الأربعاء 02 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

طه هنداوى يكتب: على قارعة الحواديت

حرف

من داخل جلباب الليل الأسود، امتدت يد بيضاء تنزعه منه، بعد عملية الانسلاخ وجد نفسه منشرحًا صدره، نهض فتوضأ وصلَّى ركعتين، لبس جلباب الليل ثانية ثم نام.

فى الصباح الباكر حدّث أمه بما رأى فتبسمت ضاحكة من حلمه، أخذته فى أحضانها، طبعت على جبينه قبلة لا يعرف طعمها إلا مثلها، هبط إلى المدينة يقتفى أثر نتيجة مكتب التنسيق فى الجرائد التى لا تصل إلى قريته النائمة على حافة المجهول، التحق بكلية العلوم فتكشف نصف الحلم الأول.

بدأت الدراسة فى قسم النبات الذى يعشقه، واصل دراسته بنجاح وتفوق، أمام صمتِ النباتات التى تحكى قصة الحياة وقف بعوده النحيل اليابس إلا من قلب أخضر وجذوره الليفية وملامحه الريفية يغازل زهرة قائلًا: «يا زهرتى.. هذا الربيع الطلق هيا.. فتحى، وتمايلى برشاقة من فوق عودك، وامرحى.. يا زهرتى.. هلا إذا غازلت حسنك.. تسمحى؟ كلمتك.. فهززت تاجك.. إى بحق أفصحى».

■ الله الله.. فى قسمنا شاعر منذ ثلاث سنوات ولم يخبرنا أحد؟! 

■ دكتورة (.....).. لا.. لا ولا شاعر ولا حاجة، هل تأذنين لى؟

■ انتظر.. هل تخجل من كتابة الشعر؟ 

■ لا..لا، ولكن....

■ لكن ماذا؟

■ إن ما أكتبه دون المستوى.

■ من قال ذلك؟ لقد سمعت بالصدفة البحتة برنامجًا إذاعًيا ولم أصدق أنك الذى تحاور تلك الإذاعية اللبقة وترد عليها بتلك الحجج الشعرية الرائعة.

■ لا تبالغى يا دكتورة. 

■ هذه ليست مبالغة، إننى أحب الشعر وأتذوقه، كما أحب كتابته أيضًا لكنى لست على دراية كاملة بمقوماته.. فهل يمكنك مساعدتى؟

■ كيف؟

■ تعلمنى. 

■ أعلم أستاذتى؟! 

■ ولِمَ لا؟

هز أكتافه فى خجل قائلًا: لا مفر، ولعلى أقدم شيئًا لأستاذتى.

■ إذن سأحضر لك بعض محاولاتى لمراجعتها.. إلى الملتقى.

نمت اللقاءات، اخضوضرت أغصانها، تفتحت أزهارها، أذاب الشعرُ جبال الجليد بينهما، انسابت جداول الود رقراقةً تعزف على أوتار القلوب ألحانًا ندية، فبعد أربع سنوات تكشف نصف الحلم الثانى. وسط أمواج الدهشة وعواصف الغيرة والتزلج على لعاب الإحساس بالنقص، علت ألسنة النظرات الملتهبة، كلما مرت بهم كانوا يتغامزون يتهامسون يفكرون، يتساءلون: ماذا؟.. إذا؟

ولماذا؟.. هل؟

أم كيف حل المسألة؟

على جمر النظرات، احمرت الألسنة، أصبحت طيعة قابلة للطرق والسحب، صنعوا منها سيوفًا حادة أراقوا بها دماء سيرتها الذكية على قارعة الحواديت!!.