجلة «موفى ناشون»: «عند عرض الفيلم، فى ١٧ يناير الجارى، سنرى ما إذا كانت جوليا ستايلز، ونجومها إيزابيل فورمان ومينا مسعود، سيحققون النجاح أم لا»، مؤكدًا أنه يراهن على نجاح «ستايلز» فى أولى تجاربها الإخراجية.

وأضاف الناقد الأمريكى: «ستايلز اهتمت بعناصر النجاح فى السيناريو، الذى كتبته مستندة إلى رواية «رينيه كارلينو»، وتعرف أيضًا عناصر النجاح فى المجموعة التى اختارتها، وعلى رأسها مينا مسعود وإيزابيل فورمان، وقدرتهما على إنتاج مشاهد رومانسية مثالية».

وتوقعت عدة وسائل إعلام أمريكية أن يكون «أتمنى لو كنت هنا» الفيلم الأكثر إثارة لنجم «علاء الدين»، الذى اتجهت أعماله الأخيرة نحو الكوميديا الرومانسية، بينما يحتوى فيلمه هذا على عاطفة قوية، تتجلى فى «الميلو دراما» التى تعزف على أوتار القلوب وتمسها بشكل كبير.

وفى نفس الوقت، يعد هذا الفيلم جزءًا من اتجاه رومانسى جديد، وفى حين أن نهايته لا تزال غير معروفة، يبدو أنه سيكون فيلمًا كلاسيكيًا يجعل المشاهد يبكى، سواء نجت شخصية مينا مسعود أم لا. 

ورغم أن أفلام الرومانسية التى تثير الدموع أو الدراما كانت شائعة للغاية على مر السنين فى السينما الأمريكية، فإنها أصبحت بارزة بشكل متزايد فى دور العرض خلال الفترة الأخيرة، بعد فترة هدوء.

وكان أحدث هذه الأفلام: «It Ends with Us»، الذى قُدم فى أواخر ٢٠٢٤، وحقق نجاحًا كبيرًا، من بطولة النجمة بليك ليفلى، و«We Live in Time» بطولة أندرو جارفيلد، و«The Idea of You» للنجمة آنا هاثواى.

Brooke Shields Is Not Allowed to Get Old.. دليل النجمة الأمريكية بروك شيلدز للتغلب على الشيخوخة

تصدر دار النشر «فلاتيرون»، فى ١٤ يناير الجارى، كتاب «Brooke Shields Is Not Allowed to Get Old»، أو «لا يُسمح لبروك شيلدز بالتقدم فى السن»، من تأليف عارضة الأزياء والممثلة الأمريكية الشهيرة، بروك شيلدز، التى تتناول تجربتها الشخصية وأفكارها حول ما يعنيه للمرأة التقدم فى العمر، خاصة بعد بلوغها سن الستين.

وبلمسة من الفكاهة، تُصوّر «شيلدز» فى كتابها المرأة فى أوج حياتها كشخصية ملهمة ومتفائلة، تدرك جمالها وقوتها مع تقدم العمر، وتنفى فكرة أن الشيخوخة هى وحش يختبئ فى الظلام، بل تقدمها كفترة نضج وثقة بالنفس.

وتصف تجربتها فى دائرة الضوء منذ طفولتها كعارضة أزياء وممثلة، والتى تلزمها بالخضوع لتدقيق مستمر على مظهرها وقراراتها، مشيرة إلى أنها تواجه اليوم نوعًا آخر من التدقيق كامرأة فى الستين، لكن هذا المرحلة العمرية جلبت معها حرية وراحة وثقة وتمكينًا لم تنعم بها سابقًا.

وتركز فى كتابها، الذى يقع فى ٢٥٦ صفحة، على فكرة استعادة النساء قوتهن وسلطتهن فى مرحلة الشيخوخة، وترفض فكرة التراجع والانزواء، مؤكدةً أن هذه السنوات تتيح للنساء فرصة فريدة لتحديد مسار حياتهن، وكتابة قصصهن الخاصة.

وتقدّم النجمة بروك شيلدز، أيقونة «جيل إكس»، فى كتابها، صورة متفائلة للمرأة فى أوج عطائها، وتُفكّك بصراحة وروح دعابة الأساطير التى تحيط بهذه المرحلة العمرية، وتستند فى تحليلها على تجاربها الشخصية، وأبحاث وتقارير مُوثّقة، بهدف الكشف عن العوامل النظامية التى تغذى التحيز المرتبط بالعمر.

وتشارك «شيلدز» تجربتها الشخصية مع الخوف من الشيخوخة، وكيف تبدّد هذا الخوف بعد بلوغها الخمسين، مُتحديةً المفاهيم المغلوطة التى تُلقّن للنساء منذ الصغر بأن هذه المرحلة تمثل نهاية الطريق. 

وتصف هذا التحول قائلةً: «كان الأمر وكأننى أمتلك قوة عظمى. لفترة طويلة تم تدريب النساء على الخوف من الشيخوخة. كانت الرسائل لا تنتهى حول مكافحة الشيخوخة، وإعادة الزمن إلى الوراء، لكن هذا لم يكن واقعيًا. كان الأمر وكأننى أمتلك كل الوقت فى العالم، وبدأت أسأل نفسى عما أريده».

وتشير إلى أن فكرة مطاردة المرأة للشباب الدائم، التى نشأت عليها، كانت تثير رعبها، تمامًا كما تثير رعب أى امرأة تحاول، كما فى فيلم «الموت أصبح هى»، عبر الوصول إلى شباب أبدى على طريقة ميريل ستريب وجولدى هاون، مفندة هذه الفكرة، ومتحدثة بصراحة عن جوانب الشيخوخة وإيجابياتها وسلبياتها.

وتُسلّط «شيلدز» الضوء على أهمية التواصل غير اللفظى، مستشهدةً بتجربتها فى تايلاند، حيث التقت سيدة فى كوخ طينى، ورغم اختلاف لغتيهما وثقافتيهما، تمكنتا من التواصل بفاعلية بفضل روح الدعابة المشتركة. 

وتشير «شيلدز» إلى أن هذه التجربة تعد مثالًا على إحدى مزايا التقدم فى السن، وهى إتاحة المزيد من الوقت للسفر واكتشاف ثقافات جديدة، مشددة على أنه لم يفت الأوان أبدًا لتجربة أى شىء فى الحياة.

وتناقش تحول مفهوم الأمومة مع تقدم المرأة فى العمر، وكيف يمكن للتجربة أن تتحول من مصدر قلق إلى مصدر فخر وسعادة، مشيرة إلى أنها كانت تخشى هذه المرحلة، لكنها اكتشفت أن رؤية الأبناء يزدهرون فى حياتهم تُعدّ مكافأة رائعة للأم، وأن تجاوز صدمة عدم الحاجة إليها بالصورة التقليدية يُفسح المجال للاستمتاع بنجاحهم.

وتُركّز فى حديثها عن العلاقات الزوجية طويلة الأمد على أهمية تقبّل التغيير والنمو المستمر للزوجين، وتشارك تجربتها مع زوجها كريس هينشى، بعد ٢٥ عامًا من الزواج، مؤكدةً أن العلاقة تتطلب جهدًا وتواصلًا، وأن فهم رحلة التغيير التى يمر بها كل طرف، مع الحفاظ على جوهر الشخصيتين اللتين جمع بينهما الحب، يعد أساسًا لاستمرار العلاقة بنجاح.

وتشير كذلك إلى ضرورة وجود رغبة مشتركة بين الزوجين فى الاستمرار معًا، مهما تقدم بهما العمر، وتنصح بالحفاظ على التواصل الفعال وروح الدعابة لتجاوز أى صعوبات قد تطرأ.

ويهدف الكتاب إلى فتح باب حوارات بنّاءة بين النساء حول تجربة الشيخوخة بأبعادها المختلفة، سواء على المستوى الشخصى أو الزوجى أو الأمومى، مع تأكيد أن منتصف العمر لا يُمثّل نهاية المطاف، بل يمكن أن يكون بداية لمرحلة جديدة مليئة بالفرص والإمكانات.

ويهدف، أيضًا، إلى تمكين النساء من مواجهة كراهية الشيخوخة، والتغلب على معايير الجمال غير الواقعية، والتصورات المجتمعية السلبية عن التقدم فى العمر، مع تقديم أدوات عملية لإيجاد القوة العقلية والعاطفية اللازمة للعيش حياة كاملة ومُرضية.

ويُشجّع الكتاب النساء فى مرحلة معينة من العمر على الجمع بين التأمل فى مسيرة حياتهنّ وما حققنه من إنجازات، والاهتمام بصحتهنّ والسعى إلى فهم أعمق لذواتهنّ، وتُشارك مؤلفته تجربتها الشخصية، وكيف أنها اكتشفت مع اقترابها من الستين أنها أصبحت أكثر شجاعة من أى وقت مضى.

ويدعو إلى تغيير النظرة النمطية للمرأة التى تُعطى الأولوية لرعاية الآخرين على حساب صحتها، ويُشجّعها على المطالبة بحقوقها الصحية والدفاع عن نفسها أمام مُقدّمى الرعاية الصحية، مع تأكيد أهمية الثقة فى حدس المرأة وخبرتها المتراكمة فى اتخاذ القرارات المناسبة لصحتها.

Mood Machine.. كيف أفسدت «سبوتيفاى» الموسيقى؟

أصدرت دار «سيمون آند شوستر»، أمس، كتاب «Mood Machine: The Rise of Spotify and the Costs of the Perfect Playlist»، أو «آلة المزاج: صعود سبوتيفاى وتكاليف قائمة التشغيل المثالية»، للكاتبة الصحفية ليز بيلى، والذى يكشف عن أصول منصة «سبوتيفاى»، وتأثيرها على صناعة الموسيقى، عبر تحقيق موسع أجرته المؤلفة مع مطّلعين على الصناعة وموظفى المنصة. وتستعرض الصحفية الموسيقية ليز بيلى، فى كتابها، الانتقادات الثقافية الموجهة لمنصة «سبوتيفاى»، التى يبلغ عدد مستخدميها النشطين شهريًا ٢٣٢ مليونًا، بسبب تأثيرها على شكل الموسيقى من خلال قوائم التشغيل والتخصيص والتشغيل التلقائى، وتقدم رؤية نقدية لنموذج «سبوتيفاى»، مع توصيات لإعادة التفكير فى مستقبل الموسيقى وإنشاء أنظمة أفضل.

ويبين الكتاب، الذى يقع فى ٢٨٨ صفحة، كيف غيّرت شركات التكنولوجيا الكبرى، على رأسها «سبوتيفاى»، تجربة الاستماع إلى الموسيقى، وما يصاحب ذلك من تكاليف مادية غالبًا ما تُحجب عن المستخدمين.

وتكشف الكاتبة، بوصفها من القلائل الذين تمكنوا من النفاذ إلى خفايا هذه المنصات، عن الجوانب الخفية فى نموذج عمل «سبوتيفاى»، لذا وصف مراقبون كتابها بأنه «أهم ما كُتب عن صناعة الموسيقى منذ عقود».

ودفع ذلك صحيفتى «واشنطن بوست» و«ذا نيويوركر» إلى نشر مقتطفات من الكتاب، الذى يلفت الانتباه إلى خطورة تأثير «سبوتيفاى» على المشهد الموسيقى، فى ظل ترويج أنواع موسيقية رتيبة، والتشجيع على الاستماع السلبى.

وقالت ليز بيلى إن شركة «سبوتيفاى» تستفيد من أرباح الموسيقيين العاملين، بينما تهيئ الساحة لاستبدالهم بموسيقى مُولّدة بواسطة الذكاء الاصطناعى، مستندة فى تحليلها إلى مقابلات أجرتها مع موظفين حاليين وسابقين، بالإضافة إلى متابعة روايات الشركة المتغيرة عن نفسها. ومن داخل مقر الشركة الرئيسى فى ستوكهولم بالسويد، لاحظت المؤلفة كيف تطورت «سبوتيفاى»، التى أُدرجت فى بورصة نيويورك منذ فبراير ٢٠١٨، حتى نقل مكاتبها إلى نيويورك، فى سبتمبر من العام نفسه.

وأشارت المؤلفة إلى أن جذور «سبوتيفاى» تمتد إلى حقبة الاحتجاجات المناهضة للعولمة، فى أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، حين أسس ناشطون سويديون مناهضون للرأسمالية ما عرف بـ«مكتب القرصنة»، الذى تطور لاحقًا ليصبح «بايرت باى»، وهو منصة عملاقة لتبادل الملفات، ما جعل السويد مركزًا عالميًا لانتهاك حقوق الطبع والنشر فى ذلك الوقت.

استفاد دانييل إيك، الرئيس التنفيذى لـ«سبوتيفاى»، من النظام السويدى، الذى يتميز تاريخيًا بالدعم الحكومى القوى للموسيقيين وبرامج التعليم الموسيقى العامة المحلية القوية، فضلًا عن ضعف حماية حقوق الطبع والنشر. فى المقابل، تعتمد الولايات المتحدة على دعم عام أقل وتشريعات أكثر صرامة فى هذا المجال.

وكشفت عن أن «سبوتيفاى» ترى الموسيقى كأداة، على غرار رؤية «أمازون» للكتب فى بداياتها، بهدف التوغل فى حياة المستخدمين. ولتحقيق «التفوق السمعى»، تعتمد المنصة على ما تُطلق عليه «الخوارزميات»، وهو مزيج من الاقتراح «الخوارزمى» والتدخل التحريرى لإنشاء قوائم تشغيل مُحددة ومتجانسة وآلية بشكل متزايد، وهى فكرة ليست جديدة.

وباتت التطورات الفنية والفكرية تواجه مصيرًا مشابهًا لما حدث لموسيقى «البانك» والموسيقى الشعبية، التى فقدت روحها الأصلية، وأصبحت مجرد عناصر جمالية لدى العديد من المستمعين.

وساهمت هيمنة منصة «سبوتيفاى» على السوق فى تغيير أنماط الاستماع والإبداع الموسيقى. فالمستمعون باتوا يتعاملون مع الموسيقى كخلفية وظيفية للنوم أو الدراسة، أو حتى كديكور صوتى للأماكن العامة، ما أضعف ارتباطهم بالفنانين الأفراد، وفق المؤلفة.

واستغلت «سبوتيفاى» هذا التوجه لملء قوائم التشغيل بأغانٍ منخفضة التكلفة، تفتقر إلى العمق الفنى والتميز، مركزة على تحقيق أقصى ربحية على حساب الجودة الإبداعية. والمفارقة اللافتة تكمن فى أن التأثير الأساسى لشركة «سبوتيفاى»، التى تسوق نفسها كمنصة تهدف إلى تعزيز «الاكتشاف»، يتمثل فعليًا فى إبقاء المستخدمين داخل مناطق راحتهم. 

وأوضحت الصحفية الموسيقية أن الشركة تعتبر هذه المناطق أدوات للحفاظ على ولاء العملاء، مع دفع الفنانين للبقاء ضمن تلك الحدود أيضًا، لتجنب سيناريوهات تخطى الأغانى، التى تعتبر مصدر قلق كبير لمنصة البث.

وحذّرت من أن هذا النموذج الخدمى للإبداع يؤدى إلى ركود جمالى، فمعه يُضطر بعض المنتجين وكُتّاب الأغانى إلى التناغم بشكل مُفرط مع مقاييس المستمعين، والتخلى عن ٣٠٪ من حقوق الملكية الخاصة بهم للحصول على وضع تفضيلى على «سبوتيفاى». 

وحذرت من أن الصحفيين الموسيقيين قد يشعرون أيضًا بالتهميش بسبب التوصيات الآلية والتنظيم، وحتى التصنيف الجمالى الذى تولّى ابتكار أسماء له مهندس سبوتيفاى السابق، جلين ماكدونالد، واصفًا إياها بـ«مجموعات البيانات» للمستمعين والعلامات الأسلوبية.

ورأت أن هدف «سبوتيفاى» يتعدّى توصية الأغانى ليصبح تشكيل ثقافة معينة، قائمة على البقاء مشتتًا وسلبيًا قدر الإمكان، مُستشهدة بمقولة دانييل إيك: «منافسنا الوحيد هو الصمت»، وهو ما يشير إلى سعى المنصة لـ«جعل المستمعين منصتين باستمرار دون أى معارضة».

وأكدت أن «سبوتيفاى»، التى حققت انتشارًا فى أوروبا خلال العقد الأول من القرن الحادى والعشرين مستفيدةً من ضعف وجود شركات التسجيلات الكبرى على الإنترنت، روّجت لفكرة مجانية الموسيقى عند إطلاقها فى الولايات المتحدة عام ٢٠١١، عبر تقديم مستويين مدفوعين ومستوى مجانى. 

ونقلت عن مصدر مقرب من «سبوتيفاى» قوله إن الشركة أجرت دراسة كشفت عن إمكانية تقديم تجربة مختلفة نوعيًا عن «iTunes» ، فتتبعت عادات الاستماع لدى مجموعة من المستخدمين، من مزيج تمارين الصباح إلى المقاطع الصوتية الهادئة للمساء، ما مكّن «سبوتيفاى» من فهم كيفية استخدام الموسيقى على مدار اليوم، حتى أثناء النوم.

وكشفت عن أن طموح «سبوتيفاى» يتجاوز الموسيقى ليشمل الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من وقت واهتمام المستمعين، مضيفة: «من خلال فهمها لتأثير الموسيقى على الحالة المزاجية، قد تكون المنصة قادرة على تخمين مزاج المُشترك وتقديم المحتوى المناسب».

ويفسر ذلك استثمارها فى البث الصوتى، عبر صفقات ضخمة مع شخصيات مثل جو روجان وبيل سيمونز، بالإضافة إلى دخولها عالم الكتب الصوتية، فهدفها هو إبقاء المستمع منخرطًا باستمرار، حتى من خلال تدفق مستمر للأصوات اللحنية غير المزعجة. وتُثير «بيلى» فى كتابها تساؤلًا حول ما إذا كان البث المتواصل للموسيقى على منصات مثل «سبوتيفاى» يُفقد المستمعين القدرة على التمييز بين ما يفضلونه حقًا، مشيرة إلى أن المستمعين فى الماضى، مع وسائل الإعلام التقليدية مثل الراديو والتليفزيون، كانوا يتمتعون بفرصة أكبر لتكوين أذواق موسيقية مستقلة، وهو ما قد لا يتحقق مع الإدمان على البث المتواصل.